لأن التغيير ضرورى اضطررت فى يوم من الأيام أن أخرج عن نطاق العزلة الذى أدمنته وجاء هذا عندما ألح على أخى أن ألبى دعوته لسهرة فى الخارج. فى البداية اعتذرت له كعادتى وتذرعت بأننى منهمكة فى كتابة مقالات. غضب أخى وقال لى فى تحد: يجب أن تخرجى من هذا الاطار الذى أصبحت سجينته. وفى النهاية وبعد الحاح اضطررت إلى تلبية دعوته. ولا أخفيكم سرا بأننى شعرت بغبطة شديدة حينما غيرت وبدلت فى برنامج حياتى. يومها تمتعت بالسهرة التى نصحت فيما بعد بأن أعيد تكرارها.. فالتبديل والتغيير من ضرورات الحياة حيث إن المرء ليس آلة تعمل ليل نهار بل هو انسان من لحم ودم وبالتالى هو فى حاجة إلى راحة واسترخاء بعد جهد العمل وعناء الرتابة. هذا الاسترخاء أو التبديل يجب أن يحدث بعيدا عن الجو الذى نعيشه كل يوم وإلا أصبحنا مثل موزع البريد الذى يمارس هوايته المفضلة بعد عمله اليومى بنفس الوتيرة وهى المشى على الاقدام لمسافات مرهقة، أو كسائق سيارة السرفيس الذى يذهب آخر الليل فى نزهة بسيارته ليروِّح عن نفسه، فهؤلاء لم يغيروا أسلوب حياتهم. وهو ما ينطبق على الطعام، فالذى يأكل عسلا كل يوم لا بد وأن يشتهى بعض الحوامض والتوابل.. ولأن تقضى أوقاتك مع فيلسوف أو متحدث لبق فقد يحلو لك أحيانا أن تستمع إلى أحاديث البسطاء. إن منظرا رائعا من فوق هضبة عالية أو فى واد سحيق تترقرق فيه الجداول.. أو شمس تتوارى محمرة باستحياء وراء الأفق.. سيمفونية خالدة.. قصيدة عصماء.. وجه ساحر خلاب. كل هذا لن تقدر جودته إلا حين تتبدل المناظر والألحان والكلمات، فتقارن بما هو أقل منها فنا وجمالا وسحرا، فالتغيير ضرورى إذن.. تغيير فى نمط الحياة .. فى أثاث المنزل.. فى الطعام والملبس.. تغيير حتى فى الأصدقاء، فقد يعترينا بعض الملل إذ نراهم كل يوم، فالدنيا وجوه وأعتاب كما يقولون، ومصاحبة نفس الوجوه قد تجعل الصداقة أمرا روتينيا. ولا يعنى هذا التنكر للأصدقاء ومخاصمة الرفاق، فالتغيير الذى أدعو إليه يجب أن يتم باعتدال دون مبالغة. فالكثير الكثير مضر كالقليل القليل، والتخمة قريبة من الجوع، والاسراف صنو البخل، والثرثرة بشعة كالصمت الرهيب. بعض الأشخاص يأخذون الحياة بجدية تفوق الحد اللازم، والبعض يقضى حياته بالهزل والمرح، فليس أبشع من الانسان السخيف الذى يزعجك بنكاته إلا ذلك المتجهم الوجه الذى عندما تجلس إليه كأنك فى حضرة جنجيزخان.ولهذا فإن الاعتدال محبب فى الحزن والفرح. إحدى الصديقات ماتت جدتها عن خمسة وتسعين ربيعا، فأقامت لها مناحة لا يقام مثلها لشابة فى عمر الورود. كما أن الاعتدال واجب فى الفرح، حيث إن بعض الناس يضيعون رؤوسهم وعقولهم إذا حدث لهم ما يفرحهم. الاعتدال محبب.. وهو ضرورى حتى فى النوم، فالسهر الكثير يؤذى أجسامنا.. والنوم المبكر ليس إلا وقتا يذهب سدى.. فالنوم غير مستحب لا باكرا مع الدجاج، ولا متأخرا مع صياح الديك. ولكنى وللأسف لا أتبع هذه القاعدة إذ أننى أنام فى التاسعة والنصف أو العاشرة مساء واستيقظ فى الواحدة والنصف صباحا أى أن عدد الساعات التى أنامها إما أربع ساعات أو ثلاث ساعات ونصف ساعة. وقد نصحنى الأطباء بأن هذا يمثل إرهاقا لى إذ أن عدد ساعات النوم غير كافية وقد ينعكس هذا فى عدم القدرة على التركيزبالاضافة إلى تأثيرها على الأعصاب وزيادة احتمالية الإصابة بالقلق النفسى والاكتئاب، والتأثير على جهاز المناعة. حيث أن ما يحتاجه المرء حوالى 7 9 ساعات فى اليوم.ولكن دون جدوى، فقد اعتدت على ذلك. الاعتدال جميل فى الملبس.. وفى المظهر، فكلما كان الانسان متحضرا كان لباسه أبسط.. وكلما كانت السيدة كريمة فاضلة كانت الحلى فى يديها أقل عددا وثمنا.