على الرغم من تصدر الدول الأوروبية المشهد حاليًّا على مستوى الهجمات الإرهابية التي طالتها مؤخرًا، إلا أن هذا لا ينفي تعرض الولاياتالمتحدةالأمريكية لهجمات إرهابية تعرضت لها سابقًا. ويبدو أن ما طرأ على الولاياتالمتحدةالأمريكية من تغيرات أمنية وسياسية سيطرأ أيضًا على الساحة الأوروبية، خاصة أن كليهما كان لهم دور بارز في دعم الإرهاب. الساحة الأمنية شهدت الساحة الأوروبية مجموعة من الهجمات الإرهابية التي زادت من روع مواطنيها، ودفعت السلطات الأمنية لرفع درجة التأهب الأمني. برلين أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته الثلاثاء عن هجوم برلين الذي أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 48 آخرين، بعدما اقتحم رجل سوقًا مزدحمًا بشاحنة. وقالت وكالة أعماق التابعة لداعش "منفذ عملية الدهس في مدينة برلين الألمانية هو جندي للدولة الإسلامية، ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي". وأكدت الشرطة الألمانية أن منفذ عملية الدهس ما زال طليقًا، ويُخشى أن يكون مسلحًا، وأنها ألقت القبض على شخص آخر بطريق الخطأ. وأوضح وزير الداخلية الألماني في وقت سابق أن الشخص الذي ألقي القبض عليه باكستاني من طالبي اللجوء، ونفى الاتهامات الموجهة إليه، وتم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة. وكانت الشاحنة التي اقتحمت السوق قد عثر بها على جثة مقتولة برصاصة في الرأس لسائق الشاحنة البولندي الجنسية. زيورخ يوم الاثنين الماضي اقتحم مسلح المركز الإسلامي، وفتح النار على ثلاثة أشخاص في مسجد بمدينة زيورخ في سويسرا. وجاء في بيان على موقع الشرطة على شبكة الإنترنت أن "الجثة التي عُثر عليها على بُعد نحو 300 متر من مسرح الجريمة بعد إطلاق النار في المسجد هي جثة المشتبه به". وقالت مصادر أمنية إن اثنين من الضحايا الثلاثة، الذين تبلغ أعمارهم 30 و35 و56، أصيبا بجروحٍ خطيرة في الهجوم الذي وقع بالقرب من محطة القطار الرئيسية في العاصمة الماليةلسويسرا، وأصيب الثالث بجروح أقل خطورة. ولم تذكر الشرطة تفاصيل عن منفذ الهجوم سوى أنه في الثلاثين من عمره، يرتدي ملابس داكنة وقبعة من الصوف الداكن، وأنه فر من المسجد بعد الهجوم. هجمات متفرقة العديد من الدول الغربية والأوروبية طالتها هجمات إرهابية متفرقة، كالولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، سويسرا، وتركيا، فأنقرة تعرضت إلى الكثير من العلميات الإرهابية التي تبناها داعش، وبعض العمليات الإرهابية فيها مجهولة المصدر، كعملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة التي حدثت الاثنين الماضي. الدعم الغربي للإرهاب تعددت مستويات وصور الدعم الأمريكي والأوروبي للإرهاب، وكانت تتم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فالمجموعات الإرهابية ك"داعش والنصرة" ما كانت لتتشكل دون غطاء سياسي دولي ودعم مالي إقليمي، وغالبًا ما كان يتم عرقلة أي جهود حقيقية لمكافحة الإرهاب في سوريا، حيث استخدمت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا حق النقض ضد العديد من المشاريع التي تقدمت بها روسيا بشأن سوريا في مجلس الأمن، فعلى سبيل المثال لا الحصر تقدمت موسكو في أكتوبر الماضي بمشروع قرار، يدعو إلى الاسترشاد بالاتفاق الأمريكي الروسي لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ويحث الأطراف على وقف الأعمال العدائية فورًا، والتأكيد على التحقق من فصل قوات المعارضة المعتدلة عن "جبهة النصرة" كأولوية رئيسية، لكن المشروع الروسي قوبل بالرفض. كما أن الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية دعمت الفصائل المسلحة بالسلاح، وعملت على تدريبها، تحت مسمى "المعارضة المعتدلة"، والتي انقسمت وتبعثرت فيما بعد، وتوزعت على جموع تنظيمي داعش والنصرة، وهما الطرفان المسيطران على العمليات المسلحة في سوريا، والتي من المفترض أنهما مدرجتان على قوائم الإرهاب العالمية، حيث عمدت الدول الغربية إلى أساليب التلاعب بالألفاظ؛ لتواصل دعمها للجماعات الإرهابية، كاشتراط أن تغير "جبهة النصرة" اسمها إلى "فتح الشام"؛ لكي يتم التعامل معها على أساس أنها معتدلة، وهو الأمر الذي لم يعمر كثيرًا. كما أن وجود عديد من الشخصيات الأجنبية تقاتل في صفوف داعش والنصرة مؤشر حقيقي على أن الحكومات الغربية سهّلت خروج متطرفيها للقتال في سوريا، كما لا تخلو صفحات الشبكة العنكبوتية من مقاطع الفيديو التي تظهر أن طائرات التحالف بقيادة واشنطن ترمي بالأسلحة جوًّا عبر صناديق معلقة بالمظلات على مناطق تخضع لسيطرة الجماعات الإرهابية في العراق. الدول الغربية سياسيًّا لم تتأثر الدول الغربية على مستوى الساحة الأمنية فحسب، فدعمها لجماعات الإرهابية كلّف الحكومات فيها ثمنًا باهظًا على مستوى الانتخابات فيها، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي يمثل الحزب الديمقراطي، أهدت سياساته الداعمة للإرهاب في سوريا المقعد الرئاسي للحزب الجمهوري على طبق من ذهب، فالرئيس المقبل لأمريكا، دونالد ترامب، وصل إلى البيت الأبيض ببرنامج انتخابي تضمن محاربة داعش والنصرة بالتعاون مع روسيا كأولوية عن إسقاط النظام السوري. ولا يختلف حال باريس عن واشنطن، حيث دفع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ثمنًا باهظًا في الانتخابات الرئاسية؛ بسبب تبنيه سياسة معادية لروسيا ومواقف متصلبة من النظام السوري، الذي يحارب الإرهاب في سوريا، فهولاند لم يعلن فقط عن عدم ترشحه في الانتخابات الفرنسية المقبلة 2017، بل أعطى التقدم في السباق الانتخابي للأحزاب اليمينية في فرنسا، والتي يتقدمها حاليًّا فرانسوا فيون، فأجندة فيون تختلف كثيرًا عن أجندة هولاند، حيث انتقد سياسة باريس تجاه روسيا، واصفًا إياها بالسخيفة. وبالنسبة لألمانيا لا تعيش رئيسة الحكومة الألمانية، إنجيلا ميركل، أحسن حالاتها، خاصة بعد العملية الإرهابية التي طالت برلين الاثنين الماضي، وكحال واشنطن وباريس، يبدو أن ميركل بدأت تخسر شعبيتها لصالح اليمين المتطرف كحزب "البديل من أجل ألمانيا"، فمع انضمام برلين لركب العواصم الأوروبية المستهدفة من قبل الإرهاب، أصبح موقف ميركل ضعيفًا، لا سيما مع محاولة الأحزاب اليمينية استغلال الهجوم الأخير وتصويره على أنه دليل على فشلها، وهو الأمر الذي قد يطيح بآمالها في الفوز بفترة رابعة. ويرى مراقبون أن سياسة الباب المفتوح للاجئين السوريين التي تتبناها ميركل لم تشكل حلًّا جذريًّا للأزمة، بل أرهقت المواطن الألماني، وأن ميركل كان عليها التوقف عن دعم المواقف الغربية، بما في ذلك مطالبة تركيا بضرورة وجود مناطق حظر جوي في سوريا، ودعم الجهود الدولية كروسيا للقضاء على التنظيمات الإرهابية. ويبدو أن الدول الغربية ستعاني العديد من المشاكل مستقبلًا في حال إغلاق ملفي داعش في الموصل العراقية والرقة السورية، حيث تمثل الهجرة العكسية لمقاتلي داعش لبلدانهم أزمة حقيقية لأوروبا.