مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    بعد تقسيم أراضي الوقف ل4 فئات.. الأوقاف تكشف تفاصيل الأسعار الجديدة وعوامل احتساب الإيجار    البنك الأفريقي للتنمية يعتمد الاستراتيجية الوطنية للجزائر 2025-2030 لتعزيز التنوع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    نائب برلماني: تصريحات الرئيس السيسي مع حفتر تؤكد على دور مصر المحوري    تورينو ضد ميلان.. الروسونيرى يخطف فوزا مثيرا وينفرد بصدارة الكالتشيو    قطر وإيران تبحثان تعزيز التعاون والقضايا المشتركة على هامش منتدى الدوحة 2025    المستشار القانونى للزمالك: لا مخالفات فى ملف أرض أكتوبر.. والتحقيقات ستكشف الحقيقة    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    الدوري الإيطالي | بارما يخطف الفوز.. وجنوى يتألق خارج الديار.. وميلان يحسم قمة تورينو    المنتخب السعودي يفقد لاعبه في كأس العرب للإصابة    ماريسكا يكشف تطورات تعافي ثلاثي تشيلسي قبل مواجهة أتالانتا    استفاقة على جثث الذئاب.. برونو يقود مانشستر يونايتد لسحق وولفرهامبتون    إبراهيم صلاح: جيلي مختلف عن جيل الزمالك الحالي.. وكنا نمتلك أكثر من قائد    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    البحيرة ترفع درجة الاستعداد والتأهب لحالة عدم الاستقرار وسقوط الأمطار غدًا    تشكل خطر على الصحة.. ضبط كمية من السجائر مجهولة المصدر بالقليوبية    أرملة عمار الشريعي: كان عارف إنه مش هيعيش كتير واهتم بحال البلد    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    شمس تكشف أسباب ابتعادها عن الفن وتفاصيل حياتها الشخصية والانفصال عن والد ابنها    فيلم الست: دراما تفكك رحلة أم كلثوم من سطوة الرجال إلى امتلاك الذات    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    فيفا يمنح لاعبى المونديال راحة 3 دقائق فى كل شوط بكأس العالم 2026    محافظ القليوبية يناقش الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمنطقتي العكرشة الصناعية وأرض جمعية    إحالة المتهم بقتل زوجين فى المنوفية إلى المفتى    هل تتأثر مصر بزلزال أنطاليا التركية ؟.. البحوث الفلكية توضح    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية في زمن قياسي    التحقيق مع مسن تحرش بطفلة علي سلم عقار في أوسيم    افتتاح فيلم «الست» في الرياض بحضور نخبة من نجوم السينما| صور    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء    وزير الزراعة: نقل الحيوانات أحد تحديات عملية تطوير حديقة الحيوان بالجيزة    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة أبو غالي موتورز خطط توطين صناعة الدراجات    إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    تكريم «الأخبار» ضمن أفضل تغطية لافتتاح المتحف الكبير    نيجيريا تتحرك عسكريا لدعم حكومة بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    مباراة حاسمة اليوم.. عمان تواجه جزر القمر في كأس العرب 2025 مع متابعة مباشرة لكل الأحداث    هشم رأسها.. شاب يقتل والدته العجوز بآلة حادة في الشيخ زايد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة والإرهاب.. حتمية المواجهة (2)
نشر في البديل يوم 18 - 03 - 2017

لعلنا تساءلنا من قبل عن الحذر الشديد الذي يراعيه الكثيرون عند تعاملهم مع الإرهاب على صعيد المفهوم والتعريف، هذا الحذر الذي يدفع نحو الإخلال بالشروط الواجبة لمواجهة الظاهرة على نحو جاد، إن ذلك الإخلال يفرض نوعا من التبسيط يخدم النهج البرجماتي الذي يسمح للظاهرة بالانتشار والتعاظم، والذي يعمل جاهدا على إجهاض أي محاولة من شأنها مواجهة تلك التعقيدات بالنظر المعمق بقصد تفكيكها؛ ولا شك أن مسئولية الغرب عن ذلك كبيرة إذ أن كثيرا من الأفكار المؤسسة للإرهاب هي نتاج تشوه حدث بفعل تغول المؤسسات عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ خشية تكرار تلك الكارثة التي صنعها الغرب وكبدت البشرية عشرات الملايين من الضحايا.
الفيلسوفة الألمانية "هانّا أرندت"
تؤكد "هانا أرندت" أن القوانين البشرية التي أنتجتها تلك المؤسسات كانت بحاجة ماسة إلى مراجعات فلسفية لكشف مكامن الضعف فيها، وبسبب عدم تحقق ذلك على نحو كاف ابتعدت هذه القوانين عما يجب أن تلتزمه من العدالة والإنسانية؛ حتى صارت شكلا من أشكال التسلط على الآخر وأداة لهضم الحقوق، وسيفا مسلطا على رقاب الشعوب المقهورة.
إن الرضوخ الكامل للقوانين والمؤسسات لم يكن في صالح أحد؛ لأنها وإن بدت حامية للمجتمعات من الناحية الشكلية إلا أنها في الحقيقة قد أسلمت أفراد هذه المجتمعات إما لحالة من الضياع أهلتهم لتلمس سبل الخلاص بكل وسيلة، فوجد البعض ضالته في أشد الافكار جنونا وتطرفا، وهذا ما يبرر التحاق كثير من الأوربيين بالتنظيمات الإرهابية، وإما الخضوع الذي وصفته" أرندت" بأنه الرعب الحقيقي الذي جوهره" ليس قتل المخالف بقدر ما هو الغاء واستئصال الاختلاف عند الناس، وبالتحديد إلغاء فرديتهم وقدرتهم على العمل المستقل ذاتيا".
تلك النظرة المتعالية القائمة على أساس التفوق التي تحرك من منطلقها الغرب مبررا استعباد الشعوب ونهب ثرواتها وإبقائها في حالة من التخلف تحت سطوة أنظمة تابعة تمارس أسوأ أنواع الحكم على الإطلاق، ألم يكن استثمارها الأكبر في طمس هوية تلك الشعوب، وتنميطها وفق الثقافة الغربية الاستهلاكية مما أدى إلى كثير من التأزمات كان من أهمها الاعتصام بالماضي في مواجهة طوفان المدنية العوراء التي لا تأتي إلا بكل ما هو مسيء ومثير للشك، أما المنجز الحقيقي للحضارة الغربية، فإما أن يحجب أو لا يصل منه إلا ما يدفع نحو مزيد من الاغتراب والإغراق في الفردية.
الفيلسوف الألماني "هابر ماس"
في هذا الصدد علينا أن نتذكر كيف توهم الغرب أنه خلق مجتمع التنوير القادر على تخليص الإنسان من جهله وبدائيته التي فرضها على نفسه بسبب استعمال فهمه الخاص دون هداية الآخرين، كما يقول" كانط" الذي ما لبث أن تراجع عن ذلك حتى أن مسمى مجتمع التنوير صار لديه مفتقرا إلى الدقة، وذهب إلى أنه مجتمع يوجد به تنوير، ويذهب "هابرماس" إلى أن مشروع التنوير الأوربي قد انتهى إلى فشل ذريع كان من شأنه أن يتراجع الموقف النقدي الأوروبي نحو التاريخ مما فتح المجال واسعا لما أسماه بالبربرية السياسية لتصول وتجول في العالم بأسره مخلفة المزيد من بؤر الصراع الناجم عن التهالك على المصالح.
لكن ارتباط الحداثة الغربية بالعرف الفلسفي وما بقي من مفهوم التنوير هو ما أسس للديمقراطية الأوروبية التي تبنت فصل السياسة عن الإيمان الديني بعد ما جره هذا التداخل مع سيطرة الكنيسة، واستخدامها في كثير من الأوقات كأداة قهر، من هنا يؤكد" هابرماس" مسئولية الفلسفة عن القيام بالوظيفة التشخيصية" لعلل المجتمع الحديث وللخطاب الفكري الذي يؤكد تمردهما ويبرر أهدافهما وبواعثهما" بل إنه يتجاوز ذلك إلى التوجيه نحو الحل الممكن.. وهو دور متى نُحّيت عنه الفلسفة صار المجتمع نفسه أداة للسياسة اللا أخلاقية.
الفيلسوف الفرنسي " جاك دريدا"
يتناول الفيلسوف الفرنسي "جاك دريدا" تلك العلاقة بين السياسة والأخلاق بوصفها مسئولية تجاه التمايز والاختلاف المسكوت عنه والمستبعد إذا لم يتم تناوله بالوصف، وارتباط ذلك بتحقيق بغية التنوير في كونية الإنسان وعدم وقوعه في أسر دوائر انتمائه الضيقة.. ومما يعترض عليه "دريدا" بشأن ما يجب اتباعه لحفظ هذا الاختلاف الضروري هو مفهوم التسامح الذي يراه كفكرة حاملة "للأثر المتبقي من الإيماءة السلطوية والذي يكون فيه الآخر ليس مقبولا كطرف مكافئ بل تابع، وربما ذائب في المجتمع ومندمج فيه" وهو بذلك يشير إلى أن التسامح يمثل تلك الحالة من التحمل التي إذا ما انتهت أصبح كل شيء قيد الانهيار، ويفضل "دريدا" العودة لمصطلح الضيافة الذي كان " كانط" أول من أكد عليه بوصفه لا يستلزم المعرفة المسبقة، ولا يقف عند حدود، كما يؤكد على أن الحداثة إنما هي تغير في موقف الاعتقاد، وليست مجموعة من العقائد، وهذا ما يميزها عن الأصولية التي ينصب اهتمامها على صورية الاعتقاد وكيفيته؛ لذلك يرى " كانط" عدم ارتباط الأصولية بدين بعينه لأنها تتمثل في ردود الفعل العنيفة ضد الطريقة الحديثة لفهم الدين وممارسته، كما أنها ليست عودة إلى التدين وفق رؤى الماضي بقدر ما هي " استجابة مرعبة تجاه الحداثة ينظر إليها كتهديد أكثر من كونها احتمال للتهديد".
لكن الحداثة الأوروبية لم تكن أبدا هي البديل لأنها مثلت في كثير من ممارساتها اقتلاعا عنيفا لطرق الحياة التقليدية بحسب "هابرماس" لكنها كانت أقرب إلى الرفق، ولو أن اكتشاف ذلك جاء متأخرا بعد اجتياح رياح العولمة للعالم بهدف تقسيمه إلى" رابح ومستفيد وخاسر". وفق شروط شديدة الإجحاف أنتجت عنفا في المجتمعات الغربية مرده غياب العدالة الاجتماعية ، والتمييز والتهميش لفئات بعينها، أما في مجتمعاتنا العربية فقد كانت تلك البواعث كفيلة بظهور التنظيمات الإرهابية وثيقة الصلة بالمؤسسات الغربية المشار إليها آنفا، ولكنها ووفق بعض المتغيرات سبحت خارج المجال المعلوم مخلفة دوامات من التساؤلات حول كيفية إدارة العالم على هذا النحو من المخاطرة المتجددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.