من كان يتصور يوما أن يرى عواصم العالم الصاخبة فارغة من كل حضور،وقادتها لحظة بلحظة يتعثرون ويهمهمون بين تصريحات مؤكدة وأخرى مشككة يتلعثمون في صوتهم والسكون .. جاءتهم كورونا دون انتظار،فبعثرت زهوهم واحتد الشجار فيما بينهم ،هذا تجاهل وذلك تغافل وهؤلاء مقصرون،وصار تفشي الكورونا تهمة تلتصق بكل مسئول تهاون أو تباطئ في اتخاذ كافة التدابير لاحتواء هذا الفيروس المجنون..شظايا الكورونا لازالت تشعل سياسة الكبار ولن تهدأ حتى ينحسر انتشار الفيروس..حالة متأججة سنعيشها على مدار أيام وربما أسابيع إن لم تكثر وتمتد لشهور قاتمة،ولكن هل فكرت كإنسان بسيط يعيش ويتعايش على هذه الأرض لما جاءت كورونا بهذا الشكل حاسمة وحازمة؟ هل استوقفتك لحظة ما صنعته من مفاهيم وما قلبته من موازين؟ هل أدركت فيما بين خفايا تكوين هذا الفيروس ما قد يحمله من لطف التدابير؟ التي قد تحملنا جميعا إلى عالم أكثر توازنا بقوانين عادلة تفتح آفاق العبور لقوى جديدة تصنع زهوا يليق بإنسانية ما بعد الكورونا..زهوا مستحق لبلاد عانت الآمرين وصمدت أمام كل وابل وأقسمت أن لا تلين..جاءتها الكورونا بروح القادمين على طريق مغلق اليوم في وجه العالم للتحسينات،جاءتها الكورونا لتحسم هذا العبث الذي ملأ العالم وطغى على ضعاف القول بكل هول، جاءت لتعلن إغلاق كامل لكافة الأنشطة وركود حاد لأقوى البورصات وسكون تام لكل الأنام.. جاءت لتمنحنا فرصة للتحسينات..نعم فعالمنا اليوم مغلق للتحسينات! مغلق للتحسينات..عبارة حاسمة ومختصرة كثيرا ما نراها على لافتات الإنشاءات والمؤسسات من حولنا ، نعبرها بنظرة خاطفة لا تستوقفنا إلا إذا كان الحدث يعترض الطريق ، فنجد أقدامنا مجبرة على تغيير المسار ويتوجه العقل بإتجاه طريق آخر مفتوح يستوعب ما تبقى لنا من خطوات تحملنا إلى مكان محتمل الذهاب إليه ، أو شرودا مؤكد على قارعة الطريق ، وينتهى أمد المكان لتغلق عينيك على كل تفاصيله وتمضي بعيدا بكامل وعيك لتنسى تماما ما صادفته في طريقك حتى تعود إليه مرة أخرى ليذهلك ما جد فيه وتطور وتعيش لحظات إنبهار سريعة الوهج وتنتهي هى الأخرى لتتركك وحدك لتفاصيل الطريق . أتحدث هنا عن الأشياء وما تبدو عليه وما يجد عليها من حداثة ورونق ، تتجمل من أجل الإنسان ، تتطور من أجل راحته ، تتغير كثيرا لأجله ولازالت مجرد أشياء بعثرتها الظروف والحاجة من حولنا حتى صارت أهم في بعض الأحيان من الإنسان نفسه ! وإذا كان الجماد في حاجه للتجديد والتطوير والراحه ، فما بالكم بمن هو من لحم ودم وقيدته مشاعر تحكم تصرفاته ، تارة يطلق سراحها فيستريح ، وتارة آخرى يكبح جماحها فيعاني في صمت مطبق ، ألا يحتاج هذا الآدمي إلى تجديد هو الآخر ؟ ألم تحترق دمائه مئات المرات ولازالت تجري ؟ ألم تغتاله الأفكار وملايين التساؤلات وعرقلته طويلا شظايا الاحتمالات ولازال بالعقل كل شئ يبصر ؟! ألا يستحق القليل من ضخ الحياة لحياته ؟! ألم تدرك إلى الآن أن الكورونا جاءت لتلملم شتات هذا العالم وشتاتك انت أيضا أيها الإنسان! ابحث عن استحقاقاتك الجديدة واصنع من رحم العزلة إنسان آخريليق بك ويستحق الكثير من كل جديد قد ينزع منك عمدا فتات جذورك ويمنحك جذورا جديدة مثمرة تطرح لك على طول الطريق حياة ملؤها التناغم والاعتزاز .. مغلق لبعض التحسينات ، نعم أنت مغلق .. ووحدك صاحب المشروع ومالك المكان بينما المنتفع من تحسيناتك المجتمع بأكلمه ! ولو تمعنت قليلا فى دواخلك لوجدت أنك فى حاجة قصوى لتفادي شتاتك والعبور بنفسك لنفسك والبعد كل البعد عن الانغماس في المزيد من المشاحنات الفارغة من كل شئ إلاك وحدك ، فكونك إنسان لا يعني بالضرورة أنك ملزم طوال الوقت بالتفاعل مع من حولك إذا كانت طاقتك لا تحتمل ما يدور واستيعابك أصابه الوهن والفتور ، فابدأ الآن وعلى الفور بإغلاقك المؤقت..عانق أفكارك قبل أن تنشرها ، هذب أحلامك حتى تعبرها ، صافح أمانك وابحث عن سلامك ، حدث نفسك عنك وتغلغل في جوهرك أكثر وأكثر ، هى فرصة فريدة لتبحث عنك فيك وتجدك ، فرصة بمثابة مجهر يحيطك علما بأماكن الخلل حتى ترممها وتعود للحياة أكثر حياة ، وللإنسانية أكثر تصالحا وتسامحا ، فانسجامك مع ذاتك وحده كفيل بأن يمنحك روح فضفاضه لديها من براح الاحتواء ما يكفي الجميع ويجبرهم على تقمص نفس الصفة . تمنياتي لكم بتناغم طويل الحياة .. جميعنا مغلق لبعض التحسينات !