شهدت رومانيا خلال الفترة الأخيرة أزمة سياسية حادة، على خلفية إصدار الحكومة مرسومًا للعفو عن متهمين بالفساد، الأمر الذي تسبب في انقسام داخل الحكومة التي يقودها اليساريون بعد استقالة أحد أعضائها. وأثار هذا المرسوم احتجاجات عارمة في العاصمة بوخارست، حيث احتشد 250 ألف شخص من مختلف المدن الرومانية، في واحدة من أكبر التظاهرات الاحتجاجية المناهضة للحكومة. وأصدر رئيس الوزراء سورين غرينديانو، الأسبوع الماضي، المرسوم الذي يمهد للعفو عن المتهمين في قضايا فساد؛ بحجة التخفيف من اكتظاظ السجون، والذي يقضي أيضًا بعدم تجريم العديد من أعمال الفساد، وتنتفي العقوبة بالسجن على المتهمين باستغلال السلطة، إذا لم يتجاوز المبلغ المستولى عليه مائتي ألف ليو «47 ألفًا و500 دولار أمريكي)، ويسمح المرسوم في حال التنفيذ بالعفو عن نحو ألفي سجين يقضون أحكامًا بالسجن لا تتعدى خمس سنوات. وقال معارضون: المرسوم موجه لوقف ملاحقة السياسيين المشتبه بهم في جرائم، أو من يخضع منهم للاتهام والتحقيق، خاصة أن زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليفيو دراغينا ومسؤولين اشتراكيين آخرين متهمون بقضايا فساد. وتراجع رئيس الوزراء الروماني عن المرسوم لتهدئة الغضب بالشارع، وقال رئيس الوزراء الاشتراكي الديموقراطي في تصريح: «سنجتمع لإلغاء هذا المرسوم الذي يعفي من الملاحقة القضائية»، مؤكدًا أنه لا يريد «تقسيم رومانيا» ، مُقرًّا بأن المرسوم أحدث «انقسامًا في المجتمع» مجددًا التأكيد أن دافع الحكومة كان ملاءمة القانون الجزائي مع الدستور، وسيتم إعداد مشروع قانون جديد ليعرض هذه المرة على البرلمان. ويحقق القضاء الروماني حاليًا في ألفين و150 قضية استغلال للسلطة، وفي 2015 تمت محاكمة 27 مسؤولًا رفيعًا، بينهم رئيس الوزراء حينها، فيكتور بونتا، إضافة إلى خمسة وزراء و16 نائبًا، غالبيتهم من اليساريين، وأواخر العام الماضي وجد أن من بين 588 عضوًا البرلمان المنتخب في عام 2012، وهناك 89 عضوًا أي 15% إما قيد التحقيق بتهمة الفساد، أو مدان أو اختار التنحي عن وظائف أخرى. وبحسب الإحصائيات فإن مئات المسؤولين دخلوا السجن في السنوات الأخيرة، وأكثر من 200 ألف قضية قيد التحقيق تتعلق بإساءة استخدام السلطة، حسب المحققين. ولم يكن الرفض الشعبي هو الوحيد لهذا المرسوم، حيث ظهر انقسام واضح داخل الحكومة الرومانية، ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير العمل الروماني فلورين جيانو «مستقل» استقالته من منصبه؛ احتجاجًا على إجراءات الحكومة، ظل رئيس الوزراء متمسكًا بموقفه قبل أن يتراجع عن قراره، وفي المقابل حث نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، الحكومة على سحب المرسوم، في حين رفض رئيس الدولة كلاوس سوهانس «يمين الوسط» المرسوم وأعلن أنه سيلجأ للمحكمة الدستورية في حال إقراره. وتثير تلك الأزمة السياسية تخوفات لدى الاتحاد الأوروبي، التي انضمت له رومانيا حديثًا، وبالأخص في عام 2007، وحث المفوض الأوروبي حكومة رومانيا على عدم التراجع عن الجهود الرامية لمكافحة الفساد، وعبرت عن قلقها من المرسوم الذي ينزع التجريم عن جرائم استغلال السلطة. ورد رئيس لجنة العدالة بالبرلمان الروماني على التخوفات الأوروبية، مؤكدًا: «نحن لدينا اكتظاظ في السجون، وهذه المشكلة يمكن أن تحل سواء برفع عدد الأماكن أو بخفض عدد السجناء، العفو هو الحل الأسرع لهذه المشكلة، ورغم الأمثلة التي قدمتها إلينا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إلَّا أننا وجدنا أنفسنا محل انتقاد، فقط لكوننا طبقنا حرفيًّا ما طلب منا». ووفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الذي نشر نهاية يناير، تحتل رومانيا مراكز متأخرة جدًّا بين دول الاتحاد الأوربي، بشأن سيطرة الفساد على المواطنين. وبعيدًا عن تلك الأزمة السياسية الطارئة، تبقى رومانيا أمام اختبار حقيقي من قِبَل الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى لبذل مزيد من الجهد على مستوى علاقاتها مع أوروبا؛ من أجل تحقيق إنجازات اقتصادية تدعم مكانتها في الاتحاد الأوروبي، حيث لم يمض على انضمامها إليه سوى عشر سنوات، خاصة أنها تنتظر تولي رئاسته عام 2019، وهو ما يتطلب من الحكومة الحالية تخطي تلك المشكلات السياسية، والعمل الدؤوب لتأكيد جدارتها على مستوى القارة الأوروبية.