بعد نجاح الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979 وإسقاط نظام الشاه الموالي للغرب، بدأ الصراع بين إيران والدول الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية خشية أن تقوم إيران بتصدير تلك الثورة إلى باقي دول المنطقة. نفس المخاوف من أن تقوم الثورة الإيرانية بإلهام الأغلبية بالعراق للقيام بتمرد كانت الدافع الرئيس في قيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين – بدعم أمريكي خليجي- بغزو إيران عام 1980 وتورطه في حرب طويلة استمرت ثمان سنوات كلفت كلا الطرفين خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. ستمر العداء من الدول الخليجية تجاه إيران، حيث يظهر جليا في حرب تصريحات إعلامية متبادلة وحروب بالوكلاء على النفوذ الإقليمي في مختلف أنحاء المنطقة. وظلت احتمالية الحرب العسكرية المباشرة تلوح في الأفق رغم التحذير من عواقبها الوخيمة على المنطقة ككل. مع تحول بوصلة الصراع بعيدا عن العدو الصهيوني وباستخدام سلاح الطائفية، انطلقت السعودية تطارد الوجود الإيراني في كل مكان في المنطقة وتورطت في حروب وصراعات غير محسوبة، بدعم من حليفتها التقليدية الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتنفيذ المخطط الصهيو أمريكي وتحقيق الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد. دعمت السعودية وحلفاؤها التنظيمات المسلحة الإرهابية في سوريا من أجل إسقاط الرئيس بشار الأسد وتقسيم سوريا. أرسلت السعودية قوات "درع الخليج" إلى البحرين للقضاء على انتفاضة الشعب البحريني ضد القمع السياسي والظلم الاجتماعي من قبل النظام الملكي الحاكم في البلاد. والحجة أن هذه الانتفاضة من صنع إيران. وعندما اندلعت احتجاجات شعبية عارمة في اليمن بقيادة حركة أنصار الله ضد الإجراءات التقشفية والفساد والمحسوبية من قبل الحكومة التابعة للغرب. أعلنت السعودية تشكيل تحالف عربي – بدعم من الإدارة الأمريكية – لبدء حرب على اليمن وأطلقت عملية عاصفة الحزم في مارس 2015 لإنهاء سيطرة أنصار الله على السلطة. لم يكن الدافع وراء العدوان السعودي ضد اليمن إعادة الرئيس عبد ربه منصورهادي للحكم بل في الأساس هو القلق بشأن نفوذ إيران التي تعتقد السعودية أنها تقود حركة أنصار الله في اليمن. حتى الآن، لم تستطع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية تحقيق أي إنجاز في اليمن وتتحمل السعودية خسائر باهظة اقتصاديًا وأمنيًا وبشريا. الاتفاق النووي ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاهل عن قصد قلق السعودية بشأن التوصل لاتفاق مع إيران ومضى قدما فيه. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وخليجيين قولهم أن السعودية اعتمدت على صور المراقبة والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية لبدء الهجوم على اليمن. يبدو أن تلك المعلومات جعلت السعودية تعتقد أن الأهداف واضحة ومن خلال عدة ضربات قوية سريعة العملية لن تستغرق سوى أسبوع أو اثنين على الأكثر. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك. صمدت المعارضة اليمنية بأكثر مما توقعته السعودية. هذا وضع المملكة في موقف حرج وأدى إلى تكفلها بنفقات هذه الحرب الباهظة لعدم قدرتها على مطالبة الدول المشاركة في التحالف العربي بدفع تكاليف حرب خاضتها دون دراسة وافية. إدارة ترامب السؤال هنا بعد أن نجحت إدارة باراك اوباما في توريط السعودية في حرب تعلم مسبقا أنها ستكون طويلة الأجل بين حليفتها والشعب اليمني، هل يتجه دونالد ترامب الآن لتوريط دول الخليج في حرب مع إيران؟. منذ الحملة الانتخابية، أعطت تصريحات ترامب انطباع أن إدارته ستتبنى موقفا عدائيا تجاه الجمهورية الإسلامية أكثر من موقف أوباما، حيث تعهد ترامب بتمزيق وتخريب الاتفاق النووي. لكن بعد عدة أسابيع من تنصيبه رئيسا، بدأت سياسة إدارة ترامب تجاه إيران تتبلور وتبدو مماثلة تماما لأوباما. يرجع ذلك إلى أنالملامح الرئيسية للسياسات الأمريكية تأتي دائما من وجهات نظر مؤسسات الأمن القومي الدائمة للدولة وليس من مجرد أفكار رئيس، وفقا لتقرير موقع "ميدل ايست أي". لكن من ناحية أخرى نجد تقريرا لصحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخرا يكشف عن محادثات تجري بين الإدارة الأمريكية والقادة العرب بشأن تشكيل تحالف عسكري عربي – إسرائيلي لمواجهة النفوذ الإيراني. وهذا التحالف سيشمل دول على رأسهم السعودية والإمارات ومصر والأردن، وفقا لتصريحات مسؤولين مشاركين في المناقشات. وأوضح المسؤولون – وفقا للصحيفة الأمريكية- أن هذا التحالف يضمن عنصر الدفاع المشترك على غرار حلف الناتو لكن المثير للاهتمام أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لن يكونا جزءا من اتفاقية الدفاع المشترك. وفي السياق ذاته، ذكر موقع شبكة بلومبيرج أمس أن السعودية ودولًا أخرى في الشرق الأوسط حولت تركيزها في الإنفاق العسكري نحو الأسلحة ذات الطابع الهجومي تحسبًا للمواجهة مع إيران، وفقا لتقرير مجموعة "جينز" البريطانية المتخصصة في الاستشارات العسكرية والأمنية. ويؤكد التقرير أن اتجاه دول الشرق الأوسط نحو مزيد من الإنفاق العسكري جاء في أعقاب توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى. ومن المرجح أن يؤجج ذلك سباق تسلح في المنطقة بأسرها.