محلل سياسي تركي ل«البديل»: العالم سيحاسب أردوغان على تحويل البلاد إلى ملاذ للإرهاب بوتين سيفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة اغتيال السفير الروسي سيدعم المعارضة التركية « فتح الله جولن» شماعة أردوغان في كل فشل أصبحت واقعة اغتيال السفير الروسي في تركيا حديث الساعة ومحور مناقشات الجميع، حتى أكد كثيرون أنها من علامات الحرب العالمية الثالثة، إلَّا أن التصريحات المثيرة عن تلك الحادثة هدأت، وظلت الأسئلة مطروحة حول تداعيات الهجوم الإرهابي سياسيًّا واقتصاديا وأمنيًّا على تركيا، وتأثيره على العلاقات التركية الروسية على المستوى البعيد وعلى الملف السوري، وللاستفسار عن تلك التساؤلات كان ل«البديل» هذا الحوار مع المحلل السياسي التركي يافوز أجار، مدير القسم العربي لوكالة الأنباء «جيهان»سابقًا؛ للوقوف على حقيقة كل هذه التداعيات، وإلى نص الحوار.. كيف ترى حادث اغتيال السفير الروسي في تركيا؟ لا شك في أن اغتيال السفير الروسي بالعاصمة التركية أنقرة له دلالة خاصة؛ لأن أنقرة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بات لها ظهور ملحوظ ودور كبير في جميع دول المنطقة، بل العالم، بغض النظر عن كون هذا الدور إيجابيًّا أو سلبيًّا. ووصل هذا الدور إلى القمة في الأزمة السورية بعد أن باتت تركيا أردوغان طرفًا من الأطراف المقاتلة ضد النظام السوري، خاصة بعد دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية، لذلك مقتل سفير إحدى الدول الكبرى اللاعبة في سوريا بقلب عاصمة تركيا له معنى خاص، وستكون له تداعيات مختلفة من شأنها أن تغير التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية. لذا فإن اليد التي تقف وراء هذه العملية البغيضة أرادت بعث رسائل إلى جميع المحاور والدول اللاعبة في سوريا، لذلك سيسجل التاريخ تلك الحادثة باعتبارها من أهم الأحداث التي شهدها هذا القرن بسبب نتائجها العظيمة. وماذا عن تداعيات الحادث أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا على الوضع الداخلي التركي؟ قضية الضعف الأمني الذي دأب المسؤولون الأتراك على نفيها، رغم الكم الهائل من العمليات الإرهابية في السنتين الأخيرتين، ستكون محور النقاش لدى الجميع، بدءًا من المواطن العادي مرورا بالكوادر البيروقراطية الأمنية وانتهاء إلى دول العالم. ومن الناحية السياسية فإن هذه الحادثة ستقوي يد المعارضة التركية، وستدفع الشعب إلى البحث عن بديل قادر على توفير الأمن له، خاصة بعد انهيار النهضة الاقتصادية المزعومة، بعد ارتفاع العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية؛ لأن الشعب بات بحاجة شديدة إلى الأمن أكثر من حاجته إلى الرفاهية الاقتصادية العابرة بعد انتشار الإرهاب في كل أنحاء تركيا، لذلك أعتقد أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية سيخسران جزءًا كبيرًا من قاعدتهما الشعبية ما عدا القاعدة الصلبة المتعصبة، كما هو ظاهر من استطلاعات الرأي. ومن الناحية الاقتصادية فإن الاستثمارات والأموال، سواء كانت محلية أو أجنبية، تتطلب الأجواء الآمنة حتى تستمر وتزداد،وإذا ما لاحظ الجانب الروسي تعمدًا أو إهمالًا أو تقصيرًا في مقتل سفيره قد يتوجه مرة أخرى لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، مما يزيد الطين بلة بعد خروج عدد من الشركات الكبرى التركية والأجنبية؛ بسبب غياب الأمن عقب الانقلاب المسرحي الأخير إلى خارج البلاد، بمعنى أن الاستثمارات الأجنبية ستتوقف، وستغادرها الشركات العاملة حاليًا حال استمرار الوضع. وما نتائج هذا الحادث على المستوى البعيد على العلاقات التركية الروسية؟ بوتين سيحاسب أردوغان على أقل تقدير على فشله في توفير الأمن لسفيره، خاصة إذا علمنا أن المهاجم هو شرطي عيِّن بعد إقالة مئات الشرطيين عقب تحقيقات الفساد والرشوة عام 2013، والانقلاب المحبوك والمصمم على الفشل للحصول على ذريعة تصفية المعارضين، بل إنه من الشرطيين الذين أمنوا موكب أردوغان، وهو تابع لكتيبة العثمانيين القريبة منه، لكن إذا ما حصل بوتين على دلائل قاطعة تكشف عن دور محتمل لأردوغان أو الحزب الحاكم فإن الأمر سيختلف جدًّا، فمن المؤكد أنه سيبادر إلى تفعيل الملفات السابقة التي طرحها في مجلس الأمن الدولي عقب إسقاط الطائرة الروسية بأمر أردوغان، حيث كان اتهمه بشكل صارخ بالتعامل والتعاون مع داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى، إضافة إلى تجارة النفط معه. أكد بوتين أن الحادث يستهدف تعكير صفو العلاقات الروسية التركية.. كيف ترى هذا التصريح رغم تحليلات البعض بأن الحادث قد يؤدي إلى التصعيد؟ الدول الكبرى مثل روسيا لا تندفع ولا تركن إلى العواطف والمشاعر الجياشة، ولا تستعجل حتى لا تخطو خطوة يستحيل بعدها الرجوع عنها إلا بعد ضياع السمعة والصورة مثلما يفعل أردوغان، لذا التزم بوتين كرجل الدولة الوقور الحيطة والحذر والتروي من جانب، لكن من جانب آخر لم يثق في أردوغان وقرر إرسال وفد إلى تركيا للمساهمة في التحقيقات، وكذلك لم يقتنع بمزاعم أردوغان وإعلامه حول وقوف حركة الخدمة وراء الحادثة. الزعماء من أمثال أردوغان متعجلون مجردون عن الخطط المدروسة والبرامج الطويلة، حيث يركزون على مصالحهم الآنية التي تزيد شعبيتهم، فنرى اليوم أنهم يصفون أحدًا بالصديق ثم نراه قد تحول بين ليلة وضخاها إلى عدو شرس والعكس صحيح كذلك، انظروا مواقفه في القضية الفلسطينية وسفينة مافي مرمرة والآن الأزمة السورية فإنه قد تخلى عن جميع مواقفه السابقة خلال أقل من 5 سنوات، وبما أنه وقَّع التطبيع مع إسرائيل واعتذر من روسيا وقبل بالأسد، فليس من المستبعد أن يفهم خطأه، أو يضطر إلى إصلاح العلاقات مع مصر أيضًا. السلطات التركية اتهمت جماعة فتح الله جولن بالضلوع في الحادث الإرهابي.. كيف ترى تعليق الحكومة التركية إخفاقها على شماعة جولن وحزب العمال الكردستاني؟ ليس من الغريب أو المفاجئ أن يقدم أردوغان حركة الخدمة على أنها مسؤولة عن مقتل السفير الروسي، بعد أن رأينا منه تقديمه إياها مسؤولة عن كل كبيرة أو صغيرة تحدث في تركيا، بما فيها ارتفاع الدولار أمام الليرة التركية، بل غلاء أسعار الفواكه والخضروات في البلاد أيضًا، ولعل الجميع متفق على أن أردوغان أصبح الرجل الأوحد الذي يسيطر على شيء في تركيا، وجمع في ذاته كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمناصب الحكومية، فبعد أن ضبط الأمن التركي 4 وزراء من حكومته ورجال أعمال مقربين منه عام 2014 وهم متلبسون بجريمة الفساد واعتقل عددًا منهم، زعم أردوغان بوجود دولة موازية داخل الدولة تريد الإطاحة به عبر توظيف تحقيقات الفساد، مع أنه أقال وزراءه من مناصبهم وبعدها عزل ونقل عشرات الآلاف من الشرطيين إلى جانب القضاة، وأحل محلهم أنصاره ولو لم يكن لهم خبرة وأهلية، وشكَّل أمنًا جديدًا مكون من مؤيديه. وماذا عن تعديلاته في هيكل القضاء؟ أجرى أردوغان تعديلات جذرية في هيكلة القضاء وأغلق المحاكم العاملة منذ عقود، وأسس محاكم الصلح والجزاء الجديدة، فبات القضاء أيضًا تابعا له بما فيه القضاء الأعلى، بحيث أعلن صراحة أنه لا يحترم قرارات المحكمة الدستورية ولا يلتزم بها، وكان يتحين الفرصة لتصفية العسكريين غير المرغوبين حتى تخضع المؤسسة العسكرية له أيضًا، فوجد الذريعة أو بعبارة أصح خلقها من خلال إعداد انقلاب محبوك مصمم على الفشل، وأجرى التغييرات اللازمة بحيث أعلن نفسه القائد الأعلى للجيش أيضًا بعد أن أصبح الرئيس العام للأمن ومدعيًا عامًّا وقاضيًا يعتقل أو يطلق سراح من أراد. وبعد تصفية الجيش أنشأ جيشًا جديدًا احتل أهم المواقع عناصر جيشه المسمى بجيش صدات أو سادات السري، المكون أعضاؤه من الإسلاميين المتطرفين ومن مليشيات داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الأخرى. هل تتوقع أن يتخلى أردوغان وحزبه عن دعم الجماعات المسلحة المتشددة في سوريا بعد هذا الحادث؟ الواقع أن أردوغان بعد تورطه في فضائح الفساد والرشوة، وتعاونه مع الإرهابيين، وممارسة كل أشكال الظلم والانتهاكات، سلك طريقًا بدراجة هوائية يقودها على خطٍّ ضيّقٍ جدًّا ومحفوف بالمخاطر من جانبيه، لذلك يشعر بضرورة الضغط على دواستها بصورة مستمرة ومتزايدة حتى لا تتوقفَ عجلتها فيقع ويهلك. وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يعود إلى صوابه ورشده الذي كان عليه في بدايات حكمه، وأنا أتمنى مثلما تمنى الأستاذ كولن في أحد حواراته أن يتوب أردوغان قبل أن يموت على ما ارتكبه من مظالم بحق شعوب المنطقة، خاصة الشعب التركي والكردي والسوري. إلَّا أن أملي في إفاقة العقلاء والحكماء القليلين في العدالة والتنمية من غفلتهم الطويلة وسباتهم العميق أكبر، أتمنى أن يدركوا في أقرب وقت أن تركيا بقيادة أردوغان اصطدمت بالجدار أو سفينة تركيا الأردوغانية وصلت إلى اليابسة، ولا يمكن الاستمرار على هذا النهج بعد اليوم شاءوا أم أبوا. وكيف ترى مستقبل تركيا؟ عندما كان أردوغان يستمع إلى النصائح ويفعل مبدأ الحكم التشاركي، كانت تركيا تحلق في السماء عالية، بأجنحة قوتها الناعمة المتمثلة في العلاقات السلمية الاقتصادية والثقافية وغيرها، وتتحاور مع حميع البلدان وتساهم في حل مشكلات المنطقة، لكن بعدما تخلت عن تلك القوة الناعمة وتوجهت لاستخدام قوتها الغاشمة لانسجامها مع مطامع أردوغان في الزعامة الإقليمية والخلافة، غدت عاجزة ومرتكبة ومتوترة.