في حين سادت توقعات عديدة بأن تشهد العلاقات المستقبلية بين موسكووواشنطن تطورات إيجابية خلال المرحلة المقبلة، بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم، بعد علاقة شابها الكثير من التوتر خاصة في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، تؤكد بعض المؤشرات والقرارات التي تبنتها الإدارة الجمهورية الجديدة ترسيخ توتر العلاقات بينهما. ودائمًا ما تعودت جميع الإدارات الأمريكية في العهود السابقة بإبداء تصريحات إيجابية ومبنية على الثقة في العلاقات مع نظيرتها الروسية قبل بلوغها المنصب، بيد أن الالتزام بهذا الأمر يبقى صعبًا ومستحيلا بعد استلام السلطة؛ لأسباب تتعلق بتأثيرات أصحاب الرأي ومراكز الأبحاث وصناع القرار الحقيقيين في الإدارة الأمريكية، فيلاحظ هنا أن أوباما الذي أطلق العديد من الوعود الإيجابية نحو موسكو وقت ترشحه قبل عام 2008، ساءت علاقة إدارته بنظيرتها الروسية أكثر من أي زعيم أمريكي آخر في نهاية عهده. ويبدو أن ترامب اتخذ نفس المسار؛ فتصريحاته أشارت بوضوح إلى صداقة حميمة بين الزعيمين قبل الصعود إلى المنصب ووعود بتحسن العلاقات مع موسكو لتخفيف حدة الصراعات في الشرق الأوسط وعلى الحدود الروسية الأوروبية، وعند استلامه المنصب اصطدم المتفائلون بقرارات قد توسع هوة الخلافات. يعزز المستقبل المتوتر، المؤرخ الأمريكي وأستاذ في العلوم السياسية في جامعة روتجرز، ألكسندر جي موتيل، الذي أكد صعوبة أن نرى هذين الرئيسين يتفقان حول مسألة ما، مموضحا أن روسياوالولاياتالمتحدة لهما بعض المصالح الوطنية المشتركة، لكن بغية خدمة تلك المصالح سيتوصلان إلى اتفاق، لكن لا يمكن للرئيسين أن يصدقا بعضهما ولو لوهلة أو أن يفي كل منهما بوعوده للآخر. الأزمة الأوكرانية بعد هدوء الأزمة الأوكرانية فترة، يبدو أننا أمام مرحلة جديدة ستشهد اختبار العلاقات الأمريكية الروسية في عهد الوافد الجمهوري الجديد للبيت الأبيض، خاصة أنه مع دخول الرئيس دونالد ترامب قصره الرئاسي، أشددت المعارك في محيط مدينة أفدييفكا الصناعية الأوكرانية، بين القوات الحكومية والمتمردين المرتبطين لروسيا، ورغم تصريحات ترامب المتزنة حتى الآن حول هذا الملف، يؤكد مراقبون أن الصراع في الفترة الأخيرة الذي شهد تطورًا ملحوظًا قد يوتر العلاقات بين ترامب وبوتين، لاسيما أن مراكز الضغط الأمريكية حتى الجمهورية منها تؤكد على ضرورة التزام أمريكا بدعم القوات الأوكرانية، وظهر ذلك في إدانة المبعوثة الأمريكية الجديدة للأمم المتحدة نيكي هالي، بشدة ما أسمته العدوان الروسي على أوكرانيا، وقالت في مجلس الأمن "إنه من المؤسف للغاية أن تضطر لانتقاد الأوضاع في أوكرانيا، ولكن الوضع المتردي في شرق البلاد أمر يستدعي توجيه انتقادات وإدانات واضحة وقوية لأفعال روسيا هناك"، داعية إلى ضرورة وقف تصعيد العنف. ألكسندر جي موتيل، أكد في إحدى مقالاته التي أثارت صدمة لدى أغلب المتابعين، أنه سيصعب على الرئيس الأمريكي أن يثق في انسحاب روسيا من أوكرانيا، لاسيما أن الرئيس الروسي يصر ويؤكد على عدم وجود قوات روسية له في «دونباس»، وبالمثل سيصعب على موسكو أن تضمن أن الولايات قطعت مساعدتها العسكرية للقوات الأوكرانية التي تحارب الانفصاليين المرتبطين بروسيا، مؤكدًا أنه بالتالي، فعلى الرئيسين أن يتيقنا من أن كل طرف ليس له نية الوفاء بوعوده، وفي صورة نجح الطرفين في اكتشاف حقيقة سلوك بعضهما بعضا، العشوائي وغير المسؤول في السابق، فإن انعدام الثقة المتبادل بينهما سيتعزز. استمرار العقوبات الروسية ضمن الإجراءات التي عززت الفجوة الخلافية بين روسياوأمريكا في المرحلة الأخيرة، العقوبات الأمريكية على روسيا بسبب اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث تأمل الإدارة الروسية أن تتحرك نظيرتها الأمريكية لاتخاذ خطوات إيجابية لرفع هذه العقوبات التي أثرت على الاقتصاد الروسي، وعلقت الصحافة الروسية آمالا واسعة على الملياردير الشعبوي استنادا إلى أسباب عدة، أهمها أن ترامب يرغب في إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو، ووقف توسيع الناتو شرقا، وتجميد نشر منظومات جديدة للدرع الصاروخية في أوروبا، مؤكده أن ترامب في هذا الإطار يريد رفع العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014 على خلفية ضم القرم والأزمة الأوكرانية. واصطدمت هذه الآمال بتصريحات ترامب الأخيرة، الذي قال الجمعة الماضية "من المبكر الحديث عن رفع العقوبات المفروضة على روسيا"، وأنه لا يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل شخصي بعد، ويبدو أن تصريحات ترامب نحو العقوبات جاءت لتخفيف حدة الخطاب الأمريكي تجاهه، التي حذرته من رفع العقوبات، حيث حذر عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من رفع العقوبات المفروضة على روسيا، قائلا في بيان مكتوب إنه سيضمن إعادة فرض الكونجرس للعقوبات في حال تم رفعها، من خلال لقائه مع أعضائه. موقف ترامب المتحول في سوريا واجهت أغلب الصحف والوكالات العالمية صعوبة كبيرة في تحليل ثابت لنهج الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تجاه الأزمة السورية والذي ينطوي على مواقف متناقضة محيرة، ويبدو أن موقفه الأخير، الداعي لإنشاء منطقة آمنة في سوريا كان أبرز هذه التناقضات؛ فبينما ادعى في البداية أنه يراهن على التعاون مع موسكو لحل الأزمة السورية تؤشر تصريحاته وتوجهاته الأخيرة تجاه الملف بمستقبل من الصدام مع روسيا. قبل أيام، خرج ترامب في حواره الصحفي الأول مع الإعلام البريطاني موجها ضربة جديدة للمتفائلين بمستقبل جيد للعلاقات مع روسيا، حيث قال "إن التدخل الروسي في سوريا أمر سيئ.. لقد جعل الأوضاع الإنسانية هناك مزرية"، وأضاف أنه كان لدى أمريكا فرصة لعمل شيء في سوريا، لكن الأوان فات الآن، معتبرا أن ما حصل في حلب "كان مريعا"، وقال إنه كان يجب على الغرب بناء مناطق آمنة داخل سوريا بأموال دول الخليج. لم تكن لهجة ترامب هي الوحيدة المتحولة في الإدارة الجديدة تجاه سوريا المناهضة للتوجه الروسي، فمستشار ترامب لشؤون السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية، وليد فارس، أشار إليها في أكثر من مناسبة، كان آخرها في حوار لصحيفة عربية، أكد أنه لا يتوقع من رئيسه أن يقول لروسيا تفضلي واهتمي بالموضوع السوري، وأن واشنطن ستكتفي ببعض الضربات ضد «داعش»، مضيفا «أمريكا تريد أن توسع نطاق تحالفاتها على الأرض مع المجموعات التي تعتبرها مجموعات غير متطرفة.. سوف تعمل مع المعتدلين، وبعد أن تتوسع رقعة سيطرتهم تصبح متوازنة مع الحجم الروسي، بمعنى أن روسيا تحمي النظام السوري ومناطق نفوذه، وأمريكا تحمي مناطق المعتدلين، وبعد ذلك تذهب كل الأطراف إلى التفاوض». ومن قراءة هذه التصريحات، يبدو أن النهج الأمريكي المقبل لم يتغير تجاه الملف السوري وإن كانت متناقضة مع تصريحات سابقة لترامب عندما كان مرشحًا، إلا أنها تعبر عن خلافات عميقة مع روسيا في سوريا لم تكن قطعًا متوقعه، وهو ما أظهر رده الفعل الروسية الغاضبة، وقال المتحدث باسم الكرملين، إن واشنطن لم تشاور موسكو في موضوع المناطق الآمنة في سوريا الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، محذرة من المضي في مثل هذا القرار، وقال المتحدث الروسي إنه يجب على الحكومة الأمريكية أن تفكر في العواقب المحتملة لإقامة مناطق آمنة في سوريا، مؤكدة أن واشنطن لم تتشاور معها قبل الإعلان عن هذه المناطق. التسلح النووي ويبدو أيضا أن سباق التسلح النووي بين أمريكاوروسيا سيكون نقطة خلاف في المرحلة المقبلة، فترامب أعلنها بعد فوزه بأنه لا يخشى سباقاً جديداً على التسلح، محذراً من أن الولاياتالمتحدة لن تسمح لبلدان أخرى في إشارة إلى موسكو بتعزيز قدراتها النووية من دون أن ترد بالمثل. وبادل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تصريحات مثيرة للجدل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأسلحة النووية، مما وضع تعهدات الرئيس الجمهوري القادم بتحسين العلاقات مع روسيا محل اختبار، ففي لمحة عن الطريقة التي قد يدير بها الدبلوماسية بعد أن تولى منصبه رحب ترامب بسباق للتسلح النووي مع روسيا والصين، وأكد أن الولاياتالمتحدة ستفوز في هذا السباق. ومن جانبه، قال شون سبايسر، السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض لقناة "سي إن إن": "هناك في الوقت الراهن دولاً حول العالم تتحدث عن تعزيز قدراتها النووية، والولاياتالمتحدة لن تجلس متفرجة وتسمح بحدوث ذلك من دون أن تتصرف بالمثل"، بعد سؤاله عن تغريدة دعا فيها ترامب إلى "تعزيز وتوسيع القدرة النووية" الأمريكية بشكل كبير، ولدى سؤاله إن كان يشير إلى موسكو تحديداً، أجاب سبايسر "أنا أتحدث عن روسيا، كما لا يتعلق الأمر ببلد واحد، إنه (يتعلق) بأي بلد". وتسترجع تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه التسلح النووي إلى الذاكرة حقبة الحرب الباردة بين روسياوموسكو وتنذر بوجود سباق سريع للتسلح، الأمر التي أثار جدلا في الإعلام الغربي والدولي، وتركت الكثيرين في حيرة بسبب الرسائل المتناقضة التي يبعث بها ترامب إلى روسيا والعالم. الاتفاق النووي الإيراني لا يبتعد الاتفاق الإيراني عن الخلافات، بل يرتبط بشكل أو بآخر بالملف السوري، المسيطر عليه الروس والإيرانيين والأتراك في الفترة الأخيرة، فرغم عدم إخفاء ترامب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورغبته في العمل معه، أثناء حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية التي فاز بها، لكنه اختار ثلاث شخصيات في إدارته الجديدة مهيئين على ما يبدو لخوض صراع ضد إيران حليفة موسكو في المنطقة، وهم الجنرال مايكل فلاين مستشارا للأمن القومي، وجيمس ماتيس وزيرا للدفاع، ومايك بومبيو مديرا لوكالة المخابرات المركزية (سي آى اية). كما كانت تصريحات الرئيس الأمريكي تجاه هذا الملف مستفزة إلى حد بعيد، وبينما أكدت صحيفة «ازفيستيا» الروسية إن هناك تعويلا على روسيا في تهدئة الموقف الأمريكي تجاه طهران وعدم اللجوء إلى خيار التصعيد وخرق الاتفاق النووي المبرم بين طهران والقوى الكبرى (5+1)، أكد مستشار الرئيس الأمريكي أن وقوف روسيا إلى جانب إيران في هذه النقطة قد يكون ثمنه تردّي العلاقات مع ترامب، وهذا يخضع لتقييم الإدارة الروسية، الأمر الذي تم قرأته على أنه عدم توافق بين ترامب وبوتين في هذا الملف.