منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأت السعودية مغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، ومحاولة إثنائها عن تنفيذ ترامب لتهديداته بشأن العلاقات بين البلدين، بعد أن كانت المملكة المُنتقد الأكبر لترامب، وأحد أهم الداعمين للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. وبعد المفاجأة التي أحدثها فوز المرشح الجمهوري، أعادت السعودية ضبط خطابها تجاه ترامب، وهو ما ظهر مؤخرًا في تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وقال فيها إن الرئيس الأمريكي عيّن أشخاصًا يتميزون بكفاءة عالية وخبرة واسعة في إدارته الجديدة. وأشاد الجبير باختيارات ترامب لوزرائه، قائلًا: عندما ننظر للأفراد الذين عينهم الرئيس ترامب أو رشحهم لمناصب رئيسة في إدارته، سواء كنا نتحدث عن الجنرال جيمس ماتيس، لتولي منصب وزير الدفاع، والجنرال كيلي، وزيرًا للأمن القومي، ومايك بومبيو، مديرًا لوكالة الاستخبارات، وريكس تيلرسون، وزيرًا للخارجية، ويبلور روس، وزيرًا للتجارة، وستيفن منوتشين، وزيرًا للخزانة، فجميعهم أفراد يتميزون بكفاءة عالية وخبرة واسعة، ويمتلكون رؤية واقعية وحكيمة تجاه العالم ودور الولاياتالمتحدة فيه. وفي ذات الشأن، أشار الجبير، خلال مؤتمره مع نظيره الفرنسي، جان مارك إيرلوت، أمس الثلاثاء، إلى أن إدارة ترامب ستكون أكثر انخراطًا في الشرق الأوسط وخاصة في احتواء إيران، وقال: "ليس لديّ شك في أن قدرتنا على التغلب على التحديات ستتعزز إذا ما عملنا مع بعضنا البعض بشكل وثيق"، وأضاف: "أُكرر القول بأننا متفائلون جدًا بإدارة الرئيس ترامب، ونتطلع للعمل الوثيق معه للتعاطي مع التحديات العديدة، ليس على مستوى منطقتنا فحسب، بل على مستوى العالم". اللافت أن وزير الخارجية السعودي وأثناء إشادته بفريق عمل الرئيس الأمريكي الجديد، شدد على الإشادة بمستشار ترامب للأمن القومي، مايكل فلين، الذي سبق أن قال إن الإسلام ليس دينًا بل أيدولوجية سياسية، وقال الجبير: "نتطلع للعمل مع فلين وجميع زملائنا في الإدارة الأمريكية"، وأضاف: "المواقف التي عبر عنها الرئيس ترامب مواقف نتفق معه عليها اتفاقًا تامًا، فإعادة الحضور الأمريكي على مستوى العالم هو أمر نرحب به نحن وجميع الأمريكيين، وذلك لأن غياب الحضور الأمريكي يخلق فراغًا، وإذا كان هناك فراغ في النظام الدولي فهو مدعاة لأن تسعى قوى الشر لأن تملأه، عندها سيتحتم علينا جميعًا تكثيف جهودنا لمواجهة قوى الشر هذه وسيكون علينا أن ندفع ثمن ذلك غاليًا، لذا فإن حضور الولاياتالمتحدة في المسرح العالمي لتلعب فيه دورًا إيجابيًا هو أمر نرحب به جميعًا". تصريحات وزير الخارجية السعودي جاءت بعد أن وافقت واشنطن على مبيعات عسكرية محتملة لنظام مناطيد مراقبة لرصد التهديدات من نوع "74 كيه" للسعودية، وأفادت وكالة التعاون الأمني الدفاعي، الاثنين الماضي، إن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت هذه الصفقة التي تقدر قيمتها بنحو 525 مليون دولار، وأضافت أن التكلفة تشمل المعدات ذات الصلة والدعم والتدريب. تأتي التصريحات التفاؤلية للجبير بشأن إدارة ترامب، رغم أن النظرة الاستراتيجية تشير إلى أن الطرفين لا يلتقيان سوى في ملفين هما الملف الإيراني، وملف التعامل مع الكيان الصهيوني، ففي الملف الإيراني، يتخوف كلا الطرفين من نفوذ طهران المتصاعد في المنطقة، سواء في سوريا أو اليمن أو العراق أو لبنان، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والذي أحدث انعطافة في سياسة معظم الدول العربية والأوروبية تجاه إيران، فضلا عن أنه أنعش اقتصادها وجلب لها المزيد من الاستثمارات بعد أن أنهكتها العقوبات الاقتصادية على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي يدفع الطرفين إلى محاولة إلغاء ذلك الاتفاق التاريخي، وهو ما قد يجمعهما للعمل سويًا. الملف الثاني هو ملف التعامل مع الكيان الصهيوني، فبالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي الجديد عن مدى أهمية إسرائيل بالنسبة لإدارته وإطلاقه الوعود بدعمها سياسيًا وماديًا وعدم التطرق حتى لانتقادها كما كان يفعل سلفه باراك أوباما، يأتي التطبيع السعودي مع الكيان المحتل لينسجم مع الموقف الأمريكي، حيث أطلقت السعودية العديد من التصريحات في مناسبات مختلفة بشأن تقاربها مع إسرائيل والتعاون، بل والتحالف، معها ضد دول عربية وإسلامية، وهو ما تترجمه خطوات كل من الجنرال السعودي أنور عشقي، ورئيس الإستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل. يبدو أن السعودية قد أدركت أن الرئيس الأمريكي الجديد لن يسعى لحمايتها مثلما كان يفعل سلفه أوباما، وهو ما أكده ترامب، في العديد من المناسبات، خاصة حينما وصف المملكة بأنها "بقرة متى جف حليبها سنذبحها"، وهو ما دفع المملكة إلى محاولات إقامة علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، أو على الأقل كسب ودها حتى وإن كانت سياساتها لا تنسجم كليًا مع سياسات المملكة. يضاف إلى ذلك أن الرياض تخشى من رد فعل الرئيس ترامب، في حال أعاد الكونجرس الأمريكي سن قانون "جاستا" من جديد، حيث كان ترامب قد هاجم خلال الحملة الانتخابية موقف الرئيس السابق أوباما لكونه قد منع سن القانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي، ويتيح مقاضاة السعودية ودولا عربية أخرى متهمة بتمويل ودعم الإرهاب، الأمر الذي يعني أن هناك الكثير من أوراق الضغط بيد الإدارة الأمريكية الجديدة يمكنها أن تلعب بها وقتما ترى الموقف مناسبًا.