تحل علينا الآن ذكرى غالية ومضيئة فى تاريخنا المعاصر ألا وهى الذكرى ال66 لثورة 23 يوليو، تلك الثورة المعجزة التى حولت نظام الحكم فى مصر من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى الذى استرد مصر وشعبها من براثن العبودية والاستعمار وردها بمقدراتها وخيراتها ومؤسساتها إلى الشعب وأبنائه ليتغير العالم والتاريخ بعد أن نالت مصر حريتها واستردت بفضل ضباطها الأحرار كرامتها وإرادتها واستقلالها بعد أن ارتفع صوت القوة والتحرر ليرتفع اسم مصر وشعبها عاليا، لما حققته تلك الثورة من إنجازات إعجازية على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى والعربى والإفريقى والعالمى، وما تبع قراراتها الجريئة من تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية غيرت مجرى التاريخ عندما استرد خلالها المصريون كرامتهم وحقوقهم واستعادوا وطنهم المسلوب على مدى عقود طويلة من الزمان، وخلالها أظهر الشعب المصرى تأييده الفورى للجيش وذلك عندما هب بعد صبره وحلمه الطويل بقدوم هذا اليوم بجميع فئاته وطوائفه وملتفا حول القادة الأحرار من أبنائه ليعلن مساندته لهم، وكان هذا التأييد بمثابة تكليف لقادة الثورة البيضاء بالاستمرار، وبذلك استمدت ثورة يوليو شرعيتها من الشعب بعد تأييده لها، ونجاحها فى التعبير عن واقعه وآماله وصولا منها لتحقيق استقراره واستعادة كرامته وحريته . وثورة الثالث والعشرين من يوليو هى حركة قام بها ضباط شباب فى الجيش المصرى أسموا تنظيمهم باسم الضباط الأحرار للإطاحة بالملك فاروق والعهد الملكي، وقد قاموا بها فى مثل هذا اليوم الموافق 23 يوليو عام 1952، ومنذ هذا اليوم الخالد فى تاريخ امتنا أثبتت تلك الثورة أن الشعب المصرى يتميز بالصبر والجلد والتحمل والتريث، وبأنه ليس وكما كان يقال شعبًا مسالمًا خانعًا يرضى بالذل ويصمت على العار والهوان، ومن دلائل ذلك أن ثورة 23 يوليو حظيت بتأييد شعبى جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة وعلى أثر نجاح الثورة اتخذ قرار بحل الأحزاب وإلغاء دستور 1923 والالتزام بفترة انتقال حددت بثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهورى جديد، ولهذا فقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن الشعب المصرى تجاوز كثيرًا مما حل به من كوارث ومحن متلمسًا لطريق النجاة والحرية واستعادة أرضه وتغيير واقعه بعزم وقوة، وكان اللواء محمد نجيب بمثابة أيقونة ثورة يوليو التى قادها الضباط الأحرار، وقد استفاق المصرين فى مثل هذا اليوم رافعين أعناقهم إلى السماء ومتلاحمين بصدورهم وقلوبهم مع قادتهم وجيشهم بعد أن أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا فى 18 يونيو 1953 بإلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية وصولًا إلى معاهدة الجلاء وكسر احتكار السلاح حتى وصلنا إلى قرار الرئيس عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس وغيرها من الشركات، والصمود أمام العدوان الثلاثى حتى خرجت مصر منتصرة واستردت قناتها واقتصادها، وبذلك اكتملت كل معالم ثورة 23 يوليو 1952 وهو ما تجلى واضحًا فى الفترة من عام 1956 حتى نهاية حرب أكتوبر 1973، وبذلك استطاع الشعب المصرى أن يسترد حقه الشرعى فى اختيار حكامه، وتم تعيين اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية كما تولى الحكومة،وفى 14 نوفمبر 1954 قرر مجلس الثورة إعفاء محمد نجيب من جميع المناصب التى كان يشغلها، كما قرر أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرًا وأن يستمر مجلس الثورة فى تولى كافة سلطاته برئاسة جمال عبد الناصر، حتى أُجرى استفتاء على شخصية رئيس الجمهورية بعد حوالى عام ونصف وانتخب جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية فى 23 يونيو لتستمر تلك المسيرة المضيئة التى حققت أهدافها فى كل اتجاه ووقفت مع كل المستعبدين من شعوب الأرض من اجل استرداد أرضهم واستقلالهم من براثن الاستعمار لترفرف أعلام الحرية فى كل مكان انطلاقا من شعلة التحرير التى قادتها مصر ضد الظلم والاستعمار فى الوطن العربى وفى العالم الثالث وفى حركة عدم الانحياز ،وغيرها من هبات رياح ونسمات الخير التى حلت على الشعوب لتغير مجرى التاريخ وترفع رأس الإنسان الذى كرمه الله ورفعه على سائر المخلوقات. وسوف تظل ثورة ال23 من يوليو المجيدة علامة بارزة وفارقة فى تاريخ مصر والعالم، ونقطة تحول رئيسية فى تاريخ مساره الوطني، بما قدمته من إنجازات حضارية كبيرة، ولما أجرته من تحولات جذرية فى جميع جوانب الحياة ما نزال نتمتع بها جميعًا ونبنى عليها طريقنا بثبات نحو المستقبل.