يواجه قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الكثير من العقبات في الآونة الأخيرة، تجعل من تنفيذه أمرًا صعبًا، لاسيما بعد قرار المحكمة البريطانية أمس بشرط موافقة البرلمان على تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي ستطلق عملية «البريكست»، ما أعاد الجدل مرة أخرى عن عملية الخروج وما يعقبها من تأثيرات على البريطانيين ومحاولة إعادة الاستفتاء مرة أخرى. وطبقا لحكم القضاء البريطاني، لا يمكن لرئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، البدء في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي دون موافقة أعضاء مجلسي العموم واللوردات، رغم قرب المهلة التي وضعتها الحكومة لتنفيذ وعودها للاتحاد الأوروبي حتى 31 مارس المقبل. وقال مؤيدون لتدخل البرلمان في الاتفاقية، إن عدم السماح للبرلمان بالتصويت أمر غير ديمقراطي، رغم الاستفتاء الذي تم العام الماضي ووافقت فيه الأغلبية بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وأكد مراقبون أن أغلبية النواب في البرلمان الحالي أيدوا البقاء في الاتحاد خلال حملة الاستفتاء، لكن من غير المستبعد أن يصادقوا على إطلاق عملية الخروج تفادياً لإغضاب الناخبين. ولمعرفة موقف الأحزاب المعارضة والمؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، أعلن حزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة البريطانية، أنه يحترم قرار الناخبين البريطانيين في الاستفتاء، مشيراً إلى أنه لن يعرقل الانتقال إلى مناقشة القانون الذي سيفعل «المادة 50»، لكنه تعهد بطرح تعديلات على النص الذي ستقترحه الحكومة، وفي حين يعارض الحزب القومي الاسكتلندي الخروج البريطاني، ويمكن أن يصوت ضد تفعيل هذه المادة، كما ينوي تقديم «50 تعديلاً» لمشروع قانون الحكومة، وطالب حزب الديمقراطيين الأحرار بإجراء استفتاء جديد. من ناحيتها، أعلنت الحكومة، برئاسة تيريزا ماي، أنها ستقدم خلال أيام مشروع قانون لتفعيل «المادة 50»، مجددة التزامها ببدء المفاوضات مع المفوضية الأوروبية بحلول نهاية مارس المقبل، وأكد المتحدث باسم الحكومة أن "الشعب البريطاني صوت من أجل ترك الاتحاد الأوروبي، والحكومة سوف تنفذ قرار الشعب بتفعيل المادة 50 كما كان مخططا بنهاية مارس الحكم الذي صدر اليوم لا يغير شيئا من هذا الأمر". ويلوح في الأفق بحسب المشهد الكلي، تصادم سياسي قد يحدث مستقبلا بين قرار المحكمة البريطانية والحكومة، ويؤكد ذلك زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي في بريطانيا، نيك كليج، قائلًا إن «موقف الحكومة المتناقض يعني أنها في طريقها إلى تصادم مؤلم بالواقع». وأكد كليج، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء، أن بريطانيا مخطئة بسعيها للخروج من السوق الأوروبية الموحدة، مشيراً إلى أن الحكومة لاتزال في «شهر عسل»، وتوقع حدوث الأسوأ مستقبلاً، وأوضح المسؤول البريطاني أنه من المبكر الحكم على الأمور، وقال «ما سيحدث الآن في اعتقادي هو تصادم مؤلم، مع الواقع»، مضيفاً أن «التصادم سيحدث خلال التفاوض مع 27 دولة، و27 برلماناً أوروبياً، وأيضاً سيكون هناك تصادم مع تناقضات مواقف الحكومة نفسها». ويرى مراقبون أن الوضع الدستوري والسياسي صعب فهو في انتظار بلورة جميع المواقف الحزبية داخل بريطانيا وتأثيرها على الرأي العام البريطاني، الذي من المرجح أن يشهد تغييرات كبيرة، قد تسمح في نهاية العام الحالي، لأعضاء البرلمان المؤيدين بأغلبية ساحقة للبقاء في الاتحاد الأوروبي التراجع عن نتائج الاستفتاء، ويستند ذلك إلى أن رئيسة الوزراء الريطانية الجديدة لا تملك رصيدا سياسيا يسمح لها بجر بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي. المؤيدون يقولون إن الخروج لن يكون نهاية العالم، وهناك العديد من الفرص الحقيقية التي تلوح في الأفق بالتزامن مع تنفيذه، ويجب أن تدفع هذه الفرص بريطانيا إلى النظر إلى الأمور بمزيد من الثقة بقدرتها على تخطي العقبات الحالية، ويرون أن الخروج من اتحاد أوروبي «غير ناجح» إلى حد كبير، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، يضع البريطانيين أمام فرصة جديدة يجب انتهازها. وفيما يخص القادة الأوروبيين، هناك إصرار على ألا تنطلق المحادثات قبل تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، الخاصة بالخروج من الاتحاد رسمياً، كي تترك بريطانيا الاتحاد بشكل نهائي خلال عامين، وحتى بعد أن وضعت تيريزا ماي خطة «بريكسيت» مع الكثير من التفاصيل، فإن الاتحاد الأوروبي لايزال مصراً على تفعيل المادة، لأن أوروبا تريد أن تفاوض بريطانيا، والأخيرة تصارع الزمن، وتخشى انتهاء مهلة السنتين.