مصر هى الأم. نحبها بكل ما تحمله من صفات، غير أن ثمة اختلافًا بسيطًا بين الأم والوطن فالأم هى المعلم الأول للشخص وهى التى ترعاه طفلاً وتعنى بتربيته وتلقينه أسماء الأشياء فهو يطلع على العالم المحيط به من خلالها فى مراحله الأولى ويتأثر بها فكرًا وثقافة وسلوكًا عامًا وتعاملا مع الغير من هنا تتحدد علاقة الشخص بالأم بحب غريزى واحترام أبدى لا يتبدل وعرفان بالجميل لا يتغير، أما الوطن فهو المجتمع الكبير المكون من آخرين من نفس البيئة العامة والثقافة والذين ولدوا على نفس الأرض وشربوا من نفس المورد وتنسموا نفس الهواء، ومنهم من قدر لهم أن يديروا بأيديهم وعقولهم شئون البلاد متمثلين فى الحكومة والمؤسسات المعاونة وهى عقول بشرية من الطبيعى أن تصيب وتخطئ. ولا أظن أن هناك خلافا على ذلك، كما لا خلاف أيضًا على أن الحكومة تضم مجموعة من الوزراء ليسوا جميعهم أفضل من أنجبت مصر فهناك الأكفأ دائمًا والأكثر تناسبا ممن يشغل المنصب غير أنه بعيد عن الأضواء بإرادته أو نتيجة سعى واقتراب ممن يتطلع للمنصب وهذا الوضع فى العالم كله تقريبا. فقد يتخذ الوزير أو المحافظ قرارًا يجانبه فيه الصواب أو يفوته التصرف فى مشكلة تمس الحياة اليومية للمواطن مسببة له المعاناة وزيادة الأعباء، هنا تختلف الآراء والاتجاهات فالبعض يرى أن التغاضى وغض الطرف وعدم تسليط الضوء على هذا الخطأ هو التأييد اللازم والمطلوب.. وعلى العكس يرى بعض آخر أنه يلزم لفت الانتباه والتحذير من التمادى فى الخطأ وغالبا ما يكون لدى هؤلاء حل مناسب وممكن أو على الأقل لديهم أفكار تؤدى إلى الحل.. فإن كانت الوطنية وتأييد الدولة هى الصمت عن الفساد فى صوره المختلفة وربما تجاوز الصمت لدى البعض إلى تبرير الخطأ فإن كان الأمر كذلك فهى وطنية باردة غير واعية كصمت الأم عن انحراف أحد أبنائها وفساده خشية أن يلقى الابن عقابا من أبيه وهذا التستر ليس محمودا على الاطلاق. فبعض الأخطأء يمكن تداركها فى مراحلها الأولى ولكن مع الصمت والاستمرار فيها تستفحل وتتشعب إلى أخطاء فرعية جديدة ربما يصعب عندها إيجاد الحلول لها والتى إن وجدت تكون أكثر كلفة مالية بالاضافة إلى الوقت الضائع. ويجب هنا الإشارة إلى مسألة فى غاية الاهمية ألا وهى اختيار توقيت إبداء الرأى والنقد بحيث لا يكون ذلك فى ظروف احتقان شعبى وغضب جماهيرى فتزداد الحالة تفاقما واضطرابا يؤدى إلى اندفاع غير محسوب العواقب، أو تستغل هذا الاضطراب بعض الجهات المعادية لاشعال فتنة أو لإحداث فوضى تصعب السيطرة عليها وتحقق بذلك هدفا يراه أعداء الوطن نصرا ونجاحا لمخططهم الدنئ للأضرار بالدولة وربما تدميرها. فالناقد الواعى يبدو وعيه فى إدراكه لخطورة الكلمة أو التصرف واختيار الوقت الملائم للتعبير أو التأجيل لحين تحسن الظروف واستقرار الأوضاع.. هكذا أرى أن التأييد الواعى للدولة هو ما ينطلق من الحرص عليها أرضا وشعبا وخيرات. والحرص أيضًا على تنميتها وزيادة قوتها عسكريا واقتصاديا وفى شتى المجالات. لاسيما إن كان هذا التأييد ممن دفعوا شبابهم فى حماية الدولة والدفاع عنها أثناء الحروب التى خاضتها وتخوضها الآن من خلال الخدمة بقواتها المسلحة وكانت أرواحهم على أكفهم لا يهابون الموت فداء لترابها الغالى.