تتجه الأوضاع السياسية في الشارع البحريني إلى المزيد من الاشتعال، خاصة بعد اتخاذ السلطات البحرينية العديد من الإجراءات التعسفية تجاه المعارضة، حيث كثفت عمليات الاعتقال خلال الأسابيع الأخيرة، إضافة إلى حالات الإعدام التي أثارت حفيظة وغضب الشعب البحريني. يأتي ذلك بالتزامن مع اقتراب موعد انطلاق الذكرى السادسة للثورة البحرينية في 14 فبراير المقبل، الأمر الذي يثير قلق العديد من المنظمات الدولية والحقوقية التي حذرت من اشتعال الأوضاع بشكل قد يخرج عن حسابات السلطات البحرينية. منذ أن تم إعدام الشباب الثلاثة قبل أسبوعين، "عباس السميع، وسامي مشيمع، وعلي السنكيس"، لم يهدأ الشارع البحريني، ولم تنتهِ التظاهرات والمسيرات الحاشدة والاعتصامات، وذلك على الرغم من تعامل القوات البحرينية بقوة مفرطة مع هذه الاعتراضات، ويأتي اعتصام الدراز، الذي يقع بالقرب من منزل أعلى مرجعية دينية في البحرين، الشيخ عيسى قاسم، في مقدمة التظاهرات والاعتصامات التي فشلت السلطات في تحجيمها، على الرغم من اتخاذها كافة الإجراءات التعسفية ضد المتظاهرين، حيث تشهد الدراز تظاهرات يومية واعتصامات حاولت القوات الأمنية مرارًا فضها، إلا أنها لم تستطع، حيث هاجمت السلطات مكان الاعتصام أمس الخميس، مستخدمة الرصاص الحي ورصاص الشوزن المحرم دوليًّا في هجومها، وخلفت جرحى، واعتقلت عددًا من المتظاهرين أيضًا، وجاء هذا الهجوم المباغت من قبل قوات الأمن وسط تحليقٍ مروحي على ارتفاع منخفض، استمر حتى انسحاب القوات الأمنية التي غادرت الساحات المحيطة بساحة الاعتصام بعد توافد حشود من الأهالي. مع تصاعد الأوضاع خرجت المعارضة البحرينية لتزيد حماس المتظاهرين عبر إطلاق نداءات التعبئة عن طريق مآذن المساجد في الدراز، كما أصدرت حركة 14 فبراير المعارضة بيانًا أهابت فيه جماهير الشعب البحريني بالتصعيد والحضور الميداني في الأسابيع المقبلة، تمهيدًا للذكرى السادسة لانطلاق ثورة 14 فبراير، وفي بيان لها قدمت المعارضة "واجب الشكر إلى الشعب الذي قدم الصورة الحقيقيّة للوفاء في تأبين شهداء الوطن، عباس السميع، سامي مشيمع، علي السنكيس"، داعية إلى التمسك بوصايا شهداء الوطن في الاستمرار في الحضور الميداني لمقارعة الاستبداد، ورفع شعارات الثورة والتغيير، وتحميل المسؤولية للقاتل الحقيقي الذي وقع حكم الإعدام، وشددت على ضرورة تصعيد الحراك الثوري السلمي الذي من شأنه أن يحقق المطالب الشعبية المشروعة، ويفرض إرادة الشعب المُطالِب بدولة العدل والكرامة، وإزالة الاستبداد والديكتاتورية ومحاكمة القتلة والمُعذبين، وفق البيان، وأضافت: ندعو أبناء شعب البحرين إلى التوجه إلى الدراز دفاعًا عن الدين والوطن والوجود، مؤكدة أن تجاوز الخطوط الحمراء سيغير قواعد المعركة، ويقود البحرين لمصير مجهول ومظلم. في ذات الشأن قال مركز البحرين لحقوق الإنسان إنه وثّق خلال الأسبوع الماضي، أي في الفترة من 16 حتى 22 يناير الجاري، اعتقال 41 مواطنًا بشكل تعسفي، من بينهم امرأة وثمانية أطفال، وتم إطلاق سراح 4 منهم فيما بعد، وأكد المركز عبر حسابه، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنه سجل محاكمة 57 مواطنًا في 16 قضية على خلفيات سياسية، حيث أصدرت المحاكم البحرينية أحكامًا بالسجن قاربت ال510 أعوام، وغرامات بقيمة 300 ألف دينار تقريبًا، كما صدرت أحكام بالسجن المؤبد بحق اثنين من المعتقلين، وأشار المركز إلى خروج ما يقرب من 200 مسيرة سلمية في 41 بلدة بحرينية، تعرضت 57 مسيرة منها للقمع بالقنابل الغازية والمسيلة للدموع من قبل عناصر الأمن البحريني والميليشيات المدنية. من جانبها حذرت منظمة العفو الدولية من تعرض البلاد لخطر الغرق في أزمة حقوق الإنسان، حيث قالت المنظمة إنه على السلطات البحرينية أن تُغير فورًا حكم الإعدام الصادر بحق رجلين يواجهان خطر التنفيذ الوشيك للحكم، وهما محمد رمضان وحسين علي موسى، اللذين حكمت عليهما المحكمة البحرينية بالإعدام في ديسمبر 2014، في أعقاب تفجير في قرية الدير، أدى إلى مقتل شرطي في فبراير، وحذرت من أن الرد القاسي على الاحتجاجات على أحكام الإعدام التي نُفذت رميًا بالرصاص في 15 يناير الجاري يُعرض البلاد للغرق في أزمة حقوق الإنسان. في ذات الإطار فإن 7 منظمات حقوقية، هي مرصد البحرين لحقوق الإنسان، منتدى البحرين لحقوق الإنسان، منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، مركز البحرين لحقوق الإنسان، معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، المنظمة الأوروبية البحرينية لحقوق الإنسان، المنظمة البحرينية الألمانية لحقوق الإنسان والديمقراطية، دعت المؤسسات والهيئات الحقوقية الدولية إلى متابعة الأوضاع الإنسانية في منطقة الدراز البحرينية، معبرين عن خشيتهم من إقدام السلطات في البحرين على فض الاعتصام بالقوة، وهو الأمر الذي قالت إن من شأنه أن يتسبب في حدوث كارثة، ستكون لها تداعيات سياسية وأمنية وإنسانية خطيرة. ولفت البيان الذي وقعت عليه المنظمات السبع إلى مضي 221 يومًا من الحصار الأمني الخانق على الدراز، والذي يخالف المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقالت المنظمات في بيانها: تم تسجيل شكاوى من إيقاف أهالي الدراز عند نقاط التفتيش لساعات طويلة، بهدف التحقق من إقامتهم بصفة رسمية في البلدة، فضلًا عن منع نقاط التفتيش دخول شاحنات المياه العذبة، بالإضافة لمنع شركات المواد الغذائية من تزويد المحلات التجارية، وتقييد حرية التنقل، واستدعاء ما يزيد على 100 مواطن تم اعتقال بعضهم، والتشويش المستمر على شبكة الإنترنت، مشددة على أن استمرار هذه الإجرات الأمنية أثر سلبًا على الأوضاع الإنسانية والخدمية في الدراز. كل هذه التطورات السياسية تنبئ بمشهد شديد العتمة والظلام خلال الأيام القادمة، فالسلطات البحرينية لا تملك من الحكمة والتعقل ما يدفعها إلى تهدئة الأوضاع وفتح حوار مع المعارضة البحرينية أو محاولة تفهم مطالب المتظاهرين والمُعتصمين، بل هي تتبع نهج التعنت مع معارضيها، ما قد يدفع الأوضاع إلى المزيد من العنف، خاصة مع تصاعد حالات الإعدام والتعذيب الأخيرة، ووصول الشارع البحريني إلى حالة من الغضب والتأجج غير مسبوقة.