أقبل العيد وأدبر، ليردد الجميع باندهاش متى جاء وكيف انتهى!! نحن لم نشعر به!! العيد لم يعد كما كان !! ككل عام أتى حاملا معه ذكريات الفرحة فى كل بيت مصرى، حينما كان العيد يمثل فرحة للأسرة بطقوسه المتوارثة، حيث تبدأ التجهيزات استعدادا لقدومه بحملات التنظيف المنزلية الحماسية لدى كل أم مصرية أصيلة، (العجين) وتجهيز الكعك والغريبة والبسكويت والبيتى فور.. وما يرافقه من اجتماع كل السيدات والبنات والأطفال للمشاركة فى هذه الطقوس المحببة للجميع، ثم تبدأ المهمة السنوية المقدسة للأبناء للذهاب والإياب حاملين(الصاجات والصوانى) إلى ومن فرن الحى، مع فرحة الخروج للتسوق وشراء ملابس جديدة احتفالا بالعيد، وترقب ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان، وبدء صلوات التهجد، وفى خلفية كل تلك المشاهد الحياتية تصدح أغنية (والله لسه بدرى يا شهر الصيام) لتثير شجن انتهاء الشهر المبارك، وسط دهشة وتعجب –تتكرر سنويا- لسرعة مروره !! وفى ليلة العيد مع صدى أغنيات(يا ليلة العيد) و(الليلة دى عيد) يسهر الجميع حتى الصباح، السيدات فى بيوتهن فرحات بتجهيز مستلزمات العيد، والرجال خارج المنازل ساهرون حتى يحين وقت الذهاب لأداء صلاة العيد فى المساجد (قبل ظهور موضة توجه السيدات والبنات للصلاة بالجوامع والساحات)، وترسم أفواج المصلين لوحة بالغة الجمال للود والتراحم والسلام، وتزلزل الأرض بأصوات تكبيرات المسلمين، بعدها تبدأ طقوس الاحتفال بالعيد من زيارات عائلية، وتجمعات الأصحاب، ونزهات الأطفال ..الخ وأغنية (أهلا بالعيد) مع الطقس المصرى المبهج للجميع (العيدية) بأوراق نقدية جديدة لامعة. سنوات طويلة عاشها كل بيت مصرى مستمتعا بكل هذه المظاهر البسيطة فى مظهرها، العميقة فى معناها وجوهرها، ومع تطور الحياة وتعقدها ومشكلاتها وسرعة ايقاعها اختلف شكل الأعياد، فأصبحت الأم تستجيب أحيانا لجملة (احنا بننظف طول السنة .. ايه لزوم تنفيض العيد؟!)، واختفت تقريبا تجمعات صنع كعك وحلويات العيد، واعتمدت التهانى على الاتصالات التليفونية بدلا من التزاور. ثم جاء الأنترنت محطما ما تبقى من المشهد الجميل، ليصنع شكلا جديدا باهتا للأعياد !! لقد ظهر حاملا معه رسائل الكترونية قد تعبر كلماتها عن فرحة وتهنئة لكنها تفتقد للدفء الانسانى، لتخلق تواصلا ظاهريا يحمل بين طياته انعزالا كامنا، اكتفى الناس بتلك الرسائل، واختفى التواصل الحقيقى. أصبحت الزيارات نادرة الحدوث، ولقاءات الأهل والأقارب والأصدقاء تجمعهم فى مكان واحد ولكنها تترك كل فرد فى جزيرة منعزلة وعالم وهمى داخل تليفونه المحمول !! ومازال البعض يتساءل باستنكار أين اختفت فرحة العيد؟! لقد اختفت حينما طغت روح الفردية، وانشغل كل فرد بذاته، حينما غرق كل منا فى دوامة الحياة واستسلم لسيطرة التكنولوجيا العقيمة على حياته الاجتماعية لتتحول مشاعر الود والحب وصلة الرحم إلى نكزة الكترونية او (لايك) و(ايموشن)، أو رسالة سواء مكتوبة او مرئية أو مسموعة تحمل مشاعر مصطنعة. والحل فى رأيى أن نفتش عن السعادة، ونبحث عنها، ونلتمس أسبابا للبهجة فى كل وقت سواء كان عيدا أو غير ذلك، أقبلوا على الفرحة، اهتموا بمظاهر الاحتفال فى بيوتكم رغم صعوبة الأحوال الاقتصادية، إن أبسط الأشياء قد تمنح الإنسان كما هائلا من السعادة، أحيانا قد تكفى بالونة واحدة للتعبير عن فرحة العيد، قطعة ملابس أو اكسسوار أو لعبة، ورقة مالية جديدة، طبق حلوى، لمسة ديكورية تجدد طاقة المنزل، تجمع عائلى ...الخ كما ينبغى على الأهل تشجيع الصغار وحثهم على زيارة كبار العائلة والتواصل معهم دائما وليس فقط فى الأعياد. حاولى أيتها الأم المصرية إحياء التقليد المصرى الجميل وارسلى لجارتك طبقا من الحلوى أو الطعام المفضل لديها، اخلقى تواصلا مباشرا مع الحرص على عدم اقتحام خصوصيات الآخرين وعدم السماح باختراق حياتك الخاصة أيضا، احرصى على عادة التجمع العائلى حتى وإن كان مرة واحدة شهريا. أعيدى يوم (المقابلة) لتصنعى لنفسك اوقاتا مبهجة تكن لكى ذخرا فى الأوقات الصعبة - ولمن لا يعرف معنى يوم (المقابلة) أو يوم الاستقبال، هو تقليد مصرى اعتادت السيدات المصريات فى الزمن الجميل على اتباعه، حيث تختار السيدة يوما محددا للاجتماع بصديقاتها وجاراتها، قد يكون يوما اسبوعيا أو شهريا– مثلا يوم السبت الاول من كل شهر- أو يومين فى الشهر، وتستعد لاستقبالهن فى بيتها وتعد لهن الضيافة اللازمة، وسواء قامت بدعوتهن أو لم تقم، هن يعلمن انها فى هذا اليوم جاهزة ومتفرغة لاستقبالهن، انه يوم النساء، ويدرك رجال البيت أن هذا اليوم مخصص للسيدات بدء من الساعة كذا ولعدة ساعات، وبناء عليه لا يحق للزوج أو الأبناء التطفل عليهن خلال تلك الفترة - إنه نظام اجتماعى يساعد المرأة على تنظيم حياتها الاجتماعية وشحذ طاقتها ولا أدرى لماذا تخلت عنه؟! ادعوكم جميعا لإحياء العادات والتقاليد المصرية الإيجابية التى توطد العلاقات الانسانية وتثبت بنيان المجتمع وتساعد على استقراره، وتحث على الود والتراحم والتعاطف وصلة الرحم والتزاور والتهادى ...الخ إنها دعوة للعودة والتمسك بجذور العلاقات الصافية البعيدة عن المصالح، والتى تمنح الإنسان فرحة وسعادة غير مشروطة، انها تلك الأشياء والسلوكيات التى تشكل مخزونا وجدانيا سريا ينهل منه الإنسان ليستطيع مواجهة مصاعب الحياة والتغلب عليها. فلنصنع لأنفسنا نمطا حياتيا يضفى على أوقاتنا السرور مهما كانت مشقة الحياة وصعوباتها، إنها دعوة للسعادة اللامحدودة، كن فرحا سعيدا، ولا تفرط أو تتخلى أو تتنازل عن حقك فى الفرحة.