في حروب الأمريكان في العالم مناورات 'النجم الساطع' بدأت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد المصرية.. وهي حجر زاوية في العلاقات العسكرية بين البلدين قبل خروج الرئيس الأمريكي أوباما لإلقاء بيانه حول مصر خصصت قناة 'CNN' تغطية خاصة من شبكة مراسليها في مصر وفي الولاياتالمتحدة، وصولًا للمنتجع الذي يقضي فيه باراك أوباما إجازته الأسبوعية، التي قطعها من أجل دعم الإخوان في مصر. القناة طرحت ثلاثة خيارات أمام أوباما هي بلا شك الخيارات المعلومة للضغط علي النظام المصري، هذه الخيارات أولها قطع المعونة العسكرية، التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويًّا، وإلغاء التدريبات العسكرية المشتركة التي تقام كل عامين، ووقف المساعدات الاقتصادية والتعاون التجاري. وعندما خرج أوباما ليعلن إلغاء التدريبات العسكرية كرد فعل للرفض الشعبي لحكم حلفائه من الإخوان تأكد أن الإدارة فشلت بكل الطرق في استمالة القيادة العسكرية في مصر للتخلي عن شعبها والرجوع إلي الحظيرة الأمريكية، فأوباما اتهم في بيانه الحكومة المصرية بالعنف مع المواطنين، لكنه لم يلجأ إلي وقف التعاون الاقتصادي مع الحكومة، ولم ينطق حرفًا عن حرق الكنائس علي أيدي حلفائه الذين يقول عنهم إنهم سلميون، ولم تلتفت عيناه لقتل ونهب وترويع رجال الدين والشرطة وأصحاب المتاجر، ثم كشف عن وجهه الحقيقي عندما اتجه مباشرة لهدفه الحقيقي وهو الجيش المصري فأعلن إلغاء التدريبات العسكرية المشتركة لتكون بذلك الخطوة الثانية ضد الجيش، عندما أعلن قبل أسابيع تعليق تسليم صفقة الطائرات المقاتلة F16، التي تم تسليم 12 طائرة منها وبقي ثماني طائرات. الاتصالات الأمريكية لم تنقطع مع القيادة العامة للجيش المصري من خلال وزير الدفاع الأمريكي الذي يتصل يوميًّا تقريبًا بوزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي منذ ثورة 30 يونيو والإطاحة بالمنجم الاستراتيجي لأمريكا وإسرائيل، وعندما فشلت كل محاولات الضغط بأوراق المعونة والتعاون العسكري وضعوا تهديداتهم موضع التنفيذ لإرهاب الجيش بتعليق تسليم باقي صفقة المقاتلات والدبابات الإبرامز. محطة 'CNN' سألت مراسلها في القاهرة قبل بيان أوباما إذا ما قرر وقف المعونة العسكرية والاقتصادية لمصر 'ما رد الفعل المصري؟'، فأجاب بكلمات محددة وبطريقة لافتة وبنصف ابتسامة: 'هناك مستويات لرد الفعل المتوقع، علي المستوي الشعبي الناس هنا باختلاف مستوياتها تقول لا نريد معونتكم ويهتفون اقطعوها وسيكونون مرحبين بهذه الخطوة، لأنهم يعتقدون أنها تؤثر علي استقلالهم، وما إلي ذلك، وعلي المستوي الحكومي فإن الدولة بالطبع تريد هذه المعونة وتحتاج إلي كل المساعدات فلن تسعي أو ترحب بقطعها'. هذا النقل البسيط للمراسل يعكس بوضوح وقوف الشعب المصري ضد إرادة أمريكا، وأن الضغط علي الشعب لن يجدي فألقت الإدارة الأمريكية بضغوطها علي ورقة الجيش بتهديد قدراته في التسليح والتدريب، وهو أمر المؤكد دونه الموت لكل قادة وضباط الجيش المصري الذي ثار في 1952 علي النظام بسبب إضعاف الجيش، ولن يقبل اليوم تسليم الشعب والبلاد لأعدائها مقابل صفقات سلاح ومناورات 'فماذا يفعل جيش بأسلحته وتدريباته إذا كان ثمنها احتلال بلاده واستعباد شعبه؟'. أوباما وإدارته وحلفاؤه أرسلوا قبل شهور للفريق السيسي بطلبات محددة بتحويل الجيش المصري إلي جيش احترافي أو 'مرتزقة'، يكون الانضمام له مقابل أجر، وعرضوا تحديدا نقل فرق كاملة من الجيش المصري لتقاتل في المناطق الملتهبة في العالم نظير مقابل مادي مجزٍ للدولة وللمقاتلين، وهذا العرض كشفته السفيرة الأمريكية أو أعلنته في لحظات نشوة تصورت أن مصر تحت حكم الإرهابيين دانت تحت أقدام أمريكا. وعندما لم ترد الحكومة ولا الرئاسة آنذاك علي ما كشفته المندوب السامي الأمريكي تصدي الجيش من خلال قيادته بتصريحات أعلن فيها السيسي أن الجيش المصري جيش وطني مهمته الدفاع عن الأمن القومي المصري وحماية حدود بلاده، وواصل في تصريحات بدت عادية، لكنها كانت رسالة لإعطاء مصر وحلفائهم داخلها وخارجها قائلا: 'القوات المسلحة مكلفة بمهام لحفظ الأمن والسلم الداخلي منذ إنشائها تقوم بهذا الدور، ومقاتلونا لا يقاتلون خارج حدود مصر إلا في إطار قوات حفظ السلام تحت مظلة دولية، ووفقًا للمصالح المصرية'. رفض السيسي إذن تأجير الجيش المصري مقابل ودائع وصكوك، كما خطط الخونة الذين وضعتهم أمريكا في الحكم وانطلقوا يبيعون مصر بالصكوك والودائع، وعندما أعلن ظل الرئيس السابق الجهاد في سوريا بالجيش والشعب بعد ساعات من إعلان إدارة أوباما تسليح المعارضة السورية ودون استشارة مجلس الأمن القومي قبل إعلان أي حرب علي أي دولة، وكما ينص الدستور الذي وضعته جماعته انكشف المخطط لاستدراج الجيش وإجباره علي التحول إلي جيش مرتزقة تحارب به أمريكا حروبها بدلا من قواتها. ورغم الموقف الرسمي الأمريكي لتوصيف التحولات المصرية والإطاحة بحكم الإخوان، الذي تلاعب بوصفه بالانقلاب فلم يحسم موقفًا وعندما أعلن الكونجرس عن تعليق تسليم المقاتلات أكد البنتاجون أن التدريبات ستعقد في موعدها وهي في الحقيقة لا تمثل للجيش المصري أكثر ما تمثله للجيش الأمريكي بل علي العكس. لكن أهميتها في أنها ينظر إليها علي أنها حجر زاوية في العلاقات العسكرية بين البلدين، وهذا ما يدور الحديث عنه الآن، بعد أن اختارت الإدارة الأمريكية هدفها بوضوح وهو الجيش المصري فإن الخطوات القادمة ستتجه مباشرة إلي قدرات الجيش والتلويح بورقه التسليح تأتي في مقدمته ورقة قطع الغيار، التي تلعب بها الإدارة الأمريكية مع النظام المصري وجيشه من سنوات طويلة كلما أرادت توجيه القرار المصري عطلت تسليم قطع الغيار، لأنها تعلم أن الجيش وطني، ولن يقبل إضعافه، وهو نفس ما فعلته الإدارة الأمريكية عندما أرسلت سفيرتها، والتقت الرجل القوي في المجلس العسكري السابق ووضعت ورقتين أمامه ورقة حكم الإخوان وورقة قطع غيار الأسلحة، لكن الوضع مختلف، فالجيش امتثل لإرادة الشعب في الحالتين، ولم يختر مصالحه علي حساب مصالح شعبه، والنظام الحالي يدعمه الجيش الذي بدوره يقف وراءه ثمانون مليون مصري يرفضون التبعية ويتطلعون لتحرر إرادتهم السياسية كما قال مراسل 'CNN'. أوباما استخدم صفقة السلاح والتدريبات علي سبيل الإنذار أو الكارت الأصفر للجيش ولقياداته خصوصًا السيسي الذي مهدوا للحملة ضده بتصويره صاعدًا بحالة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ما ينذر بعودة مصر لسابق عهد قوتها ومجدها الذي حاربته طويلًا الإدارات الأمريكية المتعاقبة وتحالفت ضده مع كل أعداء مصر والعرب. وزير الدفاع الإمريكي تشاك هيجل عقب بيان أوباما أجري اتصالًا بالسيسي، وقال إنه أبلغه أن وزارة الدفاع ستواصل علاقاتها العسكرية مع مصر، لكنه أوضح أن العنف وعدم اتخاذ خطوات كافية باتجاه المصالحة يهدد العناصر المهمة في التعاون الدفاعي الطويل. إلغاء التدريبات إذن يمثل خطوة محسوبة وحذرة لا تؤدي إلي قطع كامل أو صراع مكشوف مع النظام المصري، لكنه أيضا إشارة لاستخدام الجيش كثغرة للضغط علي القرار المصري. لكن إلي أي مدي مستعدة الإدارة الأمريكية للضغط علي الجيش المصري لإعادة الحكم الإرهابي؟ وما خيارات الجيش في التعامل مع الضغوط الأمريكية إذا وضعت ظهره للحائط؟ ورغم أن تعليق صفقة المقاتلات وإلغاء التدريبات يمكن وضعها في أطر لا تتجاوز المعمول بها مثل التي ألغيت بسببها الموعد السابق في 2011 بسبب التخوف علي الجنود الأمريكيين من الوجود في منطقه غير مستقرة فالسبب موجود أيضا وربما برز تساؤل كيف سيوجد قوات أمريكية علي أراضي مصر بينما لم تعترف الإدارة الأمريكية بالثورة ثم تتخذ مواقف ضد الشعب المصري فهل سيقبل الأخير بوجود قوات تابعة لدولة تعاديه وتتآمر علي مستقبله؟