حالة من الخوف والقلق تعيشها الإدارة البريطانية مجددًا، بعدما صوت البرلمان الاسكتلندي أمس لصالح طلب إجراء استفتاء جديد على الاستقلال عن المملكة المتحدة، الأمر الذي أثار الجدل مرة أخرى بشأن هذه المسألة، لا سيما وإنه أعاد الحديث عن تداعيات هذه الخطوة ودوافع أدنبره للتحرك نحو الاستفتاء مرة ثانية، بعد رفض الشعب هذه الفكرة منذ ما يقارب الثلاثة أعوام. وصوت 69 نائبًا لصالح قرار إجراء الاستفتاء، بينما صوت 59 ضده، وبهذه النتيجة تكون رئيسة الحكومة الاسكتلندية نيكولا ستيرجن قد حصلت على الموافقة من البرلمان الاسكتلندي، وبقي أن تحصل على موافقة من البرلمان البريطاني وحكومة تيريزا ماي، لكي تستطيع تنظيم الأستفتاء الجديد. كان الاسكتلنديون رفضوا الاستقلال عن بريطانيا في عام 2014 لبقائها في الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، ثارت شهوة أدنبره للمطالبة مجددًا بالاستقلال، حيث خرجت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن، لتقول في مقابلة لها إن الاستفتاء سيجري في خريف عام 2018، مضيفة أن «ماي (رئيسة وزراء بريطانيا) بإصرارها تدفعنا إلى إجراء استفتاء ثانٍ»، مؤكدة أنه عندما تكتسب خريطة صفقة المملكة للخروج من الاتحاد الأوروبي ملامح أكثر وضوحًا، فأظن أنه سيحين الوقت لكي تقوم اسكتلندا باختيارها. ويقول المؤيدون للانفصال عن بريطانيا إنه كانت هناك رغبة مسبقة داخل الإدارة الاسكتلندية في إحراء الاستفتاء، قبل أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤكدين أنه من المرجح بحسب استطلاعات الرأي أن سكان شمال الجزيرة البريطانية (الاسكتلنديين) إذا ما خيروا بين بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي، فإنهم سيختارون الانضمام إلى الاتحاد. وترجع ثقة الحكومة الاسكتلندية في نجاح الاستفتاء لصالح الاستقلال عن بريطانيا هذه المرة إلى عامل أساسي، وهو أن رفض الناخبين استقلال اسكتلندا في استفتاء سبتمبر 2014 يرجع إلى خوفهم من مغادرة الاتحاد الأوروبي في حال خروجهم من بريطانيا، إلا أن البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) عزز من فرص التصويت ب "نعم" في الاستفتاء. وأصدرت الحكومة البريطانية بيانًا رفضت فيه مناقشة فكرة إجراء استفتاء ثانٍ على استقلال اسكتلندا، وجاء في بيان حكومة لندن "سيكون من الظلم لشعب اسكتلندا إجراء استفتاء جديد في ظل غياب المعلومات الضرورية لدى المصوتين عن علاقتنا المستقبلية مع أوروبا". وقبل أيام التقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجون؛ لبحث التطورات الأخيرة وعزم اسكتلندا المضي قدمًا في تنظيم الاستفتاء، وقالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجون "تشكل لديَّ انطباع تأسس على تقارير إعلامية من أن ماي جاءت تعرض شيئًا كصلاحيات إضافية، لكن الأمر كان خلاف ذلك، لا يوجد أي ضمانات أن السلطات التي ستعود إلى المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ستنقل إلى اسكتلندا، كما أن هذه المناطق لن تكون خاضعة للمركزية في ويستمنستر". الاستقلال عن بريطانيا على المستوى الاقتصادي هناك مديونيات داخلية وخارجية على بريطانيا تتجاوز 1.2 تريليون جنيه استرليني، لذلك من المؤكد أن اسكتلندا ستكون لها حصتها من هذه الديون، وهذا يعني أنه سيكون هناك تحدٍّ اقتصادي، ربما ستضطر الحكومة لمواجهته إلى زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق العام بمقدار 6 مليارات جنيه استرليني، لكن طبقًا لدعاة الاستقلال فإن اسكتلندا قادرة على دفع حصتها من الدين القومي من خلال الرجوع إلى المساهمة التاريخية التي قدمتها اسكتلندا في التمويل العام بالمملكة المتحدة. ويؤكد المؤيدون لفكرة الاستقلال أنه لا خوف على اقتصاد اسكتلندا بعد الانفصال، مستدلين بأن الناتج الاقتصادي لاسكتلندا، حتى دون النفط والغاز، يتساوى تقريبًا مع المملكة المتحدة ككل، وبالتالي فالنفط والغاز يمثلان ميزة إضافية، وربما تصل القيمة التي تحصل عليها اسكتلندا من ريع النفط إلى أكثر من 90%. من ناحية الأمن العسكري والمخابراتي فإن اسكتلندا في الوقت الحالي تُعد المنطقة الثابتة للغواصات النووية البريطانية، وهذا الأمر سيجعل من الصعوبة أن تنفصل اسكتلندا من ناحية الدفاع أو في تجهيزها العسكري عن بريطانيا، وفي حال حدوث ذلك، فإن التنسيق سيكون كاملًا، بحيث يتشارك جهاز الاستخبارات الاسكتلندي معلوماته بشكل شبه كامل مع المكتبين الخامس والسادس البريطانيين، كما أن اسكتلندا ستعتمد بشكل كبير على بريطانيا في مسألة الدفاع. دوافع اسكتلندا للانفصال كتب نيل إيروين في صحيفة "نيويورك تايمز" مقالًا بعنوان "لماذا تريد اسكتلندا الاستقلال؟"، وقال إن "هناك بالتأكيد بعض الوعود من القادة الداعمين للاستقلال بتحسين الخدمات العامة". وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية عرضت أن تزيد من حقوق الاسكتلنديين في التحكم في الضرائب والأمور الإدارية العامة داخل حدودهم إذا رفضوا الاستقلال، لكن يبدو أن كل ذلك ليس كافيًا، بحسب الكاتب الذي أكد أن الاستقلال يعيد مميزات عديدة، منها الانتماء لكيان كبير بالانضمام للاتحاد الأوروبي. وقال أليكس سالموند الزعيم السابق للحزب القومي الحاكم في اسكتلندا، في وقت سابق؛ ردًّا على سؤال "كيف يمكن لاسكتلندا إذا ما انفصلت أن تبقى بلا ديون؟"، بقوله "إن ذلك لا يقلق، ما نقوله هو أن هذا بلد يتمتع بموارد بشرية وطبيعية هائلة، يمكن أن تجعله بلدًا ناجحًا جدًّا، يتميز مجتمعه بعدالة تزيد كثيرًا على ما هو عليه الحال الآن". ويستغل القوميون، الذين يعتزون بالجنسية الاسكتلندية ويؤديون الاستقلال من بريطانيا، وجود فجوة اقتصادية هائلة بين دول المملكة المتحدة، فبحسب الإحصائيات فإن العاصمة الاقتصادية لاسكتلندا جلاسكو تعكس هذه المشكلة؛ خاصة أن عدد العاطلين عن العمل فيها يزيد على نظرائهم في بقاع المملكة المتحدة الأخرى، وعدد من يموتون في سن مبكرة، بفعل أمراض القلب، يرتفع عن عدد نظرائهم في أي مكان آخر من العالم. آمال ببقاء الوحدة لعل الأمل الوحيد للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة، وخاصة مع استقلال اسكتلندا، هو في أن تتسلم السلطة في دول الاتحاد الأوروبي الأحزاب المشككة في أوروبا، وذلك عبر صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية المقبلة، كانتصار مارين لوبان في انتخابات فرنسا الرئاسية، وهزيمة أنجيلا ميركل في الانتخابات الألمانية في سبتمبر المقبل، الأمر الذي قد يهدد بقاء الاتحاد الأوروبي كمنظومة موحدة، وهو ما سيعيد تفكير اسكتلندا بشأن الاستقلال عن بريطانيا.