شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    مشاركة فعالة لجامعة قناة السويس في مؤتمر تفعيل القيادات الطلابية باللجان الرياضية    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    وزير الشؤون النيابية: الحكومة تقدم أجندة تشريعية مرنة كل دورة برلمانية    سعر الحديد مساء الجمعة 22 أغسطس 2025    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    وقفة للجالية المصرية بفرنسا دعماً لمصر ورفضاً لأي اعتداء على بعثاتها الدبلوماسية    حماس: تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    حماس: تصريحات كاتس «اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي»    زيلينسكي: لا يوجد أي اتصال مع روسيا بشأن محادثات السلام    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يدينون خطة إسرائيل الاستيطانية الجديدة    لا يخسر في بريميرليج و18 مساهمة.. هل يواصل صلاح إسقاط ضحيته "نيوكاسل"؟    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر ريتشارليسون.. وانخفاض عدة لاعبين    بروكسي يتعادل مع مالية كفر الزيات في افتتاح مباريات دوري المحترفين    «حماة الوطن» ينظم حلقة نقاشية حول تعديل قانون الرياضة    حبس متهم لإدارته ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء بالشرابية    «تسريب غاز».. مصدر أمني يكشف سبب صوت الانفجار بموقف سيارات ملحق بمطار القاهرة    ضبط سائق لاستيلائه على سيارة ومبلغ مالي من شركة بالسلام    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    6 مصابين من أسرة واحدة في حادث انقلاب سيارة ملاكي في بني سويف    "أحرج معجبة حاولت مصافحته".. علي الحجار يثير الجدل:"مينفعش يعني"    بادشاه لسعد القرش.. قصص فلسفية شاعرية تشتبك مع القضايا الكبرى    الوادي الجديد تبحث إنشاء منصة إلكترونية للمواقع السياحية والأثرية    "قالتلي إلحقني".. محامي شيرين عبد الوهاب يصدر بيان بشأن عودتها ل حسام حبيب    التفاؤل ماليهم.. ما هي الأبراج التي لها نظرة إيجابية ؟    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة في ماليزيا.. أحمد كريمة يكشف الحكم الشرعي    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    الكروم ومرض السكر.. مكمل غذائي مساعد لا يغني عن العلاج الدوائي    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    ضبط لص حاول سرقة حقيبة من شخص فى العمرانية    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    مصر تحصد فضية الريشة الطائرة بالبطولة العربية المدرسية بالأردن    حقيقة حرمان خريجي البكالوريا من الالتحاق بعدد من الكليات    مرموش: لم تفاجئني بداية إيكيتيكي مع ليفربول.. وصلاح الأفضل    ضبط 400 قضية مخدرات وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال يوم    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    العين مرآة العقل.. وهذه العلامة قد تكشف مرضًا عقليًا أو اضطراب نفسي    محافظ مطروح يستقبل رئيس جامعة الازهر لافتتاح مقر لكلية البنات الأزهرية    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    صحيفة عبرية: نتنياهو يشجع بن جفير وسموتريتش على تقويض فرص التوصل إلى اتفاق    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    ثائرٌ يكتُب    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع بيع مصر
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 01 - 2013

يبدو لي أن مصير الدولة في رؤية جماعة الإخوان المسلمين، أقرب إلي بنود وصية كتبها أحد أبطال رواية شهيرة ل 'ديستوفيسكي' اسمها 'الشيطان' فقد كانت بنود الوصية تقول، إن الرجل قرر أن يوزع ثروته بعد موته علي خدمة الصناعة، وأن يهب هيكله العظميّ لتعليم طلاب كلية الطب، أما ما تبقّي منه وهو جلده، فقد أوصي بسلخه لتُصنع منه طبول قوية يُدقّ عليها إيقاع النشيد الوطنيّ، صباح مساء.
وإذا كانت الثروة والأصول الوطنية، سوف يتم العصْف بها ، وارتهانها خارج الوطن لستة عقود علي الأقل، وإذا كان الهيكل العظمي للدولة، مؤسسات وهياكل إنتاج، سوف يتم فتح الباب علي مصراعيه أمام الاحتكارات الدولية للاستحواذ عليها، وفق مشروع الصكوك السياديّة الإسلامية، فإن ما سيتبقي في النهاية من الدولة، أينما ذهبت الأصول وهياكل الإنتاج، لن يكون سوي الجلد الرقيق ذاته، الذي يمكن أن يستخدم طبولا، للتنبيه إلي بقاء الوطن حيّا، فيما تبقّي من أناشيده أو ذاكرة أهله المنكوبين.
نحن للأسف لا نقرأ الظواهر والتوجّهات والأقوال إلا بالتجزئة، فلا نقيم الروابط العضوية الطبيعية بين مفرداتها وأطرافها، كي نستبين هيكلها الكامل الذي يواجهنا ووجهها الحقيقي، بكل ما يكتنفه من دمامة وقبح، لقد انتابني هذا الشعور بعمق، وأنا اتفحّص بنود مشروع الصكوك السياديّة، التي تم تعطيرها باسم الإسلام، لإبعاد روائح العفونة الكامنة فيها عن الأنوف، قبل أن استحضر بشكل عفوي إلي جوارها عدة ظواهر وتوجهات وأقوال، يمكن للوهلة الأولي إدراك أنها جزء لا يتجزأ منها، ولو أن الروابط بينها لا تبدو مستقيمة ولا ملتحمة، ذلك أنها جميعها تدخل في باب واحد هو: باب السيادة الوطنية، أو قل إذا أردت الدقة: نفي السيادة الوطنية، وإذا كان مشروع الصكوك السيادية هو بدنها، فإن وعود د. مرسي الانتخابية بالحصول علي 200 مليار دولار من الخارج هي نطفتها الأولي، في الوقت الذي تمثّل فيه المادة 145 من الدستور المختطف، أطرافها، وإذا كانت تصريحات د. العريان التي منحت اليهود المصريين حق العودة هي حنجرتها وفمها، فإن عملية إدارة تعويم الجنيه المصري القائمة الآن، وما يصاحبها من زيادة الضرائب ورفع الدعم، هي الوقود السائل الذي يتم صبّه في آلتها بوصفها جزءًا من الاتفاق أو التوافق مع شروط البنك الدولي، ومنظومة الاحتكارات الدولية.
وربما لهذا يبدو أننا بصدد خطوات وتوجهات ومشروعات وتصريحات، ليس للعشوائية أو المصادفة نصيب فيها، فهي مقررة ومرتبة، بل هي سابقة التجهيز.
أما الوعود الانتخابية ذات ال 200 مليار دولار فهي معروفة ومشهرة، وقد تعرض د. مرسي بسببها إلي نقد لاذع، بسبب ما بدا من أنها وعود في الفراغ، دون أن يفطن أحد إلي أنها وعود جادة، في إطار استراتيجية متكاملة لبيع الأصول الوطنية، وأما المادة 145 من الدستور، فهي تتيح لرئيس الجمهورية منفردًا تمثيل الدولة في العلاقات الخارجية، وإبرام معاهدات تسمح بتقسيم الأراضي المصرية، وتغيير الحدود، افتئاتًا علي حقوق السيادة المطلقة، وذلك دون الرجوع إلي مجلس الوزراء، اكتفاء بموافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وهي مادة تم الإصرار علي تمريرها بالتحايل، في مواجهة رفض ممثل القوات المسلحة في لجنة إعداد الدستور، بحذفها من المادة 150 وإضافتها إلي المادة المذكورة، وأما 'وعد العريان' لليهود المصريين فهو أشد ما يكون تلازما وارتباطًا ببنية مشروع الصكوك السيادية، الذي يرتبط بدوره بالأمرين السابقين، وأما إدارة تعويم الجنيه المصري القائمة الآن باسم التصدي للمضاربة علي سعره، فهي بدورها وما سينتج عنها من آثار، بمثابة تخفيض عيني لأسعار هذه الأصول السيادية وهياكل الإنتاج، تسهيلاً لعملية تسويقها، في ظل حاجة ملحّة، وعملة متداعية، وبالتالي أسعار بخسة.
وإذا كان جسم التوجه، هو مشروع الصكوك السيادية، فإن التوقف أمام بنوده ينبغي أن يحظي بالأولوية.
سوف تجد في المادة الأولي من نصّ مشروع الصكوك السيادية، ما يلفت بقوة إلي تحديدين ملزمين هما: توصيف الصكوك بأنها 'سيادية' وأن قانونها وأحكامها تتمتع بدورها بالسيادة، فقد أسبغت علي نفسها سلطة سيادية فوق كل أحكام أي قانون آخر يتعارض مع أحكامها، أي أنها صكوك فوق حقوق السيادة الوطنية والاقتصادية والقانونية، التي تسري أحكامها كافة علي ما عداها من الحقوق والقوانين، سواء أكانت سابقة أو قائمة أو تالية، وبالتالي فنحن أمام صكوك لا سيادة لقانون أو حكومة أو سلطة عليها، فهي فوق سلطة الحكم وسلطة التشريع، وسلطة الدولة، وهو ما يعني أننا بصدد إنشاء دولة جديدة موازية في مصر هي 'دولة الصكوك' التي تتمتع بسيادة كاملة ومستقلة، لا تقبل الطعن بكل صوره وأشكاله، وسوف تجد عندما تنغمس في تلافيف المواد المؤسسة لهذه الدولة الجديدة الموازية، أن القواعد المنشئة لقيم هذه الدولة ذات السيادة، يمكن أن تُستخلص تحديدًا فيما يلي:
أولاً: أن الطريق أمامها مفتوح كي تصدر أوراق مالية اسمية، سواء بالجنيه المصري أو العملات الأجنبية.
ثانيًا: أن الطريق أمام صدورها مفتوح من الناحيتين: الاكتتاب العام أو الخاص، أي المغلق 'وغير المحدد الملامح'.
ثالثًا: أنها ستمثل حصصًا شائعة في ملكية الأصول الوطنية 'أعيان أو منافع أو خدمات أو خليط منها أو ملكية موجودات مشاريع بعينها'.
رابعًا: أن حق الانتفاع للمالكين من حملة هذه الصكوك داخل دولتها المستقلة، يعني حق الاستخدام الكامل للأصول بشرط واحد، ألا يؤدي هذا الاستخدام الكامل إلي فناء هذه الأصول، أما ما دون فنائها، وهو تعبير أكثر اتساعًا من تعبيرات أخري، مثل إتلافها أو تغيير وظيفتها... الخ، فهو جزء من الحقوق الثابتة والدائمة.
خامسًا: أن حق الانتفاع هو دالة علي الملكية الكاملة، ولذلك فهو حسب بنود المشروع، لا يتطلب شهرًا أو تسجيلاً، لسنده أو للعقود المرتبطة به 'لأنه من الطبيعي ألا يرتبط تسجيل الملكية أو نقلها للغير في دولة الصكوك ذات السيادة، بإعادة تسجيلها في دولة أخري لا تخضع لأنظمتها أو لوائحها القانونية'!
سادسًا: حقوق الملكية تشمل جميع الحقوق المقررة شرعًا حسب نص المادة الثانية والتي هي أكثر اتساعًا بدورها، من حقوق البيع والرهن والوصية، فمن بينها دون نصّ حق التفويض والتنازل والهبة. والاندماج في كل أو جزء من حقوق الملكية الأخري الشائعة، في أصل وطني بعينه، أو بقية الأصول الوطنية، أي أن كل صكوك منشأة بعينها أو أصل بعينه، يمكن أن تنتهي في يد مالك واحد، سواء أكان فردًا أو شركة أو بنكًا أو دولة.
سابعًا: تنقسم أهم أنواع هذه الصكوك، وهي 'صكوك الإجارة' إلي نوعين: صكوك ملكية الأصول القابلة للتأجير، وهي تخص تمويل شراء أصل أو عين قابلة للتأجير، سواء أكانت مؤجرة أو موعود باستئجارها، حيث يمثل الصك حصة شائعة في ملكية الأصل ماديًّا أولاً، وعلي سبيل المنفعة ثانيًا، وفي الحصول علي أجرتها بعد تأجيرها ثالثًا، أما النوع الثاني، فهو صكوك ملكية الأصول القابلة لإعادة التأجير، وهي تخص تمويل شراء أصول مؤجرة، حيث يمثل الصك حصة شائعة في ملكية منفعة الأصل دون مادته، وفي أجرتها، ويحق لمؤجرها أن يعيد تأجيرها لمن يشاء من الباطن بنص القانون، ويمكن للتقريب تمثيل الصنف الأول من 'صكوك الإجارة' بصكوك ملكية الأراضي التي تمثل أضلاع قناة السويس وتخومها علي الجانبين، وهي صكوك ملكية مادية، ولكنها مفتوحة للغير من المالك الأول، إلي مالك آخر، أو مُلَّاك آخرين أيًّا كانوا دون قيود، كما هي صكوك منفعة يمكن تأجيرها للآخرين أيًّا كانوا أيضًا ودون قيود، أما الصنف الثاني من هذه الصكوك، فيمكن تمثيله بصكوك تأجير منفعة المجري الملاحي ذاته، وهي صكوك منفعة وتأجير من الباطن بنص القانون، وكلا الأمرين يتم داخل 'دولة الصكوك' بحقوق كاملة السيادة، خارج إطار سيادة الدولة.
ثامنًا: سلطة إصدار هذه الصكوك السيادية، ليست في يد الحكومة وحدها، ولكنها إضافة إليها في يد 'الهيئات العامة' و 'وحدات الإدارة المحلية' و'الأشخاص الاعتبارية العامة' بعد موافقة الحكومة، أما وزير المالية فتقتصر مهمته علي الإدارة في هذا الصنف من الصكوك.
تاسعًا: تستخدم حصيلة الصكوك بالترتيب في دعم الموازنة العامة للدولة، ثم المساهمة في تمويل وتطوير المشروعات التي يحددها مجلس الوزراء، ثم غيرها من المصارف الشرعية 'غير المحددة'، أي أننا سنبيع هذه الأصول السيادية، أو نرهنها في الحد الأدني، كي نضخ عوائدها في الإنفاق العام، تمامًا كمن يبيع أعضاءه الحيوية، ليأكل بثمنها.
عاشرًا: ينفرد رئيس الجمهورية وحده، بقرار تحديد الأصول الثابتة المملوكة للدولة، التي تصدر مقابلها الصكوك أي أنه ينفرد بتحديد الأصول السيادية المملوكة للدولة، التي يقوم ببيعها أو رهنها أو وضعها بمقابل غير محدد، تحت سيادة أخري غير سيادة الدولة، ويمنحها بالمقابل حق بيعها أو تأجيرها للآخرين المجهولين، وهو ما يشكل أخطر بنود القانون دون شك، وتتوقف مهمة مجلس الوزراء، علي عرض هذه الأصول عليه لانتقاء منها، أما الأصول المنقولة فيحددها رئيس مجلس الوزراء، ويتوقف دور وزير المالية علي عرضها الأخير.
حادي عشر: أمد السيادة علي الأصول السيادية للمنتفعين بالصكوك بجميع أنواعها 60 عامًا كاملة، ولا موانع ولا شروط لإعادة تأجيرها للجهات نفسها، أو بيعها نهائيًّا لصالحهم، بعد انتهاء هذه العقود الست.
ثاني عشر: يعطي المشروع لغير المصريين عربًا أو أجانب، حق جمع الأموال من المصريين عبر الصكوك، أي أن المشروع في جانب منه، لا يخرج عن السماح بقيام شركات توظيف أموال غير وطنية، لا تضخ أموالاً للاستثمار في مصر، ولكنها تحصل علي أموالها واستثماراتها من عموم المصريين، بضمانات من الحكومة المصرية.
ثالث عشر: يمنح المشروع للأجانب إمكانية الدخول في عمليات الملكية أو التأجير طويل الأمد، لمشروعات البنية الأساسية في المياه والكهرباء والصرف الصحي، وفق نظام B.O.T وهو نظام اضطر النظام السابق إلي العدول عنه، نظرًا لمقاومته الشديدة من جانب منظومة الأمن القومي لآثاره الوخيمة علي أسعار الخدمات المقدمة للقاعدة الاجتماعية العريضة، وعلي تجريف الأرصدة الوطنية من العملات الأجنبية، التي يتم نزحها إلي الخارج بموجبه.
رابع عشر: تربط بنود القانون بين إصدار الصكوك، ومشروعات ومرافق عامة للدولة غير محددة، وهو ما يعني أن المشروع من جانب منه، يتوجه إلي خصخصة ما تبقي من القطاع العام، والشركات المملوكة للدولة.
خامس عشر: أما وجه الغرابة الأخير في المشروع فيتعلق ببند العقوبات التي يتضمنها، وإذا كان من الطبيعي أن تحدد عقوبات لمن يقوم بسوء قصد بتقويم الحصص العينية بأقل من قيمتها، أو من يذكر عمدًا بيانات غير صحيحة في الميزانيات أو حساب الأرباح والخسائر، أو يخالف أحكامًا بعينها في القانون، وكلها جرائم حرص القانون علي أن يحدد آليات تجاوزها والعفو عنها بتعبيرات مقابلة، مثل حسن النية، أو عدم العمد، لكنه ليس طبيعيٍّا، أن تكون عقوبة السجن مُشْهَرَةً في وجه كل من أفشي سرًا اتصل به بحكم عمله تطبيقًا لأحكام القانون الخاص بهذه الصكوك السيادية، وكأننا لا نقيم 'دولة الصكوك' مستقلة السيادة فحسب، ولكن 'دولة الصكوك' التي تحيط نفسها بجدار عازل، يلاحق السجن كل من يخترق أسوارها، أو من ينقل جانبًا مما يدور داخلها إلي الدولة الأم، باعتباره يفشي أسرارًا لا يجوز البوح بها علي جانب، وباعتبار الأخيرة مجردة تمامًا من السيادة عليها، علي الجانب الآخر!
لقد جاء موقف مجمع البحوث الإسلامية برفض المشروع، تعبيرًا قويًّا عن حس وطني رفيع، وعن عقيدة وطنية راسخة، تستحق الإكبار والتقدير، خاصة أن مضمون رفضه استند إلي رؤية موضوعية لحقيقة أن المشروع هو بداية لبيع مصر، والسماح للأجانب بامتلاك أرضها ومؤسساتها وملكياتها العامة، وهو ما وضع جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة في تلافيف أزمة حقيقية، لم يكن ثمة سبيل للإفلات منها ومن دائرتها المغلقة، سوي الطعن، لا في المشروع ذاته فحسب، بل في وزارة المالية التي صُورّت علي أنها انفردت به، بل تآمرت عليه وعلي أصحابه الأصليين، غير أن الأمر لا يخلو في تقديري من محاولة لإعادة طبخ المشروع بمحسنات شكلية جديدة، قد تغطي علي بعض عواره بغية إعادة تجميع ضغوط إضافية لتمريره من جديد، والشاهد علي ذلك أمران، الأول أن المشروع قد تم عرضه علي مجلس الوزراء، وقد تمت الموافقة عليه وإحالته بقرار منه إلي مجمع البحوث الإسلامية، لإبداء الرأي فيه من زاوية واحدة هي الصفة الإسلامية، التي تم لصقها علي صدره، والثاني أنه عندما شكَّل مجمع البحوث الإسلامية، لجنة مختصة مصغرة في البداية لدراسته قبل عرضه علي المجمع بكامل أعضائه، تعرضت اللجنة لضغوط هائلة من جانب أعضاء من الإخوان في الحكومة، لإقراره والموافقة عليه، ولكنها انحازت إلي ضميرها الوطني، وأهملت الضغوط الإخوانية، وحتي في إطار اجتماع المجمع بكامل أعضائه في المرحلة التالية، فقد كانت هناك فئة قليلة من الأعضاء تعد علي أصابع اليد الواحدة، بلغ إصرارها علي تمرير المشروع، حد التهديد بانسحابها من الاجتماع، إذا استمر رفض الأغلبية الساحقة من أعضاء المجمع له، وسوف يكون من قبيل السذاجة المفرطة فوق ذلك تصور أن موافقة الوزراء الذين ينتسبون لجماعة الإخوان علي المشروع، لم تكن تالية علي عرضه علي الجماعة، وموافقتها عليه، بغض النظر عن دورها المؤثر في صياغة بنوده.
والحقيقة أن المنطق ذاته الذي تعامل به حزب الحرية والعدالة، مع رفض المشروع من قبل مجمع البحوث الإسلامية، بعد أن بدت سوءاته، هو ذاته المنطق الذي تعامل به مع تصريحات 'العريان' عندما فجرت مساحة مشتعلة من الغضب في صفوف الرأي العام، رغم وسام لقب البطل المحب للشعب اليهودي، الذي تم خلعه في قلب إسرائيل، ففي الحالتين كانت المواجهة هي التنكر والإنكار ودفع الضرر وإلحاقه بالغير أو بأصحابه المباشرين، سواء أكانت وزارة المالية أو شخص نائب رئيس الحزب ورئيس أغلبيته البرلمانية الكاسحة، ومستشار رئيس الجمهورية، الذي لا ينطق بحكم الطبيعة الخاصة للجماعة والحزب، عن اجتهاد ذاتي، رغم أنه تحمل الهوان وغرس خنجره بيده في صدره.
عن أي مشروع إذن نتحدث، وعن أي علاقة بينه وبين الإسلام العظيم، بشفافيته وبرّه وعدله وتقواه، أنه في الحقيقة رغم الصياغة الإسلامية الزائفة التي طلي وجهه بها، ليس مشروعًا ولا قانونًا، ولكنه عمل لا يدخل في باب السياسة أو الاقتصاد، بقدر ما يدخل في باب الجريمة المنظمة، فلا يشبهه ولا يدانيه، انحدارًا وتواطؤًا وتفريطًا ودونية، أي عمل سابق أقدمت عليه سلطة حاكمة علي امتداد التاريخ الوطني كله، بما في ذلك أولئك المتمصرون من أبناء محمد علي، الذين جلسوا علي مقاعد الحكم بعد أن تم تقويض مشروعه، وتم فتح الباب علي مصراعيه قسرًا أمام أكبر عملية نهب استعماري منظم، تعرض لها البلد في القرن التاسع عشر، من خلال استراتيجية الديون، والتغلغل والسيطرة المالية والاقتصادية، والاستحواذ علي الأصول، والتي لم تكن جميعها أكثر من جسور طبيعية للاحتلال العسكري المباشر.
.... ويا أيها المتمركزون علي ذواتهم، المتدافعون بحثًا عن قطعة باقية من كعكة السلطة، المتخلفون عن نبض شارع يموج بالفقر والإحباط والغضب: مصر في قلب الخطر، وهو خطر لا يدانيه خطر آخر، لا خطر التهديد بقعقعة السلاح المكدّس في الزوايا والسراديب، ولا خطر العدو المتربص علي الحدود، فكيان الوطن تحت التهديد، وعنقه تحت السكين، وجسده تحت منشار التقسيم، ولم يعد الأمر أمر أزمة، أو حتي معضلة، وإنما أمر محنة حقيقية، عليها أن تصطفي ناسها، ورجالها، وجنودها، إن كنتم صادقين....
وللحديث تواصل وبقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.