اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كلمته الأربعاء الماضي الموافق اا من يوليو الجاري على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ببروكسل زيادة نفقاتها العسكرية إلى 4% من إجمالي الناتج الداخلي، أي ضعف الهدف المحدد لهم وهو 2% حتى العام 2024 ، ووفقا للبيان الختامي للقمة يبدو أن ترامب قد نجح في دفع الأوربيين إلي إقراراهم بتحمل مقرراتهم لميزانية الحلف وفقا لمقررات قمة العام 2014 ،وبالتالي احترام الدول تخصيص 2 بالمائة من ناتجها الداخلي لنفقات الدفاع بحلول 2024 ،يحدث ذلك في الوقت الذي ينتقد فيه كثير من القادة الأوربيين مقترحات ترامب ويصفونها بالعبثية . وخلال تلك القمة خرج الرئيس الأميركي عن الدبلوماسية والمألوف وشن هجوماً على الحلف ، وعلي ألمانيا تحديدا ووصفها بأسيرة روسيا ، كما وضع الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرج في موقف محرج بعد أن وجّه له ترامب سؤالاً ، وهو أن ألمانيا تعتمد على روسيا بشكل كبير لسد حاجاتها من الطاقة وتقولون لنا احمونا من روسيا، متابعاً: كيف يعقل هذا، أجبني؟ لقد كانت هذه اللحظة، في ما يبدو، الأكثر إحراجاً في مسيرة ستولتنبرج المهنية الذي لم يجد ما يقوله سوى التبرير بأن وحدة الحلف مهمة في مواجهة روسيا ، ولم يكتف ترامب بذلك فقط بل شن حملة من الانتقادات والتهديدات ولوح بإمكانية خروج بلاده من الناتو دون موافقة الكونجرس مؤكدا أنه لا حاجة إلى ذلك. وأضاف ترامب خلال مؤتمر صحفي في بروكسل أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين ليس عدوا برغم المنافسة بين واشنطن وموسكو على الساحة الدولية . فبعد نحو سبعة عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية واستعلاء حلف الأطلسي في سماوات الأحلاف الدولية ظهرت في الأفق الآن إرهاصات مثيرة عن مستقبل الحلف، فهل سيقدر له المضي قدما خلال العقود المقبلة أم أن نهاية فرط عقده قد حانت ،فيوما بعد الآخر يبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب الذي لا يدعم نموذج التكامل الأوروبي في الأساس غير متحمس لحلف الأطلسي ويهدد بالانسحاب منه علي غرار انسحابه من اتفاقات وهيئات أممية ، وحجته في ذلك عدم تحمل أمريكا لنفقات الآخرين على حساب مصالحها وتوجهاتها ، فلقد سبق ووصف ترامب الحلف بأنه قد عفا عليه الزمن، وذهب بعقلية رجل المال والأعمال إلى أن واشنطن غير مستعدة لتحمل نفقاته بمفردها أمام تقاعس الأوربيين عن دفع مستحقاتهم ،فهل تشكل تلك النقاط الخلافية الخطيرة بداية جديدة لعلاقات أمريكية أوروبية مغايرة لما جرت به المقادير منذ العام 1945 والي الآن ؟ ومما لاشك فيه أن تصريحات ومطالبات ترامب المثيرة والمتلاحقة قد سببت حالة من الارتباك والخوف عند الأوروبيين ومنها فرضية انسلاخ أمريكا من الحلف وبقاء أوروبا بمفردها في مواجهة روسيا الصاعدة وأحلام بوتين القومية وانتشارها في العالم برمته شرقا وغربا ، فهل يقبل ترامب على هذه الخطوة، أم يستجيب الأوربيين في نهاية المطاف لمطالبات الرئيس الأمريكي وتوجهاته؟