لا يمكن للقاصى والدانى أن ينكر مدى التقارب الصينى- الإسرائيلى بداية من تسعينيات القرن الماضى، وزيادته خلال السنوات الأخيرة وذلك بعد الزيارات المتبادلة بين الجانبين ،وبعد تحقيق المزيد من الشراكات الاقتصادية والعسكرية وإقامة المشروعات والاستثمارات وتبادل الخبرات بين البلدين وانعكاس ذلك سلبا على المنطقة، صحيح أن الصين ظلت تصوت بمجلس الأمن والأمم المتحدة لصالح القضايا العربية ولصالح القضية الفلسطينية وتأييد حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، إلا إن سياسة الصين تجاه المنطقة وتجاه القضية الفلسطينية وقفت عند هذا الحد ولم تمارس ضغوطها وأوراقها القوية ضد إسرائيل وانتهاكاتها ورفضها تطبيق القوانين والاتفاقات الدولية بما يجبرها على تغيير مواقفها وإرجاع الحق إلى أصحابه، كما أن الصين لم تقدم المساعدات الكافية والضرورية للسلطة الفلسطينية على غرار أمريكا وأوربا والبلدان العربية ،وما تتطلبه السلطة الفلسطينية الآن . كما أن الصين أقبلت على زيادة علاقاتها الاقتصادية والتنموية والعسكرية مع إسرائيل فى الفترة الأخيرة وبما يضع علامات استفهام وتشكك فى تأثير تلك العلاقة على المنطقة وسط استمرار النزاع العربى الإسرائيلى. فمنذ الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الصينِى بزيارة تاريخية لإسرائيل، ثم زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إيهود أولمرت لبكين عام 2007؛ حيث تَمَّ خلال الزيارة إبرام العديد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، عملت الصين على الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية فى مجال التكنولوجيا المتطورة التى لا تستطيع الحصول عليها من أمريكا والغرب، إلى جانب الاتصالات والزراعة ونظم الرى الحديثة حيث تعتبر إسرائيل من أكثر الدول تقدما فى هذه المجالات لتقاربها مع أمريكا والاستفادة من خبراتها وعطائها، وليبدأ عهد جديد من الانفتاح فى تلك العلاقات التى أثارت اهتمام العديد من الخبراء والسياسيين فى العالم. فإسرائيل ليست مجاورة للصين، وهناك فوارق حضارية وإثنية هائلة تفصل بينهما. ومنطقيًا فإن اهتمامات الجانبين ينبغى أن تكون متضاربة، فإسرائيل تعتبر نفسها جزءًا من الغرب المعادى لحضارات الشرق وقيمه، الأمر الذى دفع الصين نحو مزيد من العلاقات والشراكات مع إسرائيل والسعى لتطوير التعاون معها، بدافع حاجتها لتحديث قوتها المسلحة والنهوض باقتصادها عبر الاستفادة من التقنية والأسلحة الإسرائيلية ورؤوس الأموال اليهودية، واستغلال وجود اللوبى اليهودى فى أمريكا من أجل التخفيف من العداء للصين فى السياسة والتجارة الدولية، كما أن الاستثمارات الصينية فى إسرائيل مستمرة فى النمو، ففى خلال عام 2016 زادت الاستثمارات الصينية المباشرة فى إسرائيل بمقدار ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 16 مليار دولار، وفى الوقت ذاته يدخل عدد متزايد من الشركات الإسرائيلية إلى السوق الصيني، ودليل ذلك انه فى الوقت الذى يفرض فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسوما جمركية على الصادرات الصينية، ويتحدث إلى بكين بلهجة صارمة، يشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، شركات بلاده على قبول استثمارات صينية، حسب ما تكشف عنه الأرقام.،مقابل الجانب الإسرائيلى الذى ما تزال الأسباب الحقيقية وراء انفتاحه على الصين غير واضحة المعالم غير تغييره لنظرته الاستراتيجية لتطورات العالم وأخذه منحنى جديدا نحو توسيع دائرة أصدقائه وحلفائه والتغلغل فى مناطق النفوذ والقرار وهو ما اتخذته إسرائيل تجاه روسيا والهند والصين وأوروبا، ومن أجل التقريب بين الشركات الصينية والإسرائيلية، يعقد عدد من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية بين الجانبين بشكل سنوي، ومنها منتدى سيليكون دراغون إسرائيل، الذى عقد فى تل أبيب مطلع العام الجاري، والقمة الصينية الإسرائيلية للابتكار، التى عقدت فى وقت سابق من الشهر الجاري، فى غواندونغ ،ومن اخطر تلك الشراكات الصينية الإسرائيلية على مصر والمنطقة يذكر أن إسرائيل كانت قد أعلنت عام 2012 عن مشروع قومى لمد خط سكة حديد يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ليكون منافسا لقناة السويس أطلقت عليه « مشروع قناة السويس الإسرائيلى وهو مشروع يتلاقى مع طريق الحرير الذى تروج له الصين ومدى انعكاساته السلبية على قناة السويس، والمفاجأة أن الصين أعلنت عن تنفيذ وتمويل هذا المشروع الضخم على غرار سد النهضة الأثيوبى المتورطة فى إنشائه إسرائيل أيضا مع الصين، حيث قام وزير النقل الإسرائيلى بتوقيع اتفاقية تعاون بشأن الخط البرى مع نظيره وزير النقل الصينى عام 2011، وحسب تقارير إسرائيلية سوف يتم البدء فى تنفيذ هذا المشروع أوائل عام 2018 ناهيك عن مد الكثير من المشاريع الخطيرة على القضية الفلسطينية وعلى الأمن القومى المصرى والعربى، يحدث ذلك فى الوقت الذى تبدو خلاله السياسة العربية كما المنطقة العربية فى حالة تجمّد وموت حيث لا يتغيّر شيء فى الميت سوى أنّه يتحلّل ويندثر بعد حين، فهل سيأتى الوقت لندرك ونقيم فيه عدونا من حبيبنا وفقا لمصالحنا ورؤانا المستقبلية والاستراتيجية ونفسر جيدا مابين السطور لنحدد توجهاتنا وعلاقاتنا وسط عولمة وتكتلات دولية وعالم متغير عالم متغير.