كثيرة هي المشكلات الاجتماعية والحياتية التي يعيشها مجتمعنا،وفي كثير من الاحوال لاتظهر هذه المشكلات ولا تطفو علي السطح إلا إذا حدثت مشكلة ما وتفجرت في وسائل الإعلام أو تناولها الخبراء بالدراسة والتحليل،أو إذا التقطتها عين كاتب أو إعلامي وسلطت الضوء عليها ..وهكذا نتعامل مع كل مشكلاتنا التي تمور بها الأرض من تحتنا وأحيانا لا نلتفت إليها أو نبادر إلى حلها ما دامت الأمور مستقرة ظاهريا. ما يحدث في مجتمعنا من عادات وسلوكيات وممارسات ،ربما يظل حبيسا مالم يجد من يدق ناقوس الخطر للتحذير منه،أتذكر جيدا ما ذكرته الدكتورة نسرين البغدادي، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قبل عامين ،وكنت مع لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة وذوي الإعاقة بمجلس النواب خلال زيارتها للوقوف على أنشطة المركز،عندما حكت واقعة عن زيارتها إلى إحدى المناطق العشوائية ،ولما كان الوقت في نهار رمضان وفوجئت وفريق عملها بأن كل من قابلتهم مفطرون، وهو ما دفعها لسؤالهم عن السبب الذي أوضحوه برد يلخص عمق الأزمة،وهي أن الصوم مفروض علي الأغنياء بينما هم فقراء فلماذا يصومون؟ الواقعة التي حكتها البغدادي عكست أزمة حقيقية موجودة داخل المجتمع، وهي تراجع الوازع الديني بشكل كبير ،والذي انعكس فيما نشاهده خلال السنوات الأخيرة من الجهر بالإفطار في نهار رمضان. علي المنوال نفسه، فوجئت وأنا أتابع البرنامج الديني "أفيدونا" الذي يقدمه الإذاعي حازم البهواشي على هواء راديو مصر كل يوم جمعة،ويستضيف فيه أحد رجال الدين للرد علي استفسارات وتساؤلات المستمعين،أن كثيرا من الأسئلة يدور حول القروض بين الأشخاص التي يتم احتساب فائدة عليها،تنوعت الأسئلة وتعددت، فهذه السيدة ستأخذ من أحد الأشخاص جرامات ذهب بقيمة 7000 جنيه، وسترد قيمة ما أخذته وزيادة عليه 7 جرامات ذهب. وأخرى ستأخذ من أحد الأشخاص 4000 جنيه تتاجر بها، وسترد المبلغ وعليه زيادة 4000 جنيه مثله.وثالثة لها ابن يحتاج لزراعة كُلي، وستتكلف العملية 40 ألف جنيه، يتبقي منها مبلغ 15 ألف جنيه سيُقرضها لها أحد الأشخاص على أن تردها 22 ألف جنيه، بالإضافة إلى تساؤلات كثيرة من هذا النوع وكلها مبالغ بسيطة لا تحتاج، من وجهة نظري، لكل هذه الفوائد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن: أين هي روح التكافل والتعاون التي حثنا عليها الإسلام؟وأين هي مساعدة المحتاج وفك الكرب وإغاثة الملهوف؟ أتصور أن القيم التي تبدلت وتحولت أثرت بشكل كبير علي روح المجتمع، كان كثير من الأسر، قبل سنوات، يعتمد علي "الجمعية "التي يتشارك فيها عدد معين من الأشخاص يدفعون مبلغا محددا ليتجمع في نهاية الشهر ليتسلمه أحدهم، وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبه،وكانت هذه "الجمعية" يتولي شئونها شخص محل ثقة وكانت تفك الأزمات ويعتمد عليها الكثيرون في قضاء احتياجاتهم التي يعجز دخلهم الشهري عن الإيفاء بها دفعة واحدة. للأسف تحولت روح التكافل إلى ربا واستغل البعض حاجة البسطاء لتحقيق منافع دون أن يلتفتوا إلى حرمة ذلك،ونسوا قول الله سبحانه وتعالي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُم تُفْلِحُونَ".