ساقطو القيد بمصر من الأزمات الكبيرة، إذ يعد هؤلاء الأفراد بمثابة "الخيال" الذي يعيش بيننا، ولكنه غير موجود وفقًا لسجلات الدولة، حيث يعد ساقط القيد مواطنًا وفقًا للأعراف لدى الكثير من المواطنين، ولكنه لا يمثل لدى الدولة أكثر من شخص مجهول الهوية، لعدم امتلاكه شهادة ميلاد، وبالتالي لا يملك رقمًا قوميًّا، ومن هنا يتم التعامل معه بحرص شديد، وتبدأ الكثير من التحريات الأمنية والاجتماعية لإثبات نسبه؛ حيث إن هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا، حال ارتكاب أحدهم جرائم أو تعرضه لمشكلات مختلفة. ووفقًا لإحصائيات المجلس القومي للطفولة والأمومة فإنه لا يوجد تعداد واضح وحقيقي لساقطي القيد بمصر، ولكنهم يتعدون مئات الألوف، إلا أن الحملات المكثفة للمجلس منذ 9 أعوام تمكنت حتى أواخر 2015 من استخراج ما يزيد على 360 ألف ورقة ثبوتية لأشخاص من فاقدي القيد، ودمجهم في الدولة. الدكتور مصطفى عبد الرشيد، الخبير القانوني، قال إن مشكلة ساقطي القيد تنتشر بشكل ملحوظ في المناطق النائية بمصر التي يقطنها البدو وبعض القرى، ويعتمد هؤلاء الأشخاص فيما بينهم على الأعراف القديمة التي كانت تمارس منذ مئات السنين، دون علمهم أن ذلك سيفقدهم الكثير من الخدمات لدى دولتهم التي يعيشون فيها، ويكتشفون ذلك في سن متأخرة من حياتهم. وأكد عبد الرشيد أن مشكلة ساقط القيد تمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع من الناحية الأمنية، إذ من الممكن استغلال هؤلاء الأشخاص في تهديد الأمن العام، خاصة أنهم لدى الدولة أشخاص غير معروفين، ولا يوجد لهم أوراق لدى الجهات الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى إمكانية هروبهم وصعوبة ملاحقتهم. وطالب الخبير القانوني بتوعية ساقط القيد بأنه لا يتمتع بأي من خدمات الدولة، متوقعًا أنه لو تم عمل حملات توعية وربط إقباله على إثبات نفسه في سجلات الدولة بحصوله على الخدمات المختلفة، فسيكون هناك مردود كبير. وشدد عبد الرشيد على أهمية استغلال التعداد السكاني الذي انطلق بمحافظات مصر مؤخرًا في مواجهة تلك المشكلة، مؤكدًا أنه لو جرى التعداد السكاني بشكله المطلوب، فسيتم القضاء على الأزمة. من جانب آخر قال اللواء مصطفى فتحي، رئيس مصلحة الأحوال المدنية سابقًا بمحافظة المنيا، إن ساقطي القيد موجودون بالمحافظات المختلفة دون استثناء، ولكن نسبتهم تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولوحظ أن النسبة الأكبر منهم في المناطق ذات الطبيعة البدوية التي تتمسك بالعادات والتقاليد المتعارف عليها فيما بينهم، سواء في الزواج أو الوفاة أو التجارة، وغيرها من الأمور الحياتية في مجتمعاتهم البسيطة. وأكد فتحي أن الأزمة لا تتمثل في ساقط القيد فقط، بل أيضًا في خلقه لمجتمع صغير حوله من ساقطي القيد، يتمثل في زوجته وأبنائه وتوارثهم ذلك، وهو ما يسلبهم الكثير من حقوقهم كمواطنين. واستنكر رئيس مصلحة الأحوال المدنية السابق تمسك البعض بهذه العادات، رغم أنها لا تصب في مصلحتهم عند حدوث بعض المشكلات، فعلى سبيل المثال يكتفون في الزواج بقراءة الفاتحة، ما يعرض مستقبل ذويهم لأزمات عديدة، منها حالات الطلاق وتزايد الأمية؛ لعدم التحاقهم بالمدارس. وعن أبرز التلاعبات التي يرتكبها الأهالي الخاصة بساقطي القيد، أوضح فتحي أن غالبيها تتمثل في حديثي الولادة، إذ يتم ترك الطفل لعدة شهور، وبعدها يبدءون في إثبات ميلاده حتى يتم موافقة ميلاده مع مواعيد الالتحاق بالمدارس مستقبلًا، وكذلك بعض الأمور الخاصة بالزواج، مؤكدًا أن مشروع "تكافل وكرامة" الذي أطلقته وزارة التضامن مؤخرًا ساهم بشكل كبير في إقبال المواطنين على استخراج أوراق ثبوتية لهم، والتقدم لذلك المشروع للحصول على معاش. وعن كيفية استخراج المواطن أوراقه القانونية أوضح فتحي أنه يتم الذهاب إلى قسم الشرطة، وتحرير محضر يفيد سقوط قيد المواطن، ثم يأتي بشهادة ميلاد أحد من أشقائه أو قسيمة زواج الوالدين، وإن لم يجد، يتم عمل التحريات اللازمة عنه من خلال شيخ البلد إذا كان يعيش في قرية، أو تحريات لشيخ الحارة إذا كان يعيش في المدينة، ومن ثم يأتي بشهادة ساقط قيد من الجهات المختصة، ويتم عرضه على لجنة من الصحة للتسنين وتحديد سن الشاب بالتحديد؛ لمعرفة موقفة من التجنيد، وكذلك معرفة سن الفتاة؛ حتى لا تقع في مخاطر الزواج المبكر، ووفقًا لتحديد الصحة يتم استخراج شهادة الميلاد بالسن القانونية للمتقدم.