هل «التطبيع» خيانة؟.. ولماذا استقر الضمير الوطنى الجمعى على رفض إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيونى؟!. بداية.. لمن اختلط عليه الأمر بفعل عمليات التضليل السياسى والهوان العربى: فإن «التطبيع» هدف صهيونى، يسعون إليه سرًا وعلانية، منذ مبادرة «روجرز»، وبعدها «كامب ديفيد»، ويطرحونه فى كافة المفاوضات التالية لذلك، من «مؤتمر مدريد» إلى «اتفاقية أوسلو»، ولا يكفيهم الاعتراف الرسمى، بل يطلبونه تطبيعًا شعبيًا، يسمح لهم بالاندماج فى المنطقة، فكيف نمنحهم ما يريدون؟!، أو بالأحرى، كيف تكون مواجهة الكيان الصهيونى بتنفيذ مطالبه ومخططاته وتحقيق أهدافه؟!. أدرك حجم الخلل فى موازين القوى، ومدى عُهر المجتمع الدولى الذى لا يعرف إلا لغة القوة والمصالح، وأفهم جيدًا أن العرب يعيشون واحدة من أسوأ فتراتهم التاريخية، لكن منذ متى كانت موازين القوى فى صالح الدول الواقعة تحت الاحتلال؟!، فتشوا كما شئتم فى صفحات التاريخ، ستجدون دومًا المُغتصِب أقوى لولا ذلك ما وقع الاحتلال من الأساس فتشوا أيضًا فلن تجدوا أمة راهنت على الخنوع، ثم نالت استقلالها!؛ فعدم القدرة على الحرب، لا تعنى الخضوع للمُغتصب!. المثير للسخرية، أن هناك من يعتبر موقف الحركة الوطنية الرافض للتطبيع مجرد شعارات ومزايدات ضيعت القضية!، وهؤلاء يُسوِّقون «التطبيع» فى الشارع العربى، بوصفه الطريق لاستئناف ما يسمونه ب«عملية السلام فى الشرق الأوسط»، دون أن يشرحوا لنا كيفية الحصول على الحقوق المغتصبة بإقامة علاقات طبيعية مع المغتصب!.. هل سيخجل الصهاينة مثلاً بعد اندماجهم فى المنطقة، ويتوقفون عن جرائمهم؟!. ما المبرر إذن؟ وكيف يكون «التطبيع لصالح فلسطين»؟!.. وهل الانخراط فى مفاوضات الآن، وتمرير «التطبيع» للعقل العربى من أجل ذلك، يخدم القضية؟!.. إذا أردتم الإجابة، اسألوا أنفسكم: ماذا سيحمل الفلسطينيون معهم وهم ذاهبون للجلوس على مائدة المفاوضات، غير الأمنيات؟.. وهل يكفى ذلك لإدارة تفاوض يأتى بنتائج حقيقية؟.. وهل الكيان الصهيونى الذى يسعى لخلق أمر واقع جديد فى الأراضى المحتلة، لديه من الشفقة ما يجعله يمنحنا بعضًا من الحقوق؟!.. وهل الولاياتالمتحدة التى اعترفت بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» يمكن أن تكون وسيطًا نزيهًا ومحايدًا؟!. أنا هنا، لا أحمِّل الأنظمة العربية فوق طاقتها، ولا أدعوها للحرب، وأدرك أن الجميع غارق فى دوامته، فقط عليهم أن يتوقفوا عن تقديم التنازلات وتبريرها؛ فإذا كنا غير قادرين الآن على إدارة معركة ولو دبلوماسية، فلماذا نذهب ونستمع مرغمين إلى تعليمات الكيان الصهيونى، ونوقِّع ونصادر على الأجيال القادمة باتفاقيات تكبِّلهم؟!.. خاصة أن الوقت فى صالحنا، وليس فى صالح عدونا، فالنمو العربى داخل دولة الاحتلال يزيد مرتين على معدل النمو الصهيونى، ما يهدد وجود «إسرائيل»، فى المستقبل القريب. إن التحول الديموجرافى لصالح الشعب الفلسطينى فى الأرض المحتلة قنبلة «نووية» تحسب لها إسرائيل ألف حساب، خوفًا من انفجارها فى أى وقت؛ وهو ما يدفعهم الآن مستغلين حالة الهوان العربى لطرح ما يسمونه بمشروع «السلام الأمريكى»!. أما من خدعتهم عبارات «التعايش السلمى» وغيرها، فعليهم أن يدركوا أن المنطقة العربية «المشتعلة» من المحيط إلى الخليج، وما نعانيه وسنظل، نتيجة لوجود هذا الكيان الاستيطانى التوسعى الذى يطمع فى تكوين دولته من النيل للفرات.. عليهم أن يفهموا أن ما يسمى ب«السلام مع إسرائيل» مجرد هدنة مهما طالت، وأن صراعنا مع العدو الصهيونى صراع وجود وليس صراع حدود، وأن الأمر ليس فقط مجزرة هنا أو مذبحة هناك، فالمعركة مستمرة حتى ولو اتخذت أشكالاً أخرى غير عسكرية.