تركزت أنظار العالم العربي بشكل عام والشارع اللبناني بوجه خاص أمس الأحد على زيارة مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية مارين لوبان، إلى بيروت في إطار حملتها الإنتخابية، وسط جدل واسع صاحب الزيارة، حيث أطلقت أحزاب لبنانية عريضة لمنع مارين لوبان من زيارة الأراضي اللبنانية، وأعلن المكتب السياسى ل"الحزب الشيوعي اللبناني" رفض الزيارة. وتأتي هذه الزيارة لمرشحة اليمين المتطرف لوبان بعد شهر من زيارة لمنافسها المرشح إيمانويل ماكرون، الذي قام بزيارة مماثلة للبنان، فيما اضطر المرشح للانتخابات الرئاسية عن أحزاب اليمين فرانسوا فيون، لإلغاء زيارته بسبب الفضيحة التي طالته وعائلته وأثرت سلبا على حملته الانتخابية. وتمثل بيروت إحدى محطات جولات المرشحين لرئاسة الإليزية بسبب الكتلة التصويتية بها، وهي موزعة بين المواطنين الفرنسيين المقيمين ببيروتواللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية، ورغم صغر مساحة لبنان فإنها تمثل شيئا مهما في نفوس كثير من الفرنسيين، نظرا للارتباط التاريخي بين باريس ومسيحيي لبنان، وكثيرا ما لعبت الورقة اللبنانية دورا مؤثرا في السياسة الداخلية الفرنسية. ويرى مراقبون أن لوبان تسعى للاستفادة من ورقة لبنان حيث ترفع في حملتها شعار حماية مسيحيي الشرق من خطر ما تصفه بالتطرف، وعدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة العربية بحسب وصفها، وفي هذا الإطار تعول لوبان على شريحة من اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية، رغبة منها في دعم أطروحاتها وبرنامجها الرئاسي والتصويت له. وبحسب برنامج الزيارة، فإن لوبان تلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وعددا من القيادات وممثلي الطوائف، في محاولة لإعطاء دفعة لحملتها الانتخابية خلال الفترة المقبلة. وطبقا لتصريحات سابقة لها، فإن لوبان تشبه كثيرًا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في سياساته الخارجية خاصة، فهي دائمًا ما تطلق تصريحات مناهضة للمسلمين وتربط الإسلام بالإرهاب، كما تدعو إلى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم وفرض ضرائب على الصناعات والمحلات التي تستخدم عمالا أجانب بدلا من الفرنسيين، وأبدت رفضها السماح للمهاجرين بأن يصلوا للشواطئ الأوروبية، كما قالت إنها تصر على إلغاء وحدة الحدود الأوروبية "شينجن" والعودة إلى الحدود الوطنية للسيطرة على الأمن، كما أيدت طرد الطلاب الأجانب من الجامعات الفرنسية لكي لا يبقوا بعد دراستهم في فرنسا، وقالت إنها إذا أصبحت رئيسة ستعمل للخروج من منطقة اليورو للعودة إلى الفرنك الفرنسي. وتقول لوبان، إنها تدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإن موقفها مختلف عن النظام الفرنسي الراهن من الملف السوري والرئيس السوري بشار الأسد، ولكن مصادر فرنسية عدة استبعدت إمكان وصولها إلى الرئاسة رغم استطلاعات الرأي الأخيرة التي تقول عكس ذلك، وأجمعت هذه الأوساط على أن "فرنسا ليست الولاياتالمتحدة، وأن الناخبين الفرنسيين أكثر يقظة من الأوساط الشعبوية في أمريكا". وفيما يخص العلاقات مع الكيان الصهيوني، فهي منحازة بشكل واضح لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، حيث سعت من خلال بعض الخطوات إلى مغازلة الصهيونية، في محاولة لكسب تأييدها ودعمها، وكانت الخطوة الأولى نحو هذه المغازلة في سبتمبر 2011، حين التقت ولأول مرة السفير الإسرائيلي لدى الأممالمتحدة، وهو اللقاء الذي حاولت لوبان، من خلاله، الإعداد للقيام بزيارة رسمية للاحتلال، وفي يناير الماضي، أرسلت لوبان الرجل الثالث في حزبها نيكولا باي، في زيارة خاطفة إلى القدسالمحتلة، حيث التقى حينها بعض المسؤولين عن حزب الليكود الإسرائيلي، وتباحث معهم عن الصورة الجديدة للحزب وموقفه من الكيان الصهيوني وتخليه تمامًا عن الشعارات والمعتقدات القديمة التي كان يتبناها والدها جان لوبان ضد الكيان الصهيوني. وفي ضوء هذه المواقف العنصرية وتوجهاتها المعادية للعرب والمسلمين على حد سواء، ومناهضتها للهجرة ودعمها للكيان الصهيوني، استنكر البعض زيارتها للبنان، وفي إطار الاحتجاجات اللبنانية على الزيارة، أطلق "المنتدى الاشتراكي" اللبناني عريضة لمنع مارين لوبان من دخول الأراضي اللبنانية، وتضمنت مناشدة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لإلغاء "زيارة الفاشية لوبان"، كما أعلن المكتب السياسى ل"الحزب الشيوعى اللبنانى" رفض الزيارة. وقال الحزب الشيوعي فى بيان له، "أظهرت السنوات الأخيرة صعودا للتيار الفاشى فى فرنسا، وهو ما يترافق مع صعود الفاشية أيضا فى أمريكا وعدة دول أوروبية، ما يهدد مستقبل العالم وأمنه السياسى والاجتماعى، ويتكامل هذا المشروع بتحالفه السياسى مع الحركة الصهيونية ونظرته إلى كل الشعوب الأخرى، وبوجه خاص الشعوب الفقيرة". من جانبها انتقدت الصحف اللبنانية الزيارة، وكان على رأس هذه الصحف الأخبار اللبنانية، التي أكدت في مقال لها أن مارين لوبان تأتى إلى لبنان مسوقة نفسها كمرشحة رئاسية للجمهورية الفرنسية على قاعدة خطاب عنصري يقوم على معاداة الأجانب والمسلمين والملونين، في استعادة لخطاب التفوق العنصرى الذي رفعه الفاشيون والنازيون قبل عقود، وشددت الصحيفة على أن وجود مارين لوبان عار على لبنان، وأن استقبالها من قبل شخصيّات وزعامات لبنانية، أو حتى مجرد مصافحتها، خطأ سياسي وأخلاقي يصعب قبوله أو التسامح بشأنه.