ها هو الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يمتثل الآن أمام القضاء الفرنسي الرئيس الذي حكم فرنسا بقبضة من حديد في الفترة ما بين 2007 إلى 2012 لم يتمكن بسبب مواقفه اليمينية المتطرفة تجاه الهجرة والمهاجرين وبسبب قيادته للتحالف الدولي على ليبيا خلال ثورتها عام 2011 التي أطاحت بالرئيس القذافي وأدت إلى قتله على أيدي الميليشيات الإخوانية الإرهابية بليبيا ومؤدية إلى حالة الخراب والفوضى التي تعيشها ليبيا منذ ثورتها وحتى الآن؛ ولأسباب سياسية داخلية وخارجية تتعلق بنظام حكمه الذي لم يرق للناخب الفرنسي، ولكل تلك الأسباب وغيرها خسر ساركوزي الانتخابات أمام الرئيس السابق فرانسوا هولاند عام 2012، ثم خسارته أيضاً للترشح من جانب حزبه اليميني عام 2016 حتى توقفت حياته السياسية، والآن وبعد كل تلك السنوات يجد الرئيس ساركوزي نفسه أمام القضاء الفرنسي حيث يواجه العديد من تهم الفساد والتنصت واتهامه بالحصول على تمويل لحملته الانتخابية عام 2007 من الرئيس الراحل معمر القذافي، ناهيك عن قضية ليليان بيتنكور وغيرها من التهم التي يمكن أن تصل عقوباتها إلى السجن لأكثر من عشر سنوات وغرامة بأكثر من مليون يورو. وقد بدأت محاكمة الرئيس ساركوزي فعلياً يوم الإثنين الماضي الموافق23 من شهر نوفمبر الجاري 2020 لتوجه له الاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ، بزعم محاولته رشوة قاض مقابل الحصول على معلومات حول تحقيق في تمويل حزبه، وسيصبح نيكولا ساركوزي أول رئيس سابق في فرنسا الحديثة يظهر في قفص الاتهام بعد أن سبق واتهم الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بتوظيف بعض العاملين في حزبه في بلدية باريس في فترة رئاسته للبلدية، والذي كان قد حوكم بتلك القضية عام 2011 ليحكم عليه القضاء بالسجن لمدة عامين؛ ولكنه لم يمثل أمام القضاء بسبب مرضه ثم وفاته في 30 سبتمبر عام 2019. وقد تأجلت محاكمة ساركوزي لعدة أيام بسبب جائحة كورونا من جهة وبسبب الشخصية الرئيسية في القضية وهو القاضي الكبير السابق جيلبرت أزيبرت الذي يبلغ من العمر 74 عاما الذي لم يمثل أمام المحكمة في حينه، ووفقا للآراء المتداولة بين المحللين والمحامين يُرجح أن تتواصل جلسات المحاكمة لاعتبارات متعددة إلى العاشر من ديسمبر القادم، وعن تلك القضية فقد أمضى قضاة فرنسيون سنوات في التحقيق في مزاعم فساد تعود إلى الحملات الانتخابية لساركوزي وفترة توليه المنصب حيث ترتبط هذه القضية بتحقيق طويل الأمد في استخدام السياسة اليمينية التي كانت تعمل لصالح ساركوزي لجمع تبرعات سرية لتمويل حملته الرئاسية للعام 2007. ويزعم الادعاء أن ساركوزي ومحاميه آنذاك تييري هيرزوغ سعيا إلى رشوة جيلبرت أزيبرت، بوظيفة مرموقة في موناكو مقابل الحصول على معلومات حول هذا التحقيق، وتُعرف باسم قضية التنصت على المكالمات الهاتفية في فرنسا؛ لأنه تم التنصت على المكالمات الهاتفية بين ساركوزي وهيرزوغ ما بين عامي 2013-2014؛ حيث استخدم ساركوزي الاسم المستعار بول بيسموث وتناقشا بشأن القاضي أزيبرت، ومع كل تلك الادعاءات الموجهة ضده ينفي نيكولا ساركوزي كل تلك التهم معتبراً أن اتهامه بتلك القضايا يُشكل فضيحة ستسجل في التاريخ الفرنسي المعاصر. ومع ذلك فإن الكثير من التهم مازالت توجه إلى الرئيس ساركوزي وعلى رأسها تلقيه الملايين من اليوروهات من العقيد معمر القذافي لتمويل حملته الانتخابية، وفي العام 2018 اتُهم ساركوزي بالفساد والتمويل غير القانوني لحملته الانتخابية والاستفادة من أموال عامة مختلسة. وفي شهر أكتوبر الماضي اتهمه قضاة أيضا بالاشتراك في مؤامرة إجرامية يمكن أن تضاف إلى تهمه وتعرضه إلى المحاكمة، وهناك أيضاً قضية أخرى تسمى بيجماليون سوف يتم بدء المحاكمة بها في شهر مارس المقبل 2021، والتي اتهم فيها بالتحايل في الإنفاق على حملته الرئاسية لعام 2012؛ حيث باءت محاولة ساركوزي لإعادة انتخابه عام 2012، وقد تأجلت القضية للمرة الثالثة لجلسة يوم الإثنين الموافق 30 من نوفمبر الجاري الساعة الواحدة والنصف بتوقيت باريس وذلك بعد أن رفضت المحكمة يوم الخميس الماضي الموافق 26 من نوفمبر الجاري طلب تأجيل للمحاكمة المتعلقة بقضية فساد تقدم به أحد المتهمين وهو القاضي جيلبرت ازيبير، كما طلبت المحكمة حضور المتهمين الثلاثة وهم نيكولا ساركوزي والمحامي تييري هرزوغ والقاضي جيلبرت ازيبير لاتهامهم بالتنصت والفساد. وبرغم الوضع المزري الذي يواجه نيكولا ساركوزي فإنه لا يزال يأمل في الحصول على براءته من كل تلك التهم المنسوبة إليه لأنه لا يزال يحلم بالعودة للحياة السياسية والترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022، وذلك بعد أن شعر من جانب قيادات أحزاب اليمين الوسط وبخاصة الحزب الجمهوري الفرنسي بإمكانية منحهم الثقة له لخوض تلك الانتخابات باعتباره من وجهة نظرهم يعد الرجل القوي لقيادة فرنسا خلال المرحلة الرئاسية المقبلة.