على وقع طبول الحرب المستعرة في دمشق مؤخرًا، أعلنت الأممالمتحدة، اليوم، أن وفدي الحكومة السورية والمعارضة أكدا حضورهما، الخميس المقبل، إلى جنيف، لاستئناف مفاوضات السلام، رغم تجدد القتال في شرق دمشق، وهو الأمر الذي ينبئ بفشل المحادثات قبل أن تبدأ. الوضع الميداني واصلت الطائرات السورية التابعة للجيش العربي السوري تنفيذ غاراتها بشكل مكثف على حي جوبر والأطراف الشرقيةلدمشق. القصف رافقه استمرار المعارك العنيفة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وبين هيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام من جهة أخرى، بالقرب من حيي جوبر والقابون في دمشق. وشهدت المناطق المتاخمة لمدينة دمشق معارك كر وفر، وأعلنت وكالة سانا الحكومية "تمكن القوات السورية من إجبار الجماعات الإرهابية على التراجع إلى عمق حي جوبر شمال شرقي العاصمة السورية". إعلان سانا جاء بعد سلسلة غارات مكثفة للطيران الحكومي بالتزامن مع قصف مركّز شمل مساحات واسعة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، مما مكنه في وقت لاحق من استعادة العديد من المناطق والنقاط التي كان قد فقدها خلال الأيام القليلة الماضية، إثر هجوم مفاجئ لفصائل المعارضة المسلحة شنه فيلق الرحمن، وكان قيادي في هذه الفيلق أكد أن مقاتلي المعارضة شنوا هجوما في جوبر لتخفيف الضغط العسكري بعدما فقدوا السيطرة على مناطق في القابون وبرزة المجاورتين لدمشق في الآونة الأخيرة. شارك في المعارك الأخيرة مقاتلون من هيئة تحرير الشام "تنظيم القاعدة" وحركة أحرار الشام، وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإن الفصائل المسلحة تمكنت من السيطرة على المنطقة الصناعية القريبة من حي القابون ومعامل الغزل والنسيج ورحبة المرسيدس وشركة الكهرباء في حي جوبر وشركة سادكوب، إضافة إلى تمكنهم من قطع الطريق الدولي الواصل بين حي جوبر والقابون، قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري من استعادة هذه النقاط الاستراتيجية بما فيها معامل النسيج والأبنية السكنية على محور معمل كرش. عودة التوتر إلى منطقة جوبر ومحاولة اختراق منطقة "كراج العباسيين" التي تقع بالقرب من ساحة العباسيين القريبة لدمشق القديمة، رغم أنها لم تكن الأولى في عمر الصراع السوري، فإنها تشكل انعطافة في المشهد الميداني داخل وفي محيط العاصمة السورية، لا سيما في ظل إنجاز عدد كبير من المصالحات، والهدوء الذي شهدته تلك المناطق في الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي سيلقي بظلاله الثقيلة على جنيف. أهمية حي جوبر يشكل حي جوبر الخاصرة الرخوة في الشمال الشرقي للعاصمة السورية، فبمجرد سيطرة الفصائل السورية المسلحة على حي جوبر والانطلاق باتجاه العباسيين، تصبح المعارضة على أبواب دمشق القديمة، الأمر الذي سيمثل ثغرة إلى عمق مدينة دمشق، وفيما يخص الحكومة السورية تكمن أهمية جوبر والسيطرة عليها في إطباق الحصار على بقية الأحياء المحاذية لدمشق وعلى الغوطة أيضًا. تكتيك جديد بمعايير مؤقتة، يمكن اعتبار هجوم المعارضة الأخير على دمشق تكتيكا جديدا، لأنه حمل طابع المفاجأة الزمانية والمكانية من خلال عمليتين انتحاريتين، لكن المشكلة الملازمة للفصائل الإرهابية المسلحة، التي برزت في كافة معاركها على الأرض السورية، هي البدايات التصاعدية للمعارك قبل أن تخسر تحركاتها العسكرية وتفقد سريعًا زخمها الهجومي، الأمر الذي يشير بوضوح إلى الأجندات المتضاربة للجهات التي تمول هذه الفصائل، وغالبًا ما تريد الدول المشغلة لها الحصول على مكاسب آنية ومؤقتة. ويبدو أن الهجوم على دمشق يدور حول هذه الزاوية، خاصة أن الدول الداعمة للمعارضة السورية تريد تحسين موقفها التفاوضي في محادثات جنيف القادمة، وهو الأمر الذي يبدو أنه قد أخفقت فيه، فالمعارضة السورية المسلحة التي كانت قد اتفقت مع الحكومة السورية على وقف إطلاق النار من خلال محادثات الأستانة، نكصت بهجومها الأخير على دمشق عن تعهداتها مع الحكومة، كما أن هناك أحاديث تشير إلى نية جيش الإسلام المشاركة في معارك دمشق، وهو أحد الأطراف السورية المسلحة الموقعة على اتفاقية وقف إطلاق النار، وبالتالي فالحكومة السورية هي الطرف المفاوض القوي في المحادثات السورية المقبلة في جنيف، فمن ناحية استطاعت استعادة زمام الأمور في دمشق وما حولها، ومن ناحية أخرى لم تكن الطرف الذي أخلَّ باتفاقية وقف إطلاق النار التي تستثني داعش وجبهة النصرة، اللذين يقوم كل من الجيشين السوري والروسي بتحركات عسكرية ضدهما، وهو أمر لا يمانع به المجتمع الدولي نظرًا لأن داعش والنصرة مدرجتان على قوائم الإرهاب، ومن ثم يخلص مراقبون إلى أن الهجوم الأخير على دمشق من شأنه أن يقوض كثيرًا من المحادثات السورية السورية في جنيف، المزمعة نهاية الأسبوع الجاري.