الأمير محمد بن سلمان.. رؤية استشرافية تصوغ خارطة المستقبل لرائد الإدارة الحديثة «بيتر دراكر» عبارة شهيرة تقول: «أفضل طريقة لتوقع المستقبل هى المشاركة فى بنائه».. وأعتقد أن تلك المقولة قد تجسدت فعليًا فى الأمر الملكى السامى الذى أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- يوم 21 يونيو 2017م، والقاضى بتعيين صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، مع استمراره وزيرًا للدفاع. وقد مثّل تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد تدشينًا لحقبة جديدة فى تاريخ الحكم السعودى بتولى الجيل الشاب والثالث (أحفاد الملك المؤسس) المسئولية، وهو ما يعنى باختصار أن المملكة بقيادة الملك سلمان تتجه نحو المستقبل بقلب مفتوح، وبعقل واعٍ يدرك حجم المتغيرات العالمية. لقد مر عامان إذًا على تولى الأمير الشاب ولاية العهد، استطاع فيهما أن يحقق الإنجاز تلو الآخر بيد صلبة لا تعرف الارتعاش، وبرؤية شاملة لمجتمع عظيم الإمكانات يجب استغلالها بكفاءة واقتدار حتى تكون المملكة العربية السعودية «أكثر قوة وقدرة» فى عالمها وفى إقليمها على كافة الأصعدة.. السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية..إلخ. زمن جديد يمثل الأمير محمد بن سلمان زمنًا جديدًا فى عالم اليوم ظهرت إرهاصاته حتى قبيل توليه ولاية العهد حين أعلن فى 25 أبريل 2016 - وكان وقتها وليًا لولى العهد - عن رؤية المملكة 2030، والتى قام بإعدادها «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» برئاسة الأمير محمد بن سلمان، وقد تضمنت الرؤية العديد من الخطط الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، متطلعةً إلى إنجازات وطنية فى مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. كما عمل سمو ولى العهد على تطوير صندوق الاستثمارات العامة (سموه رئيس لمجلس إدارته) عبر تطوير استراتيجية الاستثمار بالمملكة، والعمل على تحقيق أرباح مالية كبيرة للدولة. ونشير هنا إلى تقرير لمجلة «بلومبيرغ» الأمريكية وصف الأمير محمد بن سلمان بمهندس الخطة التى تسعى للإصلاح الاقتصادى فى المملكة، والتى من خلالها نتج برنامج التحول الوطنى 2020، والذى يهدف إلى الاعتماد على عدة مصادر اقتصادية وليس النفط فقط، وتحقيق توازن مالى بالمملكة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. عنان السماء حين أطلق ولى العهد عبارته الشهيرة «طموحنا عنان السماء»، كان يعنى تمامًا ما يقول إلى الدرجة التى باتت معها هذه المقولة بمثاية الأيقونة التى يرددها الشباب السعودى حين يتحدثون عن الأمل والطموح. وتتجسد هذه المقولة فى هذا الكم من المشروعات الاستراتيجية الكبرى التى كان وراءها الأمير محمد بن سلمان ضمن «رؤية 2030»، ومنها مشروعات: القدية - البحر الأحمر- سبارك، وكذلك مشروع «نيوم» أحد أهم المشروعات على الإطلاق، والذى يوفر فرصا تكاد تكون خيالية، ويهدف إلى تطوير قطاعات اقتصادية رئيسية للمستقبل. وهنا نتذكر مقولة سمو ولى العهد الشهيرة « لا مكان فى نيوم إلا للحالمين». رؤية شاملة يحمل سمو ولى العهد لوطنه رؤية إصلاحية شاملة تهدف إلى «بناء الإنسان» عبر تنميته وتفجير قدراته .. تعليميًا وثقافيًا واجتماعيًا.. لا سيما وأن الأمير الشاب ممن يؤمنون بالشباب ودورهم المفصلى فى تحقيق طموحات المستقبل حيث إن المملكة «دولة شابة» إذ يتخطى شبابها حيز ال (65%) من عدد السكان. ومن جانب آخر، يؤمن سمو ولى العهد بالمرأة (باعتبارها نصف المجتمع) ودورها فى تحقيق التنمية المنشودة، ومن هنا لم يكن غريبًا أن يكون سموه أكبر الداعمين للمرأة السعودية، وهو ما تجسد فى القرارات غير المسبوقة لصالح المرأة مثل: قيادة السيارات، والمشاركة فى الأنشطة الرياضية المتعددة، ولانتشار فى سوق العمل بكل رحابة، فضلًا عن توليها العديد من المناصب القيادية المرموقة. ولا ننسى فى السياق ذاته، الحرب الضروس التى شنها الأمير محمد بن سلمان على الفساد بكل أشكاله، والتى طالت كل من تورط فى الفساد مهما كانت وظيفته أم مهامه أو وضعه. وسطية الإسلام تعكس القرارات والخطوات المستنيرة التى كان وراءها الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رؤيته للإسلام كدين للوسطية والاعتدال، مشيرًا إلى أن رؤيته الإصلاحية الخاصة بتطوير المجتمع السعودى ترجع إلى أصول الإسلام التى أساء البعض تفسيرها فى عصور لاحقة حيث قال سموه - خلال حوار مطول مع الكاتب الأمريكى «توماس فريدمان» ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية -: «نحن لا نعيد تفسير الإسلام، بل نعيده إلى أصوله، وأهم أدواتنا هى سنّة الرسول». كما ربط سمو ولى العهد رؤيته الإصلاحية بالتقاليد السعودية التى كانت سائدة حتى وقت قريب، قائلًا: إن من أدوات رؤية 2030 لتطوير الحياة الاجتماعية بالمملكة هي: الحياة اليومية فى السعودية قبل عام 1979م، علمًا بأن ذلك العام هو الذى قامت فيه ثورة الخمينى فى إيران، والقائم دستورها على نشر فكر ما يسمى ب»الصحوة الإسلامية» الخاصة بنشر التكفير ونشر الانقسامات بين أبناء المجتمعات. مواجهة الإرهاب تعهد الأمير محمد بن سلمان بالقضاء على الإرهاب والتطرف بمقولة تاريخية أكدتها الأفعال: « لن نضيع 30 عامًا أخرى مع المتطرفين.. سنقضى عليهم».. ومن هذا المنطلق، كان التحرك السريع فى 2015 م بتولى سمو ولى العهد مهمة عملية «عاصفة الحزم» ومواجهة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران التى تحارب الشرعية باليمن، وقد وضعت هذه العملية حداَ لتطرف الحوثيين، وساعدت على بناء قوة عربية مشتركة للتصدى لتدخلات إيران فى المنطقة. ويضم التحالف الدولى الذى تقوده المملكة نحو 44 دولة تعهدت بتقديم أقصى ما تمتلك من قدرات لمحاربة الإرهابيين فى العالم الإسلامي، مع التأكيد على ضرورة مواجهة الإرهاب فى جميع النواحي: السياسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية. ولا شك أن الأمير محمد بن سلمان كان وما زال لاعبًا رئيسيًا فى تنسيق العمل العربى المشترك من أجل مواجهة التدخلات الإيرانية والأعمال التخريبية فى المنطقة، وكان قطع السودان لعلاقاته مع النظام الإيرانى إحدى نتائج جهوده فى هذا الصدد، وكذلك لا ننسى القمم الثلاث (الخليجية- العربية- الإسلامية) التى عُقدت مؤخرًا بمكة المكرمة فى نهاية شهر رمضان المبارك. ويبدو إصرار سمو ولى العهد على تطوير القدرات العسكرية للمملكة واضحًا للعيان، وهو الأمر الذى تجسد فى تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية، بسبب جهود سموه المستمرة فى سبيل إعادة تنظيم أعمال وزارة الدفاع، والاهتمام بقطاع الصناعات الحربية، إضافةً إلى تعضيد العلاقات العسكرية مع الولاياتالمتحدة عبر شراء أحدث الأسلحة، فضلًا عن تنويع بعض مصادر السلاح. هكذا وصفوه فى عام 2017م، اختارت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية الأمير محمد بن سلمان، ضمن «قائمة الخمسين» الخاصة بأكثر من 50 شخصية تأثيرًا فى مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا، ممن تَرَكُوا أثرًا على مسار التجارة فى العالم خلال ذلك العام. كما وصفته شبكة (سى إن إن) العالمية بأنه الأمير الذى يحاول تغيير العالم. أما (سى ان بى سي)، فوصفته ب ( الأمير الذكى الذى يملك رؤية إستشرافية رائدة ومذهلة)، فيما وصفته الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى ب (رجل المرحلة)، بينما وصفناه نحن أبناء المملكة ب «طموح أمة». كاتبة سعودية، ورئيسة تحرير مجلة «مملكة الاقتصاد والأعمال»