الفن مرآة يعكس من خلالها المبدع ما يحدث في المجتمع من خلال قراءة متأنية للواقع، وهناك أدباء وسينمائيون نجحوا في ذلك بشفافية نادرة في كثير من أعمالهم، منهم: نجيب محفوظ في 'أهل القمة' و'ثرثرة فوق النيل'، وأسامة أنور عكاشة من خلال 'الرايا البيضا'... ويعتبر السيناريست وحيد حامد واحدًا من أهم الكتاب الذين صوروا واقع الصراع الحالي منذ سنين، فقد حذر في كثير من أعماله من المواجهة الدامية المنتظرة بين فئات الشعب وخاصة بين التيار الإسلامي والتيارات الأخري، وفي رأيه أن هذه المواجهة ليس فيها منتصر أو مهزوم من الأشخاص، وإنما الخاسر الحقيقي هو الوطن. ويتضح ذلك في المشهد النهائي لفيلم 'طيور الظلام' الذي عرض عام1995، حيث يعد من أكثر المشاهد التي تعبر عن الوضع السياسي المصري الآن، ويبلور بوضوح كامل عن فكرة الصراع بين النظام المدني والتيار الديني، حيث كتبه وحيد حامد بإبداع، وتنبأ فيه بما يحدث حاليًا، وأخرجه شريف عرفة بإبهار وواقعية، وبرزت فيه شخصية فتحي نوفل 'عادل إمام' المحامي الفاسد الفقير، منتظرًا الفرصة التي تنقله إلي مصاف أصحاب المال والسلطة، وعلي الزناتي 'رياض الخولي' صاحب نفس الطموح، الذي يختار الفرصة السانحة بانضمامه إلي الجماعات الإسلامية، صاحبة المطامع في السيطرة علي حكم البلاد، يقف الاثنان وجهًا لوجه ملوحين لبعضهما بالماضي القديم لكليهما، ويحاول الزناتي البقاء علي نبرة المصلحة بينهما، فيرفض نوفل قائلا: 'اتنين ديابة ما ينفعش يعيشوا في قفص واحد'. وفي تصوري أن هذا المشهد سيبقي في ذاكرة تاريخ السينما مؤشرًا لِما أصبح عليه الوضع فوق أرض الواقع في مصر، تماما مثل مشهد النهاية الذي رُسم بإجادة ونُفِّذ باقتدار، حين وقف كل من ممثل النظام المحامي الفاسد أمام ممثل تيار الإسلام السياسي داخل ساحة السجن، وأخبره الأول ضاحكًا: 'برضه مع بعض يا علي'، فما كان من الأخير إلا أن أكد 'احنا في مركب واحد يا فتحي'، الاثنان رهن التحقيقات بلا أدلة تضمن للقانون معاقبتهما، وخلال الحوار الدائر المليء بالتحدي، يتبادلان كرة بين أقدامهما، وينتهي المشهد بعد سعيهما المضني خلف الكرة متخطين، ومبعدين كل من يقف في طريقهما بتحطيم الشاشة في وجه الجمهور ليعلنا خسارة الجميع وخسارة الوطن، مشهد بسيط في تعبيره عميق في مغزاه، أشار بوضوح إلي أن الشعب هو الخاسر، وأن مصلحة مصر ضاعت أمام مصلحة الأشخاص. وقد لخص هذا المشهد في كلمات بسيطة واحد من أشهر زعماء العالم، الزعيم غاندي حيث قال: ' كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن ' ويبقي الوطن، ويبقي الصراع، وتنتهي الأشخاص....