بعد اجتماعين عقدهما رئيس الوفد الحكومي، بشار الجعفري، مع مبعوث الأممالمتحدةلسوريا، دي ميستورا، نقلت مصادر مقربة من الوفد الحكومي أن الوفد قدم مجموعة من التعديلات والملاحظات على ورقة دي ميستورا، المعنونة تحت "مبادئ أساسية للحل السياسي"، كما طلب الوفد الحكومي من المبعوث الأممي إطلاع وفد المعارضة على هذه التعديلات، وأن يحصل على موقفهم منها. أهم النقاط التي وردت وفقًا لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مصدر مقرب من الوفد الحكومي، تتمثل في الاتفاق على أن جدول الأعمال يتضمن أربع حزم تتساوى في الأهمية، وتسير مع بعضها بالتوازي، وهي الإرهاب والحكم الانتقالي والدستور والانتخابات. خلافات وفود سوريا في جنيف ترتيب الأولويات أحدث خلافات كبيرة بين الوفد السورية المشارك في محادثات جنيف الأخيرة، فمن المعلوم أنه كان هناك خلاف جذري بين الوفد الحكومي ووفد المعارضة، فمنذ بدء مسار التفاوض قبل أكثر من 3 أعوام، تطالب الحكومة السورية بالتركيز على القضاء على الإرهاب كمدخل لتسوية النزاع المستمر منذ 6 أعوام، في حين تصر المعارضة على البحث في تفاصيل العملية الانتقالية، وفي مقدمها تأليف هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة دون أي دور للرئيس بشار الأسد. وبعد تعديلات الوفد الحكومي السوري على ورقة دي ميستورا من المفترض أن تتقدم المباحثات خطوة نحو الإمام، لكن لا يجب التسرع في الحكم، فكل نقطة من الملفات الأربعة تحمل في طياتها خلافات عميقة، فبغض النظر عن الملف الأكثر تعقيدًا وهو الانتقالي السياسي، فإنه لا توافقات من حيث المبدأ على الملفات الأخرى، حتى فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فرئيس بعثة الهيئة السورية العليا للمفاوضات إلى جنيف، يحيى قضماني، قال أمس الأربعاء، بعد لقاء مع مسؤولين روس، إن الهيئة ترفض وضع الإرهاب على جدول أعمال المحادثات الجارية حول سورية برعاية الأممالمتحدة، في مقابل هذا كانت روسيا الداعمة للنظام السوري قد دعت من خلال نائب وزير خارجيتها الروسي، غينادي غاتيلوف، في جنيف إلى وضع "مكافحة الإرهاب" أولوية على جدول أعمال المفاوضات الجارية بين الحكومة والمعارضة السوريتين. ضبابية المشهد هناك مجموعة من الفروق بين محادثات جنيف الأخيرة وما سبقتها من محادثات، من حيث الشكل وموازيين القوى، وفي الحضور الدولي المتمثل بالغياب الأمريكي، وقوة الحضور الروسي والإيراني، والذي لعب الميدان، بالإضافة لآستانة والمفاوضات الإيرانية مع منصة موسكو المعارضة، دورًا في تكريسه، فليست حلب وحدها من ساهمت في ذلك، فالأنباء اليوم تتوارد عن تقدم الجيش السوري في مناطق غربي مدينة تدمر الأثرية على حساب تنظيم داعش الإرهابي، وسيطرة الجيش السوري على ما يعرف بمثلث تدمر، وهو يقع في الزاوية الجنوبية الغربية، بالإضافة إلى سيطرته على قلعة فخر الدين الأثرية وجبل الطار وعنتر، ويتبقى العمق الحقيقي لمدينة تدمر المأهولة بالسكان، ومن ثم مطار تدمر، مع وجود أنباء عن سيطرة روسية عليه عبر الإنزال الجوي، وبالتالي الأمور تسير بصورة منتظمة لصالح الجيش السوري في تدمر، خاصة أن داعش من المرجح أن يتقهقر سريعًا من تدمر لحسابات عسكرية خاصة به، تتعلق بمعركته المصيرية في الرقة، ومن هنا فإن موازين القوى تميل بقوة لصالح وفد الحكومة السورية، ولا أوراق حقيقية تمتلكها المعارضة، التي فشلت في أبسط الأمور التفاوضية والمتمثلة في توحيد منصاته الثلاث المعارضة "موسكو، الرياض، القاهرة" في وفد معارض واحد، أو حتى في إصدار مواقف موحدة عن جميع الوفود المعارضة المشاركة في جنيف. ويشكل الغياب الأمريكي أهم نقاط الضبابية في جنيف، وبالتالي كل ما يجري في جنيف عمليًّا اليوم هو حالة انتظار لظهور حقيقة أجندة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فيما يخص الملف السوري، والتي لم يستطع جنيف الأخير تظهيرها، وبالتالي سيبقى المشهد في جنيف رهن الانتظار. كما أن بقاء دي ميستورا كمبعوث أممي لسوريا ما زال مبهمًا، ففي لقاء سابق له مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، لم يستطع دي ميستورا ضمان التمديد له لثلاثة أشهر، ويبدو أن هناك صراعًا خفيًّا أمريكيًّا روسيًّا لإيجاد بديل عنه، فالولايات المتحدة تضغط باتجاه تعيين مندوبة الأممالمتحدة للبنان، سيغريد كاغ، بينما يسعى الروس لتقديم بديل قريب من توجهات موسكو. ضبابية أخرى تضاف لمباحثات جنيف قدمتها العاصمة الكازاخية، فالنتائج العملية التي استطاع آستانة تكريسها على أرض الواقع، خاصة مسألة وقف الأعمال القتالية، ودفع الفصائل الجهادية إلى حالة احتراب مع الفصائل السورية المعارضة التي شاركت في اللقاء، تؤكد أن ما يجري في آستانة يفوق بالأهمية ما يحدث في جنيف، والأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن ما يحدث في آستانة سيلقي بظلاله على جنيف، فالعلاقات الإيرانية التركية توترت مؤخرًا، وأنقرة باتت تجنح إلى واشنطنوالرياض، الأمر الذي من شأنه أن يقلق الدب الروسي، خاصة أن مواجهة ما قد تحدث في المنبج السورية، قد تفرز تمايزات حقيقة في المواقف السورية والروسية والإيرانية من جهة، وأنقرة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وجميع هذه الأمور قد تؤثر بشكل كبير على فاعلية محادثات جنيف القصيرة، والمنعقدة على مدار أربعة أيام، تنتهي غدًا.