إقبال كبير شهدته الجولة الثانية من انتخابات حزب اليسار الفرنسي لاختيار من سينافس مرشحي اليمين الوسط واليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر انطلاقها في إبريل المقبل، تجاوز عدد المصوتين في صناديق الاقتراع حد المليون و300 ألف ناخب، لتخرج النتائج بفوز مُمثل اليسار الجذري، وزير التربية السابق، بونوا هامون، على مُمثل اليسار اليميني، رئيس الوزراء السابق، مانويل فالس. "هامون" مرشح اليسار الفرنسي استطاع وزير التربية السابق، بونوا هامون، تحقيق اختراق جديد في الجولة الثانية من انتخابات اليسار الفرنسي، بحصوله على نسبة 58.88% من الأصوات بعد فرز أكثر من 74 % من صناديق الاقتراع، مقابل حصول فالس على نسبة 41.12% من الأصوات، بعدما حقق هامون اختراقًا أيضًا في الجولة الأولى على حساب فالس، حيث حصل على المركز الأول ب36.63% من الأصوات، فيما حصد فالس 31.90% من الأصوات. فور إعلان النتائج الأولية، اعترف رئيس الوزراء السابق "فالس" بخسارته، وهنأ منافسه "هامون" الذي أصبح مرشح اليسار للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأكد دعمه ومساندته له في الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل المقبل، فيما أكد مرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، عزمه على العمل على توحيد أحزاب اليسار في مواجهة أحزاب اليمين واليمين المتطرف. اليسار الاشتراكي بات يمثله المرشح بونوا هامون، البالغ من العمر 49 عامًا، الذي عمل وزيرًا سابقًا للتربية، ويمثل خط اليسار الجذري من ناحية أطروحاته الاقتصادية أو حتى المتعلقة بالوضع الأمني واللاجئين والتأمين الصحي، ومن أبرز اقتراحاته في برنامجه الانتخابي، تخصيص 750 يورو شهريًا كدخل شهري للمواطنين الفرنسيين. ينحدر هامون من منطقة بريتاني، لأب وأم عاملين، في عام 1992، وقاد حركة الاشتراكيين الشباب، ولعب دورًا في تقويتها، حتى تحولت إلى قوة ضغط شعبية مؤثرة قادرة على تحريك عدد كبير من الناس، وفي عام 2002 هُزم مرشح اليسار الفرنسي في انتخابات 21 أبريل، ليونل جوسبان، أمام مرشحي اليمين واليمين المتطرف، وحينها أسس هامون الحزب الاشتراكي الجديد بالتعاون مع عدد من مؤسسي الحزب القديم، أمثال "أرنو منتبورغ" و"فنسان بايون" و"جوليان دراي"، رغبة منهم في تجديد الأمل لدى الطبقة الشعبية، وفي عام 2012، دخل "هامون" إلى الحكومة الاشتراكية، وكذلك أرنو منتبورغ، في عهد رئيس الوزراء، فرانسوا هولاند. ويرى معلقون سياسيون أن فوز "هامون" بالانتخابات الرئاسية ربما يكون بعيد المنال، مثل أي مرشح اشتراكي آخر؛ حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن "هامون" لن يتمكن على الأرجح من تخطي الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة التي تجرى في 23 أبريل، وتؤكد أن مرشح اليسار سيحقق المركز الخامس في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، على أن تكون الصدارة للقومية المتطرفة مارين لوبين، ومرشح وسط اليمين فرنسوا فيون، اللذين يتوقع أن يكونا طرفي جولة الإعادة في السابع من مايو، ما دفع "هامون" إلى التأكيد على أن هدفه الحالي ليس الفوز بالرئاسة، بل وضع نفسه كمرشح طبيعي لليسار وأحد زعمائه المجددين، ليكون بعد ذلك ربما منافسًا قويًا في انتخابات عام 2022. يمين الوسط يمثل اليمين الوسط، رئيس الحكومة الأسبق، فرانسوا فيون، من الحزب الجمهوري المحافظ، ويبلغ من العمر 62 عامًا، ويعتبر من أبرز الشخصيات الفرنسية التي تقلدت مناصب سياسية مهمة ومتعددة، فكان أولها تعيينه كملحق برلماني للنائب عن منطقة سارت الواقعة غرب فرنسا، جويل لوتول، وعندما أصبح "لوتول" وزيرًا للنقل ثم الدفاع، وظف معه "فيون" كمكلف مهمات، وفي عام 1981، انتخب فيون وهو ابن ال27 نائبًا في الجمعية الوطنية، ليكون أصغر نائب يدخل البرلمان، وفي 1983، فاز في الانتخابات المحلية ببلدة سابلي سور سارت بمنطقة سارت. في عام 1993، بدأ "فيون" مسيرته الحكومية، حيث شغل منصب وزير التعليم العالي في حكومة، إدوار بلادور، في الفترة بين 1993-1995، وحافظ على منصبه في حكومة، آلان جوبيه عام 1995، وعقب فوز "جاك شيراك" بالرئاسة، أصبح "فيون" وزيرًا للتكنولوجيا والبريد والمواصلات، وفي عام 2003، تم تعيينه في منصب وزير الشؤون الاجتماعية، ثم وزيرًا للتربية الوطنية في حكومة، جان بيار رفران. كان فيون أحد أبرز المدافعين عن أفكار الزعيم الفرنسي التاريخي، شارل ديغول، وفي عام 2004، مني فيون بأول خسارة انتخابية، عندما فاز الحزب الاشتراكي برئاسة المجلس الجهوي لمنطقة بلاد لوار الواقعة في وسط فرنسا، وبعدها تم إبعاد "فيون" عن حكومة "دومينيك دو فيلبان"، ونتيجة للمظاهرات التي أثارها مشروعه لإصلاح النظام الدراسي، وإثر انتخاب "نيكولا ساركوزي" رئيسًا لفرنسا في مايو عام 2007، عاد "فيون" ليصبح رئيسًا للحكومة وبات في منصبه حتى وصول "فرانسوا هولاند" للرئاسة في 2012. في مارس عام 2015، أكد فيون في مقابلة مع مجلة فرنسية رسميًا مشاركته في الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط، وكشف عن برنامجه الاقتصادي الليبرالي، الذي شمل إلغاء حوالي نصف مليون وظيفة وخفضًا في المساعدات الاجتماعية وتقليص النفقات الحكومية، كما تعهد برفع القيود عن الاقتصاد الفرنسي، الذي يشهد استمرار ارتفاع معدلات البطالة مع تعزيز القيم الفرنسية، ويرى فيون أن خطته لخفض الإنفاق قابلة للتطبيق إذا زاد عدد ساعات عمل العاملين في القطاع العام إلى 39 ساعة من 35 حاليًا، فيما يرى ضرورة تأسيس "حلف قوي مع روسيا"، ويعتبر أن دحر تنظيم داعش أهم من رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وحذر من إبادة مسيحيي الشرق، ويرى أن "الاجتياح الإسلامي الدامي لحياتنا ينذر بحرب عالمية ثالثة"، وفق قوله. تدور العديد من الشبهات حول المرشح اليميني "فيون"، ما يشكل عقبة أمام وصوله إلى قصر الإليزيه، حيث أوردت وسائل إعلام فرنسية اتهامات لرئيس الوزراء السابق والمرشح اليميني للانتخابات الرئاسية، فرانسوا فيون، باختلاس أموال عامة خلال عضويته لمجلس الشيوخ بين عامي 2005 و2007، حيث نقلت أسبوعية "لوجورنال دو ديمانش" أمس الأحد، أن فيون عندما كان سناتورا بين عامي 2005 و2007، تلقى سبعة شيكات باسمه بمعدل شيك كل ثلاثة أشهر، بلغت قيمتها الإجمالية 21 ألف يورو، وهي نوع من عمولة على أموال تدفع مقابل خدمات مساعدين. ونقل موقع "ميديابارت" الإخباري أن "فيون" وضع في جيبه قسمًا من أموال مخصصة مبدئيًا لبدل عمل يقوم به مساعدون عبر نظام عمولة سري، وأفاد الموقع بأن الأموال التي تقاضاها "فيون" لا تتجاوز ال25 ألف يورو. اتهام "فيون" بالاختلاس يُضاف إلى القضية المتعلقة بإعطائه وظيفة وهمية لزوجته "بينيلوب"، وهي القضية التي أثارت الطبقة السياسية الفرنسية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث كشفت التقارير أن هذه الوظيفه مكنت "بينيلوب" من الحصول على نحو نصف مليون يورو خلال نحو عشر سنوات. اليمين المتطرف تمثل اليمين المتطرف "مارين لوبان" من حزب الجبهة الوطنية، التي صعد نجمها خلال الفترة الأخيرة وأصبحت تثير قلق العديد من السياسيين، نظرًا لتزايد شعبيتها من ناحية والأفكار العنصرية التي تحملها من ناحية أخرى. ولدت مارين لوبان عام 1968 في مدينة نويي الفرنسية، ودرست القانون في باريس وحصلت على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، وأصبحت محامية في باريس، لكن مسيرتها في المحاماة لم تكن جيدة، فقررت مغادرة نقابة المحامين عام 1998، لتلتحق بحزب والدها "الجبهة الوطنية" ضمن الفريق القانوني، ورافقته في تنقلاته وجميع حملاته الانتخابية، وفي عام 2000 أصبحت لوبان عضوًا في المكتب السياسي للحزب. تمكنت مارين لوبان في انتخابات المقاطعات عام 2002 أن تحصل على نسبة 24.24% من الأصوات بمدينة لانس، في الدورة الأولى، وحصلت على32.30% في الدورة الثانية، ورغم خسارتها إلا أنها اكتسبت شهرة كبيرة وأصبحت سياسية صاعدة، وفي عام 2004 انتخبت في البرلمان الأوروبي، وصوتت على 42% من القوانين مع أغلبية النواب الفرنسيين، وفي عام 2010 عندما تنحى والدها عن قيادة الحزب، تولت لوبان القيادة عام 2011. ترشحت مارين لوبان للانتخابات الرئاسية عام 2012، وحصلت على 17.90% من الأصوات وهي أعلى نسبة حققها حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية، وفي الانتخابات الأوروبية عام 2014 عادت "لوبان" وحزبها لتحقق نتائج متميزة، حيث حصدت قائمتها 33.61% من الأصوات. واعتادت لوبان أن تغني على وتر التنديد بأهوال التعددية الثقافية، كما أنها تطرح فكرة الأولوية الوطنية، التي مفادها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم في السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل، وتعترض لوبان على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، كما تدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي، ولا تخفي اعتقادها بأن الجمهورية الفرنسية تتعرض لتهديد خطير من الإسلام، وتتعهد إذا وصلت إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ومنع الحجاب وليس النقاب أو البرقع فحسب، وتعتقد لوبان أيضًا أن أمريكا خطر على العالم، وأن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هو بالضبط الحاكم المستبد الذي تحتاجه روسيا. حاولت زعيمة الجبهة الوطنية التخلص من إرث والدها بالتقرب من إسرائيل، وانتقدت الحملة الداعية إلى مقاطعة إسرائيل ووصفتها بأنها عنصرية، مؤكدة أنها لن تسمح بمعاداة السامية في حزبها، ما مكنها من جذب أكثر من 13% من الناخبين اليهود في انتخابات 2012. الأوفر حظًا خلال الفترة الأخيرة، كانت وسائل الإعلام الفرنسية تعتبر مرشح اليمين الوسط، رئيس الوزراء السابق، فرانسوا فيون، الأوفر حظًا نظرًا لكونه يتمتع بدعم سياسي وشعبية كبيرة، لكن بعد أن دارت حوله شبهات فساد واختلاس وتورط في قضايا ومحاكمات، أصبحت "لوبان" الأوفر حظًا خلال الانتخابات الرئاسية، خاصة أن أوروبا تتجه إلى المعسكر اليميني، في الوقت الذي يعاني فيه المرشح اليساري "هامون" من تفكك وتشرذم حزبه قد يدفعه إلى الخسارة من الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية.