وافق البرلمان السوداني مؤخرًا على تعديل دستوري يستحدث منصب رئيس للوزراء، يعينه الرئيس السوداني. المنصب الجديد صدق البرلمان السوداني الأربعاء الماضي على تعديلات دستورية نهائية، تقضي بمنح رئيس الجمهورية صلاحيات جديدة واستحداث منصب رئيس وزراء، وكان البرلمان قد أجاز الاثنين الماضي التعديلات الدستورية التي أودعها رئيس الجمهورية، في مرحلة السمات العامة. وصوت 387 عضوًا على إجازة التعديلات التي قدمتها رئيس اللجنة الطارئة بدرية سليمان في تقرير اللجنة، بينما اعترض 5 نواب مستقلين على الإجازة، وامتنع 4 عن التصويت. صلاحيات الرئيس السوداني منحت التعديلات الجديدة رئيس الجمهورية حق تعيين أعضاء جدد في البرلمان الذي انتخب العام الماضي, وتعديل اسم الحكومة الحالية" "حكومة الوحدة الوطنية" إلى "حكومة الوفاق الوطني"، تتولى السلطة التنفيذية القومية حتى قيام الانتخابات وتكوين الحكومة الجديدة في عام 2020، بالإضافة إلى زيادة التمثيل في الهيئة التشريعية القومية والولائية بنسبة 20%، يعينها رئيس الجمهورية أيضًا. كما منحت التعديلات صلاحيات إضافية لرئيس الجمهورية، تمحورت في ابتدار الخطة الاستراتيجية للدولة، والإشراف على تنفيذها، والموافقة على سياسات الأمن والدفاع والاقتصاد الكلي، والإشراف على أجهزة ومؤسسات الحكم الاتحادي، وحل مجلس الوزراء. وضمت التعديلات أيضًا فصل منصب النائب العام عن وزير العدل. صلاحيات رئيس الوزراء أوكلت التعديلات لرئيس مجلس الوزراء مهام محددة، هي رئاسة جلسات مجلس الوزراء، وتقديم السياسات العامة للدولة أمام الهيئة التشريعية بدلًا من رئيس الجمهورية، وتقديم الإجابة عن الأسئلة وطلبات الإحاطة المقدمة من الهيئة التشريعية. وعلى الرغم من اعتراض بعض الكتل النيابية على التعديلات التي وصفتها بغير المهمة، فإنها أجيزت بالإجماع كحال قوانين ومشروعات قوانين وقرارات مررت بهذا النوع من الإجماع. البشير ومحاولة الالتفاف في وقت أجاز فيه البرلمان السوداني أربعة تعديلات على دستور البلاد الانتقالي، اتجهت قوى سياسية إلى التقليل منها؛ كونها لم تمس جوهر ما تنادي به من الحريات العامة وتعديل اختصاصات جهاز الأمن وصلاحياته، حيث أعطى التعديل الجديد المزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية، كحق تعيين وإقالة رئيس الوزراء، على أن يكون مسؤولًا أمامه بجانب البرلمان. يتزامن استحداث المنصب الجديد مع حالة من غليان شعبي تشهدها الساحة السودانية ضد الإجراءات الاقتصادية للحكومة السودانية، والتي تطال بشكل مباشر الرئيس السوداني، خاصة أن البشير يمسك بزمام الأمور في السودان، إما من خلال تزعمه حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أو من خلال الحكومة، بعدما أُلغى منصب رئيس الوزراء في فترة الحكم العسكري الثالث، حيث يحكم البشير بنظام رئاسي منذ توليه السلطة في 30 يونيو 1989 بانقلاب عسكري، ألغى بعده منصب رئيس الوزراء، الذي كان يتولاه زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، وبذلك يكون البشير قد جمع بين منصب رئيس الحكومة ومنصب رئيس الدولة الشرفي حتى الآن، وفي 26 إبريل 2010 أعيد انتخابه رئيسًا في أول "انتخابات تعددية" منذ استلامه للسلطة، وما زال رئيسًا السودان حتى الآن، ويحكم السودان الآن بدستور انتقالي صيغ عام 2005. محاولة البشير إرجاع منصب رئيس الوزراء يجد فيه مراقبون بأنها ورقة سيتلاعب بها الرئيس السوداني كيف يشاء، فمن جهة هو من سيعين رئيس الحكومة وهو من سيقيله وليس البرلمان السوداني، وبالتالي سيضمن تبعية المنصب الجديد المطلقة له، ومن جهة أخرى يستطيع البشير تقديم رئيس الحكومة ككبش فداء لأي احتجاجات سودانية على الإجراءات الحكومية سواء السياسية أو الاقتصادية، وهو الأمر الذي سيزيحه من وجه المدفع، خاصة أن السودان تعرضت لمجموعة من الاحتجاجات والعصيان المدني أخرها قبل أيام ضد سياسة الحكومة الاقتصادية التي كان البشير يتصدر مشهدها. وكانت خمسة أحزاب سياسية مشاركة في الحوار الوطني، بينها حزب المؤتمر الشعبي الحليف الأبرز للحكومة، قد دفعت باعتراضات مكتوبة للجنة الطارئة في محاولة منها لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وينادي المؤتمر الشعبي بتقليل سلطات الرئيس في عمليات تشكيل الحكومة وتعيين رئيس الوزراء وإعفائه، وألمح حزب المؤتمر إلى وجود انتقائية تعاملت بها الحكومة مع مقررات الحوار الوطني، "حيث أجازت دستوريا ما يناسبها والأقل أهمية، بينما تركت أهم ما جاء في توصيات الحوار، وهو الحريات العامة وكبح جماح جهاز الأمن وإخضاعه للرقابة القضائية". وأعلن المستقلون رفضهم للتعديلات، حيث اعتبر الناطق الرسمي باسمهم بالبرلمان السوداني مبارك النور أن التعديلات جاءت نتيجة لحوار وطني منقوص لم يستوعب كل المكونات السياسية والمجتمعية بالبلاد، واصفا إياها بالسلبية "لأنها لا تعكس بأي حال إرادة الشعب السوداني"، وقال النور إن إضافة أعضاء جدد للهيئة التشريعية بالتعيين ينتقص من هيبتها باعتبار أن الطريق الوحيد للأجهزة التشريعية يكون بتفويض من الشعب عبر صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أنها ستمثل مزيدا من الترهل والضغط على موازنة البلاد المرهقة أصلا.