يستحق الثنائي؛ القارئ عبدالفتاح الشعشاعي والمنشد طه الفشني، لقب أعمدة دولتي التلاوة والإنشاد؛ ورغم رحيلهما، إلا أنهما موجودان في قلب ووجدان كل عاشق للسماع والإطراب، من خلال أعمالهما التي تملأ الآفاق عطرا، وفي الصورة يظهر العمالقين بصحبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يتجاذبان أطراف الحديث. ولد القارئ عبدالفتاح الشعشاعي في قرية شعشاع مركز أشمون بمحافظة المنوفية، في دلتا النيل يوم 21 مارس 1890، وكان والده محفظًا للقرآن، فحفظه على يديه، حتى أصبح ثاني قارئ بالإذاعة المصرية بعد افتتاحها عام 1934، سبقه الشيخ محمد رفعت، كما أنه عين قارئًا لمسجد السيدة نفيسة، ثم مسجد السيدة زينب، وقرأ في مأتم سعد زغلول باشا، وعدلي يكن باشا، وعبد الخالق ثروت باشا. كون الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي فرقة للتواشيح الدينية، وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد، الملحن الشهير الذي ذاع صيته فيما بعد، وسرعان ما بدأ الشعشاعي يتألق ويلمع، وأصبح له عشاق بالآلاف، ومنذ سنة 1930، تفرغ الشيخ لتلاوة القرآن الكريم وترك التواشيح إلى غير رجعة، ومع ذلك لم ينس رفاقه في الدرب، فقرر تخصيص رواتب شهرية لهم حتى وفاتهم، وبعد افتتاح الإذاعة عام 1936، بدأ نجم الشيخ يتلألأ، وتم اعتماده بالإذاعة وسجل إليها مجموعة من الأشرطة وصلت إلى أربعمائة. وكان الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يتمنى القراءة في الحرمين الشريفين بالمملكة العربية السعودية، وبالفعل تحققت أمنيته؛ ففي عام 1948 ذهب إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج، وفي هذا العام أدخلت المملكة الميكرفونات في الحرمين المكي والمدني، وقرأ الشيخ الجليل يوم الجمعة في الحرمين بحضور الملك عبد العزيز آل سعود، خادم الحرمين، وبذلك يكون الشيخ أول من قرأ القرآن الكريم بمكبرات الصوت في مكة والمسجد النبوي، ورحل عن عالمنا في 11 نوفمبر 1962. أما الشيخ طه الفشني، فهو أحد خريجي مدرسة حارة الروم التي كان يعيش فيها بحوار مسجد الحسين، حيث تعلم فيها الإنشاد والتواشيح والقراءة، وتخرج فيها قامات كبيرة، منها الشيخ أحمد ندا الأب الروحي للقراء المصريين، والشيخ محمد سلامة عملاق القراء، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي. الغريب، أن الشيخ طه الفشني بدأ حياته مغنيا بعدما درس علوم النغمات والموسيقي والأصوات، وجمع بين التجويد والقرآن ودرس الموسيقي مع الشيخ زكريا أحمد ومرسي الحريري ودرويش الحريري ومحمد عبد الوهاب، كما أنه امتلك القدرة على العزف بالعود، مثلما كان الشيخ علي محمود يلعب عن الناي، حتى أنه شارك أم كلثوم وعبد الوهاب في إحياء حفل زواج الملك فاروق كمطرب، حيث يقول ابنه زين الفشني: "في عام1937 كان أبي مرافقا لفرقة الشيخ علي محمود للإنشاد الديني، كان صوته محفزا لكثير من الملحنين أن ينظموا له الأغاني سواء محمد عبدالوهاب أو زكريا أحمد". تعاقد الفشني مع شركة كايرو فون للاسطوانات علي تسجيل عدة أغان له تطرح له في الأسواق، وسجل بالفعل طقطوقات وعدة أغان على أساس أن تطرح في الأسواق كتسجيلات، لكن لعب القدر هنا دوره عندما سمع صوته رئيس الإذاعة سعيد باشا في حفلة بالحسين ليلتحق بعدها كقارئ بالإذاعة المصرية عام 1937.