منظمات الأممالمتحدة التي كانت دائمًا ما تتشدق بالأوضاع الإنسانية في حلب وخوفها على عمليات إجلاء النازحين بما في ذلك الأطفال والنساء، اليوم انتابتها حالة من الصمت المطبق حول انتهاكات الجماعات التي تسمي نفسها "إسلامية"، كالنصرة وداعش بحق الطفولة الذين سيسألون عنهم بأي ذنب قتلت. مؤخرًا تداولت مواقع التواصل الاجتماعية شريطًا مصورًا يظهر فيه المدعو عبد الرحمن شداد والد الطفلة "فاطمة" ذات التسع سنوات، والتي تم تفخيخها وتفجيرها في قسم شرطة الميدان بالعاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي، وهو يفاخر بإرسال ابنتيه لتنفيذ عملية انتحارية. ووفق المعلومات فإن والد الطفلتين عنصر سابق في جبهة النصرة. وفي قسم من الشريط يظهر شداد وهو جالس إلى جانب ابنتيه إسلام (سبع سنوات) وفاطمة، ويظهر علم تنظيم جبهة "فتح الشّام" (النّصرة سابقًا) في الخلفيّة، ويبيّن الفيديو محادثة بين شداد وطفلتيه، حيث يسأل فاطمة عن وجهتها، فتخبره بأنّها متوجّهة لتنفيذ "عمليّة استشهاديّة في دمشق"، فيتساءل "في دمشق؟ وأنتِ صغيرة وعمرك تسع سنوات؟ لماذا لا تتركين هذا الأمر للرّجال؟"، ليجيب عن الطفلة "الرّجال هربوا، طلعوا بالباصات الخضر؟"، في إشارة للباصات الخضراء التي تمت فيها عملية إجلاء مسلحي حلب من قبل الحكومة السورية إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية. ثمّ يسأل الإرهابي طفلته "بدّك تسلمي حالك يقتلوكي ويغتصبوكي الكفّار؟"، فتجيبه الطّفلة "لاء". ثمّ يقول لها "بدّك تخطفيهن، نحنا دين عزّة". وفي شريط فيديو آخر يعلن شداد أن طفلته فاطمة لم تفجّر نفسها من المرة الأولى، مشيرًا إلى أنّها امتنعت عن ذلك لعدم وجود عددٍ كافٍ من عناصر الشّرطة السورية، وعندما أرسلها في اليوم التالي ولم تجد عددًا مطلوبًا، رفضت العودة إلى المنزل، وأصرّت على تنفيذ العمليّة؛ لأنّها "تريد أن تلقى الله"، عندها توجّهت الطّفلة إلى قسم الشرطة في الميدان، وعلى حد قول الإرهابي شداد فإن التفجير جاء بعد ساعتين من تركه للطفلة فاطمة أمام قسم شرطة الميدان. وإذا كانت الأم وفقُا للدراسات العلمية أكثر عاطفيةً من الأب، ففي حالة الضحية فاطمة، لم تكن تفتقد العاطفة وحسب، بل الحد الأدنى للأمومة عند الكائنات الأخرى، ففي مقطع فيديو آخر تظهر والدة الطّفلتين وهي تودّعهما قبل توجّههما "لغزو دمشق"، قائلةً "اصبروا وصابروا". وعندما يسألها زوجها عن سبب إرسالهما إلى "الجهاد"، فتجيبه بالقول "ما عاد في حدا صغير، لأن الجهاد انفرض على كل مسلم"، على حد قول أم فاطمة. إرهاب وليس جهادًا يبدو أن حالة التغييب الديني لوالدي الطفلة فاطمة، التي قامت بالعملية الانتحارية، هي نفسها موجودة عند أغلب أفراد هذه التنظيمات، التي استطاع قادتها سرقة عقولهم باسم الدين الذي هو براءٌ منهم، فمن حيث المبدأ الدين يسقط الفرائض الدينية كالصلاة والصوم عن هذه الطفلة التي لم تبلغ سن التكليف بعد، وبالتالي لا فريضة جهادية على هذه الطفلة، ومن ناحية أخرى نجد التناقض في فكر هذه الجماعات في استخدام كلمة جهاد ضد أبناء بلدهم، في الوقت الذي لم نجد هذه الجماعات تطلق هذه الكلمة على الكيان الصهيوني، بل على العكس من ذلك الكثير من أفراد جبهة النصرة التي ينتمي لها والد الطفلة يعالجون وينسقون عسكريًّا مع العدو الإسرائيلي. قرار الإرهابي عبد الرحمن شداد، الذي من المفترض أنه أب، بإنهاء حياة ابنته وتقرير مصيرها بدلًا عنها، لا يمكن إرجاعه للدين تحت أي مبرر، الأمر الذي يفتح باب تسيس العملية الانتحارية على مصرعيه، ويبدو أن الجماعات الإرهابية بعدما فقدت دعم الولاياتالمتحدة لها وخسارتها لمعركة حلب الحاسمة، قررت استنفاد جميع أوراقها، بعد أن فشلت في اللعب على الورقة السياسية، ثم الطائفية، وبعدها ورقة التدخل العسكري الخارجي في سوريا، وأخيرًا الورقة الإنسانية، فقررت استثمار الطفولة البريئة في حربها القذرة في سوريا، فمن باب أولى أن يقوم الأب الذي يفتقر لمعاني الأبوة إذا كان صادقُا في جهاده المزعوم بتنفيذ العملية بدلًا من تحويل جسد ابنته لأشلاء متناثرة هنا وهناك. والمبررات التي أوجدها لنفسه حتى لا يقوم هو بالعملية، والتي بنى معظمها على أنه شخصية معروفة للأجهزة الأمنية السورية، لا تبرر تعريض حياة ابنته للخطر، حيث تندرج تبريراته تحت مقولة عذر أقبح من ذنب. أشبال الخلافة.. وغسيل الأدمغة قام تنظيم داعش الإرهابي بإنشاء معسكرات لتدريب الصبية والأطفال بعد اجتياحه الموصل في يونيو 2014، وأطلق عليهم تسمية "أشبال الخلافة"، وهم من جنسيات مختلفة بينها العراقية، وعملت عصابات داعش الإرهابية إلى اقتياد 150 طفلًا من أهالي تلعفر، بينهم أطفال أيزيديون وآخرون من عوائل موصلية لهذه المعسكرات. ويستهدف داعش الأطفال من عمر 6 إلى 16سنة، وهذا التنظيم يرسخ لدى الأطفال تعاليم دينية متعدّدة وفقًا للأيديولوجية الفكرية المتشددة لهذا التنظيم، وغالبًا ما يرافق هذه المنظمة "أشبال الخلافة" لمن عمره 11-16 سنة دورة بدنية للفنون القتالية وتعليم السباحة ودورة عسكرية لتعليم استخدام السلاح الأبيض والسلاح الخفيف. منظمة أشبال الخلافة تسعى إلى إعادة الصياغة الشاملة لوعي وفكر ومفاهيم من هم تحت سلطتها من خلال مشروع "دعشنة الحياة" وفق فهم قادتها، وتتوجه بمشروعها إلى الصبيان والأشبال والشباب الذين يسهل برمجتهم وفق مناهجهم بعد إكمال عملية العزلة الأسرية ثم المجتمعية.