انتهى أمس مجلس الدولة من مراجعة مشروع "قانون العمل" المقدم من الحكومة، ومن المنتظر مناقشته في لجنة القوى العاملة بمجلس النواب خلال الأيام القادمة. ملاحظات كثيرة حول مشروع القانون من جانب ممثلي الحركة العمالية؛ لرفضهم للعديد من مواده؛ لانحيازها الصارخ لصاحب العمل على حساب حقوق العمال الاقتصادية والاجتماعية، ومطالب واسعة بضرورة فتح حوار مجتمعي تحت قبة البرلمان بين لجنة القوى العاملة وأصحاب المصلحة؛ من أجل الاستماع لملاحظاتهم. وقال حسين المصري، مدير برنامج التدريب بدار الخدمات النقابية والعمالية، في تصريحات خاصة ل "البديل" إن لديه عدة تحفظات على مشروع القانون الجديد، منها أنه فتح الباب على مصراعيه لعمالة الأطفال، ورغم تقنينه لها بشروط، إلا انه أتاح عمالة الأطفال المجرمة وفقًا للدستور والقوانين الدولية التي صدقت عليها مصر. وهذا ما جاء في نص المادة (57): تشغيل الأطفال قبل بلوغهم (15) سنة مع جواز تدريبهم متى بلغ سنهم 13 سنة، بما لا يعوق مواصلتهم التعليم، ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلًا دون سن (16) بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب لديه، وتلصق عليها صورة الطفل، وتُعتمد من الجهة الإدارية المختصة، وتختم بخاتمها، ويعتبر حسب القانون طفلًا كل من لم يبلغ 18 عامًا، فيما يكون حسب المادة (59) تشغيل الأطفال والظروف والأحوال التي يتم فيها التشغيل والأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم أو تدريبهم فيها وفقًا لمراحل السن المختلفة. وأضاف المصري أن القانون الجديد أكد في مواده على مشروعية العمل المؤقت وهدم فكرة الأمان الوظيفي في عقود العمل التي من المفترض أن تكون دائمة، ولكن نجد القانون جعل تثبيت العامل في المؤسسة أو الشركة مرهونًا بعمله لمدة 6 سنوات ثم الثبيت، بعكس ما كان عليه قانون 12 لسنة 2003، الذي يضمن للعامل التثبيت بعد عام من العمل، ومن ثم يتيح القانون لصاحب العمل في هذه المادة التحكم في أرزاق العمال وحقوقهم، بل فصلهم تعسفيًّا وقتما شاء. وتابع أن من المواد الأخرى السلبية مادة شركات توريد العمالة، حيث قام القانون بتقنين إنشائها، دون أن يضمن حقوق هذه العمالة التي تعمل بدون عقود عمل؛ للحفاظ على حقوقهم. واختتم المصري ملاحظاته قائلًا إن القانون الجديد يقلص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال، لافتًا إلى أنه يدرك محاولات الحكومة الإسراع في تمريره؛ ليكون مكملًا لقانون الاستثمار، بما يخدم في النهاية مصلحة رجال الأعمال، مؤكدًا أنه يقدم العمال كمحفزات للاستثمار والمستثمرين، مثلهم مثل المرافق والطرق والمواصلات والخدمات التي تقدمها الدولة، دون أي مراعاة لحقوق العمال. "مشروع قانون الحكومة يقضي على ما تبقى من مكتسبات حققتها الطبقة العاملة على مدار تاريخها؛ لتخرج الحكومة بقانون جديد أسوأ مما عليه قانون العمل 12 لسنة 2003".. هكذا بدأ ملاحظاته عن مشروع القانون القيادي العمالي عبد الرؤوف بطيخ. وأوضح في تصريحاته ل "البديل" أن أبرز تحفظاته على مواد القانون الجديد تتعلق بضرب الاستقرار الوظيفي والاجتماعي للعمال، حيث تحولوا بموجب القانون إلى "عمال يومية" يتحكم فيهم المستثمر كيفما شاء بالفصل التعسفي والتشريد دون أي ضمانة لحقوقهم. وأضاف أن مادة الفصل من العمل من أخطر المواد، بل تجاوزت قانون 12 لسنة 2003 في إهدار حقوق العمال، كاشفًا أن المادة 69 من مسودة القانون القديمة كانت تنص على أنه يتم الفصل في مخالفات محددة، مثل إفشاء أسرار العمل أو مخالفات جسمية تؤدي إلى خسائر، بينما مشروع القانون الجديد نص على إمكانية فسخ عقد العمل في الوقت الذي يرغب فيه أي من الطرفين، حيث إن العلاقة بينهما تعاقدية، وهو بذلك يساوي بين الطرفين في الوقت الذي لا يتساوى فيه العامل بصاحب العمل، مشددًا على أن القانون لا بد أن يحافظ على الطرف الضعيف، وأن هذه المادة ستؤدي لتسريح آلاف العمال، كما أنه لم يذكر نوع الأجر الذي يحصل عليه العامل في حال فصله، أي أن القانون نص على إعطائه شهرين تعويضًا عن كل عام، ولم يحدد هل من الأجر الكامل أم الأساسي، وهو ما سيتسبب في نزاعات كثيرة حول كيفية حساب التعويض. كما أن القانون حدد صرف شهر واحد فقط للعمالة غير المنتظمة، وهو تمييز غير مفهوم. أما عن المواد التي تتعلق بالحق في الإضراب، فقال عبد الرؤوف بطيخ: سمح القانون الجديد بالإضراب، ولكن بشروط تعجيزية وعراقيل تسمح بالقبض على العمال وفصلهم قبل تنظيم الاحتجاج، بل يعطي القانون الجديد لرئيس مجلس الوزراء الحق في تحديد الأنشطة الاقتصادية التي يحظر فيها الإضراب؛ باعتبارها خطرًا على الأمن القومي! وهو ما يخالف الحق في التنظيم الذي نص عليه الدستور والاتفاقيات الدولية التي التزمت مصر بتطبيقها. أما باب العقوبات، فجاء القانون منحازًا لرجال الأعمال، حيث لم يحدد أي عقوبة على صاحب العمل إلا أنه في حالة قيامه بتسريح العمالة بدون سند قانوني يتم تغريمه بحد أدنى 200 جنيه وحد أقصى 1000 جنيه، وتتعدد على حسب العمالة، وهي ما تعتبر غرامة رمزية. واختتم أن الأدهى هو توقف المنشأة عن العمل، حيث إنه كان لا بد من أخذ رأي المحافظ وموافقته على التوقف ووضع خطة مع صاحب العمل حول العمالة؛ لأن ذلك يعتبر خطرًا على الأمن القومي، إلا أن القانون الجديد نص على أن يتم إخطار القوى العاملة، وإذا لم ترد، يتم الإغلاق!