تتبع السعودية الآن ميزانية تاريخية، والتي أعلنت عنها في الأسبوع الماضي، بوثيقة مفصلة مكونة من 84 صفحة، توضح كيف يخطط أكبر اقتصاد في العالم العربي لتحقيق التوازن في ميزانيته بحلول عام 2020، وتتضمن الوثيقة خططًا للحد من الإنفاق الرأسمالي، ورفع إيرادات جديدة وتحفيز القطاع الخاص. راجعت السلطات السعودية مشروعات بقيمة 490 مليار ريال سعودي، تحت خمس وزارات بأعلى إنفاق رأسمالي، وبإجمالي 270 مليار ريال بالفعل تم إنفاقها، وستكون المراجعة خاصة بتحديد التوفيرات المحتملة بقيمة 100 مليار ريال، وبالتالي ستشهد المرحلة القادمة دراسة الحكومة للإنفاق الرأسمالي لنحو 13 كيانًا بتكلفة 1.18 تريليون ريال، للسيطرة على تكاليف المشاريع، وبالتالي على الحكومة إنشاء وحدة مشتريات استراتيجية. تلجأ السعودية في خطتها إلى إصلاح الدعم، حيث التخفيض الإضافي المطرد في أسعار الطاقة والمياه بداية من عام 2017 وحتى عام 2020، مما يساعد السعودية في توفير مبلغ 209 مليار ريال سنويًّا بحلول عام 2020، كما تتطلع الحكومة إلى زيادة أسعار الوقود من خلال ربطها بأسعار النفط القياسية والمتوسطة وأسعار البنزين ووقود الديزل في السوق الدولية، وستتغير الأسعار وفقًا لتقلبات السوق الدولية، وسيتم النظر فيها دوريًّا. تخطط الحكومة لفرض كمية كبيرة من الضرائب والرسوم، ورفع الإيرادات الإضافية من 42 مليار ريال بحلول عام 2017، إلى 152 مليار بحلول عام 2020، من خلال "ضريبة المغتربين"، للعمالة الأجنبية وعائلاتها. تبدأ الرسوم على الأجانب بداية من 100 ريال في يوليو، وسترتفع كل عام لتصل إلى 400 ريال شهريًّا في يوليو 2020، ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيتم تقييم الرسوم لكل فرد معول. وعمومًا التدابير التي أعلنت عنها المملكة من استثمارات في القطاع الخاص والاستهلاك ستزيد من النمو خلال السنوات الأربع المقبلة، حسب التوقعات، رغم التضخم المتسارع كل عام وارتفاع مستويات البطالة. هذه الميزانية الجديدة توضح ما مر به الاقتصاد السعودي من آلام خلال هذا العام، وكفاح الحكومة من أجل كبح جماح العجز الهائل الناجم عن خفض أسعار النفط لأكثر من عامين، بالإضافة إلى خفض الإنفاق العام وتباطؤ الاقتصاد، وارتفاع تكاليف المعيشة. العجز في الميزانية كشف عن الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي كشفت عنها الرياض في العام الماضي، والتي سمحت لها بالنظر إلى أولوية أخرى، حيث زيادة الإيرادات من المصادر غير النفطية وتسريع وتيرة النمو في القطاع الخاص. وقال ماجد القصبي، وزير التجارة والاستثمار السعودي، للصحفيين يوم الخميس إن الحكومة تعتزم إنفاق 200 مليار ريال على مدى السنوات الأربع المقبلة؛ لتعزيز القطاع الخاص، وستركز على إزالة العقبات البيروقراطية والتنظيمية، بالإضافة إلى الخصخصة في بعض مرافق القطاع العام والرعايا الصحية. وتعليقًا على ما سبق، قال جون سفاكياناكيس، مدير أبحاث في مؤسسة مركز الخليج بالرياض، ومستشار اقتصادي سابق للحكومة السعودية: "السعوديون يرسلون رسالة تتضمن رغبتهم في إعادة الثقة والنمو، وخلق حوافز داخل القطاع الخاص". تقليل الاعتماد على النفط هو الهدف الرئيسي لخطة الرياض على المدى الطويل؛ لإعادة تشكيل الاقتصاد، والمعروفة باسم رؤية 2030، وهي المهمة التي أوكلها العاهل السعودي لابنه محمد بن سلمان. على مدى عقود كانت أموال النفط هي مصدر الحكومة لتلبية منافع مواطنيها الذين لا يدفعون الضرائب. وبينما رحب بعض المحللين بعرض الميزانية المفصل، يرى آخرون أنها موضع شك، حيث يلقي الشك بظلاله على مصداقية الأرقام المعروضة، لأن الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق التوازن في الميزانية على مدى الأربع سنوات المقبلة لا تزال تعتمد على ارتفاع أسعار النفط. تعكس الميزانية أيضًا الرياح المعاكسة التي تواجه أكبر اقتصاد عربي، يعمل غالبية سكانه في القطاع العام والشركات السعودية التي تعتمد على العمال الأجانب غير المكلفين، حيث نما الاقتصاد غير النفطي في السعودية بشكل بطيء جدًّا، كما توسع القطاع الخاص أقل من 1%. وفي هذا السياق قالت كرسبين هاويس، العضو المنتدب في مؤسسة تينو في لندن: "بينما هناك رغبة حقيقية لدى المسؤولين لمعالجة المشاكل الهيكلية، تكشف الميزانية عن استعداد الحكومة لاستخدام عائدات تصدير النفط الخام لتعزيز الإنفاق التوسعي، وبالتالي من الناحية النسبية، سوف تظل عائدات النفط الخام في الحسابات المالية في المستقبل المنظور". وقال ديفيد باتر، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس في لندن: "الهدف الحاسم في هذه الميزانية هو زيادة الإيرادات غير النفطية، والتي هي ليست موجودة بالأساس، ففي ميزانية 2017 الزيادات غير النفطية متواضعة جدًّا، تصل فقط إلى 7%". بلومبرج