بعد تدمير طائرة إسرائيلية اخترقت الأجواء السورية، ازدادت التحليلات والتكهنات لدلالات الرد السوري على الاختراق الصهيوني، حيث أكد تقرير لصحيفة "Russia insider" أنه تم باستخدام منظومة "S200" الصاروخية الروسية. لم يعبر الرد فقط عن وضع القيادة السورية لمعادلة جديدة في التعاطي مع التهديد الصهيوني الدائم للجيش والشعب والأراضي والأجواء في سوريا، بل عبّر أيضاً في جانب منه عن مؤشر لصِدام روسي صهيوني وشيك، في ظل استخدام سوريا للمنظومة سابقة الذكر، التي أعلن الروس وقت تسليمهم إياها للسوريين أنها "دفاعية" ولا يستدعي تسليمها لسوريا قلق أي من الأطراف الأخرى. لم تكن واقعة تدمير الطائرة الصهيونية من قبل الجيش السوري، الأولى التي يتناقض فيها الدعم الروسي لسوريا مع العداء الصهيوني، فإلى جانب تزويد سوريا بطيف واسع من الأسلحة فائقة التطور بشكل كفيل بتغيير توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، تُبقي روسيا على رؤيتها لحزب الله كقوة محارِبة للإرهاب وذات أهمية إيجابية في حفظ أمن المنطقة، استناداً على دوره في حماية الحدود اللبنانية من هجمات التكفيريين التي كان مخطط لها الامتداد داخل العمق اللبناني، فيما وراء المنطقة الحدودية في "عرسال" وجبال القلمون، وانطلاقاً من دوره الحيوي في المعارك الرئيسية الكبرى في الميدان السوري من القُصير ويبرود وبلدة السيدة زينب في ريف دمشق والقلمون وصولاً إلى حلب، ما جعله عاملاً أساسياً في منع سقوط الدولة السورية، وهو الهدف الذي تعمل عليه روسيا منذ اللحظة الأولى للأزمة هناك. ووفقاً للمعطيات الحالية لن يمكن لروسيا قبول الذريعة الصهيونية المتكررة بأن قصفها للداخل السوري لضرب صواريخ في طريقها إلى حزب الله، لكن من ناحية أخرى، ونظراً لتشكيل كامل من المصالح الاقتصادية بين الطرفين ولوجود "إجماع دولي غربي" على معاداة حزب الله، يشمل الأممالمتحدة وهيئاتها، لا يستطيع الروس اتخاذ موقف أعلى من الحالي في الانحياز له وتواجده العسكري في سوريا، لكنهم يدركون أيضاً أن تمرير الذريعة الصهيونية – أي ضرب إمكانات حزب الله – في كل مرة تُقصف فيها سوريا، سيمثل تخلياً من جانبهم عن أحد المحددات الثابتة لنظريتهم في الأمن القومي التي عمّدها دورهم في سوريا خلال السنوات الماضية. ومن غير المستَبعَد أن يتطاول الهجوم الصهيوني أكثر بما يهدد معادلة القوى في محيط سوريا وعموم الشام، تلك المعادلة التي شارك الروس أكثر من غيرهم في وضعها بنسختها الحالية، كما يبدو أن السوريين قرروا إجراء تعديل سيكون حاسماً فيها باستخدامهم لصواريخ روسية، بعد صمت طويل على العشرات من الخروقات الصهيونية حدثت دون رد سوري، أي أن الروس يقفون حالياً موقف "المتورط"؛ فمن حيث الشكل، قد يدفعهم إلى حسم أكبر تجاه أحد الطرفين، أولهما الكيان الصهيوني الذي يتمتعون بعلاقات طبيعية معه على مستويات عديدة، وثانيهما الدولة السورية ومعها حزب الله اللذَين يجمعهما بالروس خندق واحد وتحالف عُمِّدَ بالدم في الكثير من فصول الحرب على سوريا. من ناحيته، فإن حزب الله، الذي تؤكد العديد من التقارير الاستخباراتية الأمريكية، اشتراك مقاتلي نخبته جنباً إلى جنب مع قوات روسية خاصة محدودة شماليّ سوريا، لا يملك – وإن ملك فهو غير مستعد لتقديم تنازلات في هذا الإطار- فضلاً عن معرفة الجميع أن القصف الصهيوني للأراضي السورية لا يستهدف صواريخاً للحزب بالتحديد ولا يمكنه أصلاً الحد من وصول أسلحة مهمة وفارقة له في لبنان، كما أن الحزب عسكرياً وبالمعنى العملياتي، غير قادر وفقاً للمعطيات السياسية والميدانية الحالية، على إنجاز رد محدود أو "جراحي" على أي ضربة صهيونية جوية لأهداف له داخل سوريا، ويكتفي بتنفيذ وصيانة تعهده بالرد المناسب على الخروقات الصهيونية "البرية" للحدود الحالية للبنان، ويعلن باستمرار عن هجوم كاسح على الكيان الصهيوني، حال توجيه ضربة كبيرة للبنان أو قصفه. بناءً على ما سبق، فإن الطرف الروسي يحاول وسيحاول العمل سياسياً بتركيز على إقامة صياغة ل"وقف الأعمال العدائية"، إن صح التعبير، تمتنع بموجبها العسكرية الصهيونية عن المزيد من الخروقات والضربات لسوريا، ومن ثم تضمن امتناع السوريين عن استخدام ما لديهم من أسلحة رادعة، إلى أن تأتي الوقائع المقبلة بحل لمسألة حزب الله وتواجده في سوريا – الذريعة- أو إلى أن يساهم الأمريكيون بحسم أكبر في تصفية الأوضاع في الشمال السوري، ما سيتيح تحريك العملية السياسية العامة نحو أفق قد يمكنه من إقناع حزب الله بتخفيف حضوره في سوريا، ومن ثم إبطال الذريعة الصهيونية التي تخفي وراءها إسناداً عسكرياً جوياً للتكفيريين في معاركهم مع الجيش العربي السوري وحلفائه وإضعافاً لهذا الجيش في مساحات جغرافية ومواقف عسكرية ذات أهمية جوهرية له.