الخارجية الأمريكية تحث رعاياها في إسرائيل والشرق الأوسط على توخي الحذر والاستعداد للطوارئ    «بيطلع عيني».. تعليق مثير من كوكا بشأن مشاركته بدلاً من علي معلول    عيار 21 يسجل رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 13 يونيو بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالأسماء.. وزير البترول يصدر حركة تنقلات وتكليفات بشركات القطاع    رسميًا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 13 يونيو 2025    بكم الطن؟ سعر الأرز اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 في الأسواق    قمة شباب بريكس للطاقة: دعوة لتحول عادل وشامل بقيادة الأجيال الشابة    محافظ كفر الشيخ: تنفيذ 9 قرارات إزالة على مساحة 800م2 بمركز دسوق    تعرف على موعد صرف مرتبات العاملين بالدولة والزيادة الجديدة    مريم الثالثة على "ابتدائية الأزهر - مكفوفين": أختي كانت عيني بشوف بيها    وظائف بمستشفيات جامعة عين شمس.. الشروط والتقديم    صورة الوداع الأخيرة.. قصة عائلة هندية قضت في الطائرة المنكوبة    بأغلبية ساحقة.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارًا يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة    إعلام إسرائيلي: المجلس الوزاري الأمني المصغر يبحث التغييرات التي اقترحها الوسطاء على مسودة ويتكوف    بعروض مبهرة.. الأوبرا المصرية تحتفل بعيد روسيا الوطني في أجواء فنية ساحرة| صور    فابريزيو رومانو يكشف خريطة انتقالات ليفربول قبل الموسم الجديد    جامعة السويس تعلن تفاصيل برامج الجامعة الأهلية الجديدة    محمد شكري: لم يتواصل معي أي شخص من الأهلي    محمد هاني يتحدث عن.. المنافسة في المونديال.. وانضمام زيزو إلى الأهلي    كأس العالم للأندية - المجموعة الثالثة.. صراع أوروبي لاتيني وضيف شرف دائم    جمال حمزة: الزمالك واجه صعوبات كثيرة.. ويعاني من مشكلة هجومية    «لو عنده 70 سنة متديلوش مساحة».. عماد متعب يحذر لاعبي الأهلي من ميسي    شاهد، لحظة تتويج سيراميكا كلوباترا ببطولة كأس الرابطة للمرة الثالثة    حمدي فتحي: احترم ميسي ولا أخشاه.. ونمتلك فريقًا لا يقل عن أندية أوروبا    4 سيارات إسعاف وفرق حماية مدنية للسيطرة على حريق مركز ولادة في المنيا    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 برقم الجلوس محافظة الغربية (فور إعلان الرابط)    «غدروا بيه».. جنازة «أحمد المسلماني» تاجر الذهب في البحيرة (صور)    أب يلقي مادة كاوية على ابنته لشكه في سلوكها بالغربية    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 38.. حالة الطقس اليوم    الأول إعدادي أزهري بالسويس: القرآن سر تفوقي    السيطرة على حريق في مصنع دون إصابات بمنطقة أوسيم غرب الجيزة    عاشا معًا وماتا معًا.. حادث قطار ينهى حياة صديقين فى دشنا بقنا    منة شلبي ترقص ب"الصاجات" في حفل زفاف منة عدلي القيعي (صور)    محمد دياب عن فوز فيلم «هابي بيرث داي» ب3 جوائز: شكرًا لكل اللي شارك    الآلاف يشيعون جثمان تاجر الذهب أحمد المسلماني ضحية غدر الصحاب في البحيرة (فيديو وصور)    تكريم نوال عبد الشافي عن أغنية " هي جت عليا" في مهرجان international fashion awards    سلمى أبو ضيف تعلق على رقصها مع زوجها.. ماذا قالت؟    فرص مهنية غير متوقعة.. توقعات برج الحمل اليوم 13 يونيو    تحلّ بالواقعية والوعي المالي.. حظ برج الجدي اليوم 13 يونيو    مثقفون يشيدون بحركة الترجمة بين مصر والصين    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    محافظ قنا يناقش تحديات القطاع الصحي ويضع آليات للنهوض بالخدمات الطبية    محلل سياسي: دعم غزة لا يتطلب الوصول لرفح.. قافلة الصمود قد تخدم أجندات خفية    رغم المراجعة| أستراليا تُشيد بصفقة الغواصات النووية الأمريكية    القومى للبحوث يعقد مؤتمره السنوي بشعار «من الرؤية إلى الواقع.. لغد بصحة أفضل»    مدرسة السكة الحديد فى الجيزة.. تعرف على شروط التقديم والمستندات المطلوبة (تفاصيل)    محافظ قنا: وضع لوائح انضباط على مداخل المستشفيات لبيان حقوق وواجبات المرضى    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    ملك زاهر توجه رسالة مؤثرة من داخل المستشفى    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود كبيش للاسبوع: إذا سقط القضاء سقط العدل وسقطت الدولة
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 04 - 12 - 2012

د. محمود كبيش عميد حقوق القاهرة ل'الأسبوع':
إذا سقط القضاء.. سقط العدل.. وسقطت الدولة الإسلام لم يعرف السلطة المطلقة التي احتكرها مرسي لنفسه
عبدالمجيد محمود أفضل نائب عام في تاريخ مصر.. وأخشي أن يكون عزله بسبب التحقيق في قضايا فتح السجون وقتل المتظاهرين وتزوير الانتخابات
ما كنت اتمني أن يذهب قضاة مصر إلي الرئيس، بل يؤتي إليهم
القضاة لم يتدخلوا في السياسة وما فعلوه دفاعًا عن وجود القضاء
الجمعية التأسيسية باطلة.. والاستفتاء علي الدستور لا يمنحه المشروعية
لا أصدق أن من دافعوا عن استقلال القضاء يدمرون القضاء اليوم
حالة الجدل التي أصابت المجتمع المصري منذ صدور الإعلان غير الدستوري الذي أطلقه رئيس الجمهورية الخميس قبل الماضي، خلفت عواصف سياسية وقانونية ودستورية في مصر، وأثارت حالة من البلبلة الشديدة بين فقهاء القانون والدستور، حيث اتخذت الغالبية موقف الرفض التام للإعلان الذي وصفوه 'بالعمل المادي المنعدم'.. وبين قلة، راحت تبرر للإعلان الاستبدادي، وتحاول ترويجه بين المواطنين.
وبقدر الجدل بين السياسيين، ورجال القانون، بقدر ما خلف الإعلان غير الدستوري حالة من الانقسام الواسع بين أبناء الشعب المصري، من جراء حالة الاستقطاب التي راحت تتسع يومًا بعد يوم، لتنذر بالخطر الشديد علي ما ينتظر المصريين من تداعيات وتطورات، قد تهدد وحدة الوطن بكامله.
قضايا عديدة، وإشكاليات متعددة تطرحها 'الأسبوع' في هذا الحوار مع الفقيه ورجل القانون د. محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
التطورات الأخيرة التي تشهدها البلاد منذ صدور الإعلان الدستوري، وما خلفه من غضب في الشارع المصري، إلي أين يقود البلاد؟
المشهد العام في مصر لا ينبئ بخير علي الإطلاق وأري الأمور ضبابية، ورائحة الدماء تلوح في الأفق.
ولماذا؟
لغياب الوعي الكامل لمن بيدهم السلطة.
هل يعني ذلك أننا نعيش أجواء شبيهة بتلك التي واكبت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؟
أتمني ألا يكون ذلك، وفي هذا فأتمني ألا نناقش المسائل الشرعية علي الإطلاق، فرئيس الجمهورية جاء بإرادة حرة منتخبة، وزوال شرعيته يجب أن يتم عبر هذه الإرادة، لكن لا مجال لهدم القانون والدستور.. أقول إنه لا مجال لإسقاط الرئيس إلا وفقًا للقواعد الدستورية، حتي يمكن أن نلزمه هو بالقواعد الدستورية.
كيف تنظرون إلي دعوات جماعة الإخوان المسلمين لتأييد الرئيس مرسي في كل قرار يعلنه؟
في كل بلاد الدنيا لا يوجد نظام يأتي بأنصاره ليتظاهروا ضد المعارضة، فهذا أمر لم نسمع به أو نعرفه في تاريخ البشرية.
في معرض تبريراتهم للمظاهرات التي كانوا قرروا القيام بها في ميدان التحرير السبت الماضي قبل تغيير موقعها إلي جامعة القاهرة، كانوا يقولون إنهم شركاء في الثورة ولا يجب أن يكون ميدان التحرير حكرًا علي فصيل بعينه؟
هم ليسوا ثوارًا الآن، بل معروف أنهم مؤيدون الرئيس مرسي، وقد أعلنوا تأييدهم له، وللإعلان الدستور بنسبة مائة في المائة، ويؤيدون كل خطواته.. فلماذا ينزلون للتظاهر؟! هذا السؤال مطروح عليهم.
هل تري أن ما يقومون به هو استعراض للقوة؟
ليس الأمر كذلك، بل هناك أمر آخر.
وما هو؟
هم يعرفون أن صدامًا حتميًا سوف يقع إذا ما نزلوا للتظاهر، ويدركون الأمر تمامًا.
في هذا نسألكم: من يتحمل المسئولية الجنائية والقانونية في حال حدوث صدام مع الجماهير؟
سوف تقع المسئولية الجنائية علي من سينزلون من المؤيدين رئيس الجمهورية إذا ثبت احتكاكهم بالمتظاهرين.
خلال محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك كان أحد الاتهامات الموجهة إليه في قضايا قتل المتظاهرين أنه علم ولم يتدخل، هل في حال تفاقم المصادمات وتزايد الضحايا إذا حدث يعد رئيس الجمهورية الحالي مسئولًا عما يحدث؟
مسئولية رئيس الدولة هنا ترتبط بما إذا كان يسهم فيما يحدث أول لا يسهم، وأنا لا أعرف هل الذي يدير الدولة، ويحرك القوي فصيل سياسي، أو تيار معين، لا يملك رئيس الدولة تجاهه شيئًا، أم أنه يسهم فيما يجري.
ولكن ألا يعد مسئولاً قانونيًا عما قد يحدث؟
في هذا الإطار لا يسأل إلا من أتي سلوكًا إيجابيًا أو سلبيًا، ورئيس الدولة عليه مسئولية سياسية، إلا إذا كان لا يستطيع التدخل.
وهل يعفيه ذلك من المسئولية؟
لا.. قد تثار مسئولية رئيس الجمهورية بطبيعة الحال، وحسب دوره، لأن المشكلة أننا لسنا علي يقين ممن هو صاحب القرار الآن في هذا المجتمع.
ولكنه رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية في مصر!
مسئولية مفترضة، والقانون لا يعرف المسئولية المفترضة، فلابد أن تأتي بيقين ودليل علي مسئوليته.
كيف تقرأ تداعيات الإعلان الدستوري حتي الآن؟
مبدئيًا أنا أرفض تمامًا ما يتردد في وسائل الإعلام ولدي السياسيين والقانونيين من وصف ما صدر عن السيد رئيس الجمهورية بأنه إعلان دستوري، فلا يكفي أن أطلق عليه هذا الاسم حتي يكون عملًا دستوريًا، فما صدر من رئيس الجمهورية هو قرار إداري يقترب في انعدامه من العمل المادي، إن لم يكن هو عملاً ماديًا بالفعل، ووصفه بالإعلان الدستوري 'خطأ جهير'.
وما رأيك في هذا الإعلان؟
هو بمثابة الانعدام الكامل، والمخالف كل الأعراف والمواثيق، والدساتير المصرية، وعمل غير مسبوق، خالف كل المبادئ الدستورية في مصر والعالم، خالف المواثيق الدولية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، وخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خالف القاعدة التي تقول بعدم جواز محاكمة الشخص عن فعله مرتين.. الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية مبدأ مستقر في الضمير الإنساني، جرت مخالفته في هذا الإعلان.. هذا الأمر لم يخالف فقط الأعراف والمبادئ الدستورية العامة بل خالف المبادئ التي عرفها العالم عبر التاريخ حتي في المجتمعات البدائية.. لم يعرف الإسلام السلطة المطلقة فهل كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحمل هذه السلطات المطلقة، النبي صلي الله عليه وسلم كان محكومًا بالقرآن الكريم والسنة التي صدرت عنه شخصيًا ولكنها كانت وحيًا يوحي، ما كان له أن يخالف ذلك.. وهذا الكلام لا يستطيع أن ينكره هؤلاء ممن يقولون عن أنفسهم 'إسلاميين'.. فإذا خالف الرسول صلي الله عليه وسلم.. ما الذي كان يحدث؟..
كان ينزل الوحي، فالرسول كان كطبيعة البشر يخطئ ويصيب.. وحين كان يخطئ، كان ينزل الوحي ليصحح.. فمن أين نأتي بوحي الآن ليصحح للرئيس مرسي حين يخطيء؟!.. فالسلطة المطلقة لم يعرفها الإسلام، ولا الأعراف ولا القواعد العامة، ولم تعرفها حتي المجتمعات البدائية.. هذا أمر غير مسبوق علي الإطلاق، أن يحكم رئيس الجمهورية بسلطات مطلقة دون مساءلة.. يمتلك السلطة التأسيسية والتشريعية والقضائية، وفتح الباب أمام اتخاذ قرارات فردية وتشريعية لا حدود لها، واعتداء علي حصانة القضاء بعزل أحد القضاة.
هنا أسألكم عن رأيكم في قرار رئيس الجمهورية بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود ودون حتي العودة لمجلس القضاء الأعلي؟
أولاً، ليس لرئيس الجمهورية سلطة إصدار إعلانات دستورية علي الإطلاق، وهناك من يقول إننا في مرحلة ثورة، وهنا نسأل: هل رئيس الجمهورية جاء إلي الحكم قائدًا للثورة أو رئيسًا للجمهورية جاء للحكم وفق القواعد الدستورية؟.. لو كان قد جاء قائدًا للثورة كان الأمر سيختلف بطبيعة الحال.. هو لم يأت كقائد للثورة حتي يأخذ سلطات ثورية، الرئيس مرسي جاء بناءً علي سلطة دستورية، وفقًا لاختصاصات محددة في القواعد الدستورية الموجودة، وهي المرتبطة بالدستور القائم وقت انتخابه، حيث تحددت له اختصاصات، لا يجب عليه تجاوزها.. اختصاصات أقسم عليها، ومن الأسف ما سمعناه حول أنه سيصوم ثلاثة أيام بسبب الحنث بيمينه أمام المحكمة الدستورية.. هذا الصيام بينه وبين ربه، لكن ماذا سيفعل مع الشعب، لقد أقسم أمام الشعب الذي اختاره، وخالف العهد والميثاق الذي قطعه علي نفسه، فليس له أن يعود إلي السلطة الثورية، لأن هذا يستلزم العودة إلي نقطة البداية، وسنري إذا كانت الثورة ستأتي به أم لا؟!.. لقد تخطينا هذه المرحلة، وثابت وفق القواعد الدستورية العامة أنه لا يجوز أن يعود ليباشر السلطة وفقًا للقواعد الثورية.
سألتكم عن عزل النائب العام؟
عزل النائب العام هو اعتداء صارخ علي السلطة القضائية، ومخالفة صارخة لمبدأ الفصل بين السلطات، ولحصانة القضاء، ومخالفة لاتفاقية استقلال القضاء الموقعة عليها مصر في مونتريال، والذي تؤكد أنه لا يجوز علي استقلال القضاء، ونزاهته، بل إن هذا فيه اعتداء صارخ علي حقوق وحريات المواطنين.
والأمر الآخر لا يتعلق بشخص النائب العام، بل يتعلق بمبدأ أساسي، فكيف تطمئن أنت إلي قاضيك بينما هو لا يطمئن لنفسه، هذه المشكلة، ومن يقول إن هذا لفترة مؤقتة حتي يتم وضع الدستور هو تبريرات يومية، ومكررة، وأعتقد أنها مكتوبة علي ورق وموزعة عليهم للتبرير، وإذا كان الأمر يرتبط بفترة قصيرة فإن هذه الفترة يمكن أن ترتب آثارًا تدمر المجتمع بكامله انطلاقًا من هذه السلطات المطلقة.
والأمر الثاني، فإذا قررت أنها فترة محدودة، فقد قررت إعادة المحاكمات، فهل ستتم المحاكمات الثورية التي يتحدث عنها خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، إذن هم يريدون تمرير شيء عبر مخاطبة عواطف الناس وهنا فليدرك كل من له عقل عدم المتاجرة بدماء الشهداء، فلو أن كل شهيد بعث من مرقده ممن سقطوا في التحرير أو في ميادين مصر المختلفة وسألته: هل ضحيت بروحك من أجل أن تقيم دولة ديكتاتورية؟.. أو من أجل بضعة آلاف من الجنيهات سوف تأخذها؟، أو من أجل أن يؤتي ببعض الناس ويحكم عليهم ظلمًا، وأنت ممن ذاقوا الظلم بقتلك ظلمًا؟.. لقال لك: لا.. لقد ضحيت من أجل مصر، من أجل الحرية والديمقراطية، ومن أجل قيام دولة القانون.
أما النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، فأنا كنت أعرف عنه أنه رجل فاضل ومحترم، ورجل محايد، ويلتزم بصحيح القانون بصفة عامة، ولكن حين سمعته يتكلم في اجتماع الجمعية العمومية الأخير قلت إنه تأكد لدي أنه أفضل نائب عام في تاريخ مصر.. هذا الرجل الذي ظل صامتًا، احترامًا لمنصبه، واحترامًا لوضعه طيلة هذه الفترة، لم يتكلم بهذا الصوت، وهذه الدقة، وبهذا الوضوح، ويتناول مسائل في منتهي الخطورة.. لماذا أقيل؟.. هل كان له علاقة بقضايا قتل الثوار؟.. النيابة العامة لم تحقق هذه القضايا، ومعظم القضايا التي حققت فيها النيابة العامة أخذت إدانة.. النيابة العامة في الأصل لا تأتي بالأدلة، النيابة العامة تحقق الأدلة، أي تفحص الأدلة التي تأتي إليها.. المبررات التي أوحوا بها إلي الناس ورسخوها في أذهانهم زورًا، وعدوانًا، لابد أن يعي الناس ألَّا أساس لها علي الإطلاق، فدفعوهم إلي كارهية النائب العام.. قضاة التحقيق هم الذين تم تكليفهم من قبل وزراء العدل المتتالين للتحقيق في قضايا قتل المتظاهرين ولم يكن للنائب أي صلة بذلك.
وحتي لو حُققت هذه القضايا بمعرفة النائب العام، فالنيابة العامة ليست مطالبة بالإتيان بأدلة من الشارع، لأنها محقق فقط فيما يأتي إليها من أدلة من الأجهزة المختلفة، وخاصة الشرطة التي كانت غائبة في ذلك الوقت، وأنا اعتقد أن هناك أسبابًا أخري لعزل النائب العام.
ما هي في تصورك هذه الأسباب؟
هذه الأسباب لمح إليها النائب العام في كلمته أمام الجمعية العمومية للقضاة، حين تحدث عن قضايا بدأت تثار مثل فتح السجون وتزوير الانتخابات وقتل الشهداء، والنقاش حولها، ومن هم الفاعلون؟.. بدأ النقاش يزيد، وبدأ الحديث عن تحقيقات جدية في هذا الشأن.. أنا أخشي أن يكون عزل النائب العام لأسباب مختلفة تمامًا غير ما أوحي به للشعب.
في رأيك لماذا فشل اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية والمجلس الأعلي للقضاء؟
أنا بوصفي أستاذًا للقانون وغيري من أساتذة القانون حريصون علي القضاة، لأنه من دونهم لا تقام دولة القانون، ولهذا ما كنت أتمني أن يذهب مجلس القضاء الأعلي إلي رئيس الجمهورية، فالقضاء لا يذهب إلي أحد، ولكن يؤتي إليه.. المواطنون أنفسهم يتمنون ذلك، لكن فشل اللقاء لسبب بسيط جدًا، وهو أنه لا مناص لإلغاء الإعلان الدستوري. أو المسمي بالإعلان الدستوري.. وأعتقد أن هذا كان مطلبهم، وبالتالي فإن عدم الاستجابة لمطلبهم كان سبب فشل هذا اللقاء.
وفي هذا الإطار عجبت مما صدر في بيان المتحدث باسم رئيس الجمهورية، والذي قال فيه إن الرئيس أوضح لأعضاء المجلس الأعلي للقضاء ما هو المقصود من إعلانه، هذا أمر مضحك ومبكٍ، بل يدعو إلي الصراخ.. فهل ذهب أعضاء المجلس الأعلي لكي يوضح الرئيس.. هذا أمر غريب للغاية.. أيذهب القضاة إلي رئيس السلطة التنفيذية، وأيًا كان تخصصه لكي يشرح لهم ويفسر لهم مضمون الإعلان الدستوري؟!.. هؤلاء قضاة مصر يفسر لهم الرئيس!.. ثم يعودون راضين بحسب المتحدث الرئاسي!.. هذا ضحك يقترب من الجنون.
كيف تقيمون خطوة قضاة مصر ورجال النيابة العامة بالإضراب عن العمل؟
هذا رد فعل طبيعي جدًا.. وليس هذا تدخلا في الأمور السياسية.. بل هو دفاع عن وجود القضاء، دفاعًا عن محاولات إسقاط القضاء، وإسقاط القانون، وإسقاط العدالة في المجتمع، كيف لا ينتفض القاضي دفاعًا عن نفسه وعن المواطنين وعن دولة القانون حين يراد له السقوط وحين يراد للقضاء النهاية؟.. حين يحدث ذلك فليس هذا عملاً سياسيًا.
الأمر الآخر، أن القضاء أثبت في تاريخه وعبر أعظم شيوخ القضاء في العصر الحديث 'المستشار وجدي عبدالصمد'.. فلو عدنا إلي خطابه أمام رئيس الجمهورية الأسبق أنور السادات كان يدافع عن الحريات العامة، وعن قانونية الدولة، فإذا لم يدافع القضاة عن الحريات العامة ودولة القانون، فمن الذي يدافع عنها؟، ولمن لا يدرك.. إذا سقط القضاء.. سقط العدل، وسقط القانون، وسقطت الدولة.. الناس تدرك أن القضاة لا يعملون لمصلحتهم علي الإطلاق، فالقضاة بهذا الموقف يدافعون عن الوطن، وعن دولة القانون وعن العدل، ولابد أن يعي السيد رئيس الجمهورية أن هذا دفاع عنه، لأنه ليس من مصلحة رئيس الدولة أن يرأس حطامًا لدولة، وشرف كبير لرئيس الدولة أن يرأس دولة القانون.
البعض يستغل إضراب المحاكم والنيابات ويعتبر هذا بمثابة إضرار بمصالح المواطنين، كيف تري الأمر من وجهة نظرك؟
القضاة أعلنوا ويعلنون أن إضرابهم عن العمل لا يمس مصالح المواطنين ولذلك فإن جميع قضايا الحبس والنفقات والقضايا ذات المواعيد تقوم بها المحاكم والنيابات، إضافة إلي ذلك فعلي كل مواطن أن يدرك أنه لو أضير لفترة مؤقتة، فخير له من أن يضار العمر كله في حال سقوط العدل العمر كله.
هل الإسراع بعرض مسودة الدستور علي الرئيس وعرضها للاستفتاء يمكن أن يشكل مخرجًا من الأزمة؟
هذا الأمر لا علاقة له بالعمل المادي الذي أصدره رئيس الجمهورية وأسماه 'إعلان دستوري'.. لا علاقة لهذا بذاك.. هذا العمل لابد أن ينتهي بأسرع ما يمكن، وأن الرئيس محمد مرسي بما لديه من حكمة نتمناها وفطنة نتوقعها، وإخلاص لهذا الوطن ولشعبه، وثورته، أن يخرج علي الناس، كل الشعب وليس جماعة الإخوان الاتحادية، يخرج علي الشعب من المواطنين وليس أحباءه وعشيرته من جماعته، ويقول لهم: لقد اتخذت هذه الإجراءات ظنًا مني أنها تحقق مطالبكم، وقد وعدتكم أنني لن أخلف وعدي أبدًا، وأن مطالبكم سوف تتم الاستجابة لها دائمًا وأبدًا، وإذا انحرفت عنها أطالبكم بتقويمي، وهاأنتم الآن تقوموني، وأنا الآن أستجيب لكم، ويعلن سحبه هذا العمل المادي الذي يسمي بالإعلان الدستوري.. وليس في هذا إساءة لمن يقول إنه يمس كرامة رئيس الدولة، بل إن هذا يرفع من شأنه مئات المرات أمام هذا الشعب.
وزير العدل أحمد مكي كان قد أدلي بتصريح قال فيه: 'إن الهدف من هذا الإعلان هو بناء دولة المؤسسات وإن البعض يسعي لعرقلة هذا البناء'.. ما رأيك؟
فلينظر سيادة الوزير إلي ما يجري في المجتمع نتيجة هذا الإعلان. هل في هذا بناء؟، هل في هذا استقرار؟، فلينظر إلي ما ترتب علي هذا الإعلان من انشقاقات في هذا المجتمع، وبين شركاء الثورة.
ولكن الوزير يقول في معرض تبريره إن الثورة تخرج عن المشروعية؟
هذا أمر أرجو أن تعفيني من التعليق عليه لأن التعليق عليه بعبارات معينة قد لا أرتضيه.
ماذا لو صمم رئيس الجمهورية بعرض الدستور علي الاستفتاء الشعبي، ووافق الشعب، هل يحصن ذلك الدستور من أي مطاعن وينشأ وضع جديد؟
الجمعية التأسيسية التي أعدت للدستور باطلة من أساسها، وبطلانها بحكم العلم اليقيني بأحكام القانون، والباطل لا يولد إلا باطلًا.. لا يمكن حتي لو استفتي الشعب علي هذا الدستور أن يمنحه المشروعية.
وما سندك القانوني في هذا الشأن؟
لنفترض أنك استفتيت الناس علي هتك أعراض الناس، ووافق الشعب بأغلبيته، فهذا لا يؤسس لمشروعية، والباطل لا يولد إلا باطلاً.
لكن ألا يعني ذلك أن موافقة الشعب تغل يد المحاكم وتواجه العوار الذي أصاب الجمعية التأسيسية سواء في تشكيلها أو عملها؟
إطلاقًا.. هذا لا يجعل للدستور شرعية.. ثم من ذا الذي سيقضي؟.. لابد أن يدرك الجميع أن الذي سيقضي بغل يد المحاكم أو عدم غلها هي المحاكم ذاتها، فالذي يحدد إذا كان من ولاية المحكمة أم لا، لابد أن يعرض الأمر علي المحكمة لكي تقول رأيها، إذا كان في ولايتها أم أن يدها مغلولة.. وهي التي تحدد ما يقع من أعمال السيادة.. نحن في حالة ارتباك ذهني، وأنا لا ألوم الرئيس بل ألوم من صاغ وحرض علي إصدار هذا الإعلان من رجال القانون، كنت دائمًا أقول إن أكثر من أصاب القانون في مقتل هم رجال القانون أنفسهم.
الرئيس مرسي أحاط نفسه بعدد من كبار رجال القانون والقضاء ومنهم من كانوا قادة لتيار الاستقلال، أليس هذا غريبًا أن تصدر كل قرارات الرئيس علي هذا النحو من العوار القانوني؟
هؤلاء صدقًا وحقا، دافعوا عن استقلال القضاء في حينه، هذا أمر لا يستطيع أحد أن ينكره، لكن أرجو ألا أصدق أن هذا كان بحثًا عن مصالح شخصية، لا أريد أن أصدق أن الدعوة لاستقلال القضاء في عصر مبارك تنتهك اليوم من بعض المحسوبين علي التيار لهدم استقلال القضاء.. سوق المبررات أمر سهل، ولكن النوايا لا علاقة لها إطلاقًا بالنصوص.. فمن يرتكب قتلا قد يكون لديه نية حسنة.. كل من يرتكب جريمة لديه مبرر.. وسوق المبررات هو أمر تعيس.. وما نراه من عبارات مكررة للتبرير في وسائل الإعلام يبدو وكأنه أمر متفق عليه. وهذا يقودنا إلي ما كان يبرره مبارك وأتباعه، ثم إن هذا استغباء للشعب الذي لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الأشياء بعد ثورة 25 يناير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.