مازال كورونا يهدد أرواح البشر، ويجبر الدول على اتخاذ إجراءات احترازية متدرجة لمواجهته، ولعل أكثرها تأثيرا في النفوس هو إغلاق أماكن العبادة الذي جعل كل إنسان يشعر بالحسرة لعدم تمكنه من إقامه شعائره سواء في كنيسة أو مسجد. وفي ظل الأزمة، تتأرجح قلوب المسلمين ما بين الفرح بقدوم رمضان والحزن لإغلاق المساجد، مما دعا البعض للمطالبة بفتحها مهما كانت العواقب!! فالجميع يخشى افتقاد صلوات التراويح والتهجد، وما تحمله من مشاعر روحانية تغسل النفس الإنسانية من كل ما علق بها طوال العام. والقاعدة الشرعية المعروفة – ولست متفقهة في أمور الدين – تشير إلى أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، بمعنى أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، ووفقا لها فإن إغلاق المساجد منعا لتجمعات قد تسبب انتشارا للعدوى هو إجراء يدفع الضرر. فكفى بكاء وعويلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى حائط المبكي الاجتماعي، لقد اقترب شهر الخير والبركات، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، رمضان الذي به ليلة خير من آلف شهر، وبقدومه تفتح أبواب الجنة وتغلق ابواب النار وتصفد الشياطين، فهل نخسر هذا الكرم الإلهي الذي منحه لنا الخالق عز وجل!! أقيموا الصلوات في بيوتكم، وليصبح الفرد إماما لأسرته طوال شهر رمضان - فالصلوات تقام ويتقبلها الله في كل مكان وليس فقط بالمساجد - وارفعوا صوت الأذان، ورددوا التكبيرات، وعمروا البيوت بقيام الليل، وآتوا الزكاة، وأكثروا من الصدقات، وادعوا الله أن يزيح الغمة وأن نصلى صلاة العيد بالمساجد والساحات. لم يطردنا الله من رحمته، ولم يغلق أمامنا باب التوبة والغفران، بل شاء - وهو القادر أن يزيح عنا الوباء ما بين طرفة عين وانتباهها - أن نحتفل بشهر رمضان في بيوتنا لحكمة لا ندركها، فهل نعترض على مشيئته!! لعل عز وجل أراد سماع دعواتنا في رمضان لرفع البلاء، لعله سبحانه شاء أن يعمر بيوتنا بصلواتنا، ويملأ أجواءها بأصوات الابتهالات والأدعية، لعل حكمته أن يباركها بتلاوة القرآن الكريم، وبأسمائه الحسني التي نرددها في مناجاتنا له، وأن يزيد حسناتنا بصلاة الجماعة بين أفراد الأسرة، ربما ادخر لنا خيرا كثيرا.