يبدو أن فيروس كورونا لم يعد داءً يصيب الأجساد فقط، وينهك قواها، ولكنه للأسف يبدو أنه أصاب القلوب فأحدث بها ثقوبًا وجروحًا ربما لن تندمل.. يوم الجمعة الماضي استمعنا إلى مقطع صوتي للداعية الدكتورة عبلة الكحلاوي رئيس مجلس أمناء دار الباقيات الصالحات لرعاية المسنين، طلبت فيه المساعدة فى التعامل الصحي خاصة بعد اكتشاف إصابة 13، وهذا ما تحقق بالفعل بعد تحرك وزارتي الصحة والتضامن، وإرسال فرق لتعقيم الدار وفريق طبي لرعاية بعض المصابين وتنفيذ إجراءات الحجر المنزلي. كل هذا يبدو عاديًّا فى ظل انتشار جائحة عالمية وتزايد أعداد المصابين يومًا بعد يوم، لكن ما كان صادمًا بالفعل هو تأكيد الكحلاوي على رفض الأبناء تسلم الآباء النزلاء فى الدار، وهم من غير المصابين وبشكل مؤقت، حتى يتم تعقيم المكان والقضاء على مصدر العدوى، ومن ثم إعادتهم مرة أخرى، هذه الواقعة أعادت للأذهان كل المواقف المؤلمة التى حدثت منذ انتشار وباء كورونا، والتى كشفت عن وجه قبيح لمشاعر وأخلاق ما كنا نتمنى أن نراها. فمواقف تنكر الأبناء للآباء المتوفين بوباء كورونا ورفض استلام الجثامين، كان سوطًا يصفع الضمير والقيم والأخلاق، فمن أين تولدت هذه القسوة فى المشاعر من الأبناء تجاه والديهم؟ ولا أعتقد أنه تحت أى مبرر يتصرف الابن مع من أفنوا حياتهم فى تربيته بهذا العقوق والنكران، فى المشهد أيضًا كان حادث الطبيبة المتوفاة بفيروس كورونا فى محافظة الدقهلية والتى خرج الأهالي فى قريتين لرفض دفنها فى مقابر العائلة لولا تدخل الشرطة، وبعد ساعات من التفاوض الذى لم يسفر عن شيء، ما اضطر قوات الأمن لفض التجمهر بالغاز المسيل للدموع، وهي واقعة كانت جرس الإنذار لما حدث من ثقوب فى طبيعة الشعب الذى تميز على مر التاريخ بالشهامة، والواجب ومراعاة الجار والجدعنة. حكايات كثيرة تتداولها الألسنة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن تصرفات الجيران مع مصابي كورونا، وشاهدنا كيف حاصر الجيران أسرة فى مسكنها فى حى المعادي ومنعوا وصول طلبات الصيدلية، أو السوبر ماركت عنهم وشارك الجيران أيضًا حارس العقار بدعوى الخوف من العدوى، وأيضًا الطبيبة الشابة التى تعمل فى مستشفى العزل فى الإسماعيلية، وكانت تسكن فى شقة بمفردها، ورفض الجيران دخولها العمارة، خوفًا من العدوى أيضًا. يبدو أن كورونا جاءت لتفجر كثيرًا من نقاط الخلل التى أصابت مجتمعنا، وكنا نتوارى بعيدًا عن مواجهة ما يبدو على السطح منها، ولكن مع حالة التخبط وضغط الأزمة، بات من المؤكد أن هناك مياهًا كثيرًا جرت فى بحر العادات والتقاليد والقيم والأعراف، وهو ما جعلنا نشعر بخطورة ما جرى، لأنه وإن دل لا يدل إلا على تفسخ فى العلاقات الاجتماعية، سندفع ثمنه إن عاجلاً أو آجلاً. ما نعانيه تحت ضغط "كورونا".. صعب ولم نعهده من قبل، ولكنه يجب ألا ينسينا مبادئ "إنسانية" عشنا فى حماها ولم نلق "خسرانًا".. حفظ الله مصر وشعبها.