عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى فى منتدى العالم للشباب بالأمس وطالب بضرورة اتخاذ موقف موحد ضد الدول التى تدعم الإرهاب، فقد كان يؤكد المواقف الثابتة والمبدئية التى ترى أن لغة المصالح فى التعامل مع هذه الظاهرة، سوف تتسبب فى مشاكل وأزمات عديدة يدفع العالم ثمنها.. لقد عانت مصر من الإرهاب ولا تزال، وأكدت أكثر من مرة أن مقاومة الإرهاب وتجفيف منابعه، تستوجب موقفا دوليا موحدًا ضد البلدان التى تدعم أو تؤوى الإرهابيين أو تحرض على الإرهاب، غير أن دول العالم للأسف لا تزال تصم آذانها عن الاستماع إلى هذه التحذيرات. وبالرغم من أن الكل يدرك تماما أبعاد الدور التركى والقطرى فى دعم الإرهاب على سبيل المثال، فإن دول العالم لا تزال تتعامل مع هذين النظامين، رغم تقديم كافة الأدلة التى تثبت تورطهما فى أعمال العنف والإرهاب ودعم الميليشيات الإرهابية خاصة فى دول المنطقة. إن الاتفاق التركى مع حكومة السراج فى ليبيا على سبيل المثال يمثل أعلى مراحل التعاون لدعم ميليشيات الإرهابية وضمان سيطرتها على العاصمة الليبية طرابلس، وهو نفس الدور الذى قامت به تركيا وقطر فى سورياوالعراق، ومع ذلك فإن كل ذلك لا يحرك للعالم ساكنًا. إنها لغة المصالح الآنية، كما قال الرئيس، ومن ثم فإن هناك فارقا بين القيم والمثل الانسانية وبين المصالح التى هى الأداة والمحرك الرئيس لمثل هذه المواقف، التى تدفع ثمنها الدول الصغرى، أو بالضبط كما ضرب الرئيس مثلاً بقوله «عندما تتصارع الأفيال فلا تسأل عن العشب أو الأشجار الصغيرة». وقد ضرب مثلاً بالحالة المصرية، فقد عانت مصر من الفوضى على مدى سنوات طوال، وعانت ولا تزال من الإرهاب ومخاطره، وكان يمكن لها أن تدفع الثمن مضاعفًا، بما يؤدى إلى انهيار الدولة المصرية وانتشار العنف على أرضها، لولا ثورة الشعب وانحياز الجيش لهذه الثورة ومواجهته لعناصر الإرهاب وتجفيف المنابع والتصدى للقوى المتآمرة التى تدعم وتساند. لقد كان على مصر، وهى تواجه هذه الحرب، أن تدرك تماما أن هناك أزمات اقتصادية متفاقمة فى البلاد، وأن اقتصار دور الدولة على الحرب ضد الإرهاب، سوف يؤدى كما حدث فى العراق إلى قلاقل ومشاكل وأزمات عديدة، بسبب غياب التنمية ومكافحة الفساد ومواجهة التحديات الداخلية. وإذا كانت الدولة تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار، وهو أمر لازم وضرورى للمجتمع وللفرد، ولكن ذلك لا يجب أن يغنى عن دور الدولة فى التنمية واستيعاب البطالة والسعى إلى تحقيق مستوى معيشى لائق للفرد، وهو ما تجاهلته حكومات العراق المختلفة- كما قال الرئيس- مما أدى إلى حالة الغضب العارم التى لا تزال تسود العراق الذى يمتلك ثروات هائلة ومع ذلك ساد فيه الفساد وغابت عنه التنمية ولذلك انفجرت الأوضاع فى البلاد.. إن التجربة المصرية فى التنمية والإصلاح الاقتصادى، والحرب ضد الإرهاب، شكلت نموذجا يحتذى، فسيناء التى كانت مرتعا للإرهاب والإرهابيين، أصبحت الآن ساحة للتنمية والبناء من خلال المشروعات الكبرى التى سعت الدولة إلى تنفيذها على أرض سيناء والمناطق المحيطة. وما يجرى فى سيناء، هو ذاته الذى يجرى فى أنحاء البلاد، ذلك أن حصيلة المشروعات التى تم تنفيذها في الفترة من منتصف 2014 وحتى الآن تبلغ 15 ألف مشروع بتكلفة تبلغ أكثر من 4 تريليونات جنيه، وهو رقم ضخم بلا جدال، أدى إلى ارتفاع معدلات النمو من 2.4 إلى 5.6٪، مما قفز بمصر لتحتل المركز الثالث عالميًا فى معدل النمو بعد الصين والهند مباشرة، كما حدث تراجع فى العجز في الموازنة العامة من 12.8٪ إلى 8.4٪، وتراجع فى التخضم من 35٪ إلى 2.4٪، وزيادة فى قيمة العملة المحلية هذا العام بمعدل يصل إلى 12٪. ندرك أن المشاكل الاقتصادية كبيرة وليست هينة، وأن أحدا لا ينكر معاناة الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة من جراء هذه الاصلاحات، إلا أن كافة المؤشرات الدولية والاقليمية تؤكد أن البلاد تمضى نحو اقتصاد واعد ومتعافٍ، وأن ذلك يسير بمعدلات سريعة سوف تنعكس علي حياة الناس بالايجاب في أقرب وقت ممكن. إن الاستقرار ومكافحة تيارات العنف والإرهاب لازم وضرورى ومهم لتحقيق التنمية وجذب الاستثمارات . من هنا يبدو الرئيس مهمومًا بمواجهة التحديات الخارجية والداخلية على السواء والمطالب بمواجهة الدول الداعمة والمحرضة على الإرهاب.. فهل يستمع العالم إلى صوته؟!