عادت المطالبات والإلحاحات التركية لتسليم المعارض التركي الذي تتهمه أنقرة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية التي وقعت في منتصف يوليو الماضي، فتح الله جولن، وإعادته إلى تركيا، لتتصدر المشهد في العلاقات الأمريكية التركية، الأمر الذي قد يثير أزمة سياسية بين أنقرةوواشنطن المتحفظة على تسليمه، مما يدفع إلى التساؤل: لماذا يُصر الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، على افتعال الأزمات مع الدول الكبرى في هذا التوقيت بالذات؟ إلحاح تركي جديد طالب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال لقائه وزير العدل الأمريكي، جيف سيشنز، في واشنطن أمس الثلاثاء، بتسليم المعارض التركي، فتح الله جولن، المقيم في الولاياتالمتحدة منذ عام 1999، وقدم "جاويش أوغلو" خلال لقائه سيشنز ملفًا جديدًا إلى الجانب الأمريكي، يتضمن أدلة جديدة على ضلوع جولن في محاولة الانقلاب، مشددًا على الأهمية التي توليها أنقرة لهذه المسألة. تزامنت مطالبات أوغلو هذه مع اتصال هاتفي أجراه وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، مع نظيره الأمريكي، جيف سيشنز، حيث جدد "بوزداغ" خلال الاتصال مطالبة بلاده بتسليم "جولن" وتوقيفه بشكل مؤقت، وقال "نتوقع من الإدارة الجديدة نهجًا جديدًا"، ولفت "بكير" إلى استمرار الدعم الأوروبي لمن وصفهم ب"الإرهابيين" قائلًا: منذ 2007 وحتى 2017 طلبنا من ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي تسليمنا 443 شخصًا لانتسابهم لمنظمات إرهابية، ولكنهم سلمونا 12 فقط. جولن على خط أزمة أنقرةوبرلين تجدد المطالبات التركية لأمريكا بتسليم "جولن" جاء في الوقت الذي تشتعل فيه الأجواء بين أنقرةوبرلين، حيث خرجت المخابرات الألمانية الخارجية لتنسف قبل أيام رواية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشأن محاولة الانقلاب التي تعتبر أن الداعية "فتح الله جولن" هو المُدبر الرئيسي لها، حيث قال رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني، برونو كال، إن الحكومة الألمانية لا تعتقد أن جولن يقف وراء الانقلاب الفاشل في تركيا، وأضاف "كال" في حديث لمجلة "دير شبيغل": حاولت تركيا إقناعنا بذلك على كل المستويات، لكنها لم تنجح بعد. وردًّا على ما إذا كانت منظمة جولن متشددة أو إرهابية، أكد رئيس جهاز المخابرات الألمانية أنها منظمة مدنية تهدف إلى تقديم المزيد من التعاليم الدينية، وأضاف: قبل يوم 15 يوليو كانت الحكومة قد بدأت بالفعل عملية تطهير كبيرة، مما جعل أجزاء من الجيش تعتقد أنها يجب أن تقوم بانقلاب على وجه السرعة قبل أن يلحق بهم أيضًا هذا التطهير. من جانبها ردت تركيا على تصريحات رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية بالتأكيد على أن الداعية فتح الله جولن كان العقل المدبر لتحركات الجيش الفاشلة ضد "أردوغان"، وقال المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم كالين، إن أوروبا تسعى إلى "تبييض صفحة" جماعة جولن، بينما قال وزير الدفاع التركى، فكرى أيشيك، إن التصريحات تثير تساؤلات عما إذا كانت برلين نفسها ضالعة فى المحاولة الانقلابية، فيما استدعت الخارجية التركية القائم بأعمال السفير الألماني لدى أنقرة، وقالت في بيان لها: أبلغنا السفير برد فعلنا على تصريحات رئيس مصلحة الاستخبارات الألمانية حول عدم قناعته بتورط جولن في محاولة الانقلاب العسكري، وشددت الخارجية التركية على أن جميع البراهين كشفت وسجلت محادثات الانقلابيين التي تثبت صلاتهم بمنظمة "فيتو" التي يتزعمها "جولن"، وأضافت الخارجية التركية: هذه التصريحات كشفت أسلوب التسامح والحماية، الذي تمارسه الحكومة الألمانية تجاه تنظيم جولن، ألمانيا لا يزال فيها نواب وقضاة ومئات من أعضاء فيتو، الذين أدت أعمالهم الخاصة بالتنصت غير القانوني وتزييف الوثائق إلى تضرر مئات الأبرياء. أرودغان وافتعال الأزمات الإلحاح التركي الذي تجدد مؤخرًا على الإدارة الأمريكية يمكن اعتباره محاولة تركية لإثارة وافتعال أزمة مع واشنطن، حيث تدرك أنقرة جيدًا أن أمريكا سواء بإدارتها القديمة بزعامة الرئيس السابق "باراك أوباما" أو الجديدة بزعامة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، لديها تحفظات عدة على تسليم المعارض "عبد الله جولن" لأنقرة، حيث تستعمله واشنطن كورقة ضغط على أردوغان الذي تتقلب سياسته تجاه دول العالم بين اللحظة والأخرى، كما أن هذه المطالبات ليست الأولى من نوعها التي تتقدم بها السلطات التركية إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث سبق أن أرسل رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، رسالة تودد إلى الإدارة الأمريكية عقب تسلم "ترامب" مقاليد الحكم، وقال خلالها إن بلاده ترى أن الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكثر تفهمًا وحساسية تجاه قضية تسليم عالم الدين المقيم في الولاياتالمتحدة، فتح الله جولن"، إلا أن واشنطن لم تبدِ أي تعاطف مع مطالبات أنقرة، ولم يخرج عنها أي رد رسمي بهذا الشأن. لا يمكن فصل الأزمة، التي يحاول أردوغان افتعالها في الوقت الحالي مع أمريكا، عن تلك التي سبق أن أشعلها مع الدول الأوروبية، وخاصة هولنداوألمانيا، لترتبط الأزمتان أيضًا بالاستفتاء الدستوري المزمع عقده في منتصف إبريل المقبل، حيث أرجع العديد من المراقبين الأزمات التي افتعلها أردوغان مؤخرًا مع العديد من الدول الكبري إلى محاولاته حشد الأصوات التركية في الداخل والخارج ورفع أسهمه أمام مؤيديه للتصويت لصالح التعديلات الدستورية المقرر إجراؤها، فكما استفاد أرودغان كثيرًا من لهجته التصعيدية أمام دول القارة العجوز، وظهر بمظهر الرجل المُدافع عن بلاده ضد المؤامرة الأوروبية التي تُحاك لها، وسوف يظهر أيضًا في أزمته مع أمريكا على أنه الحاكم القوي الذي يحاول محاكمة "زعيم تنظيم إرهابي يهدد الأمن القومي التركي" وفق زعمه، حتى وإن كان الثمن معاداة جميع الدول الكبرى وأولها أمريكا، ليتأكد بذلك ما أشارت إليه صحيفة "جارديان" البريطانية قبل أيام، بقولها إن "أردوغان وجد ضالته على الصعيد الخارجي، واستفاد كثيرًا من إثارة أزمات دولية لحشد الدعم الداخلي لنفسه".