ما أكثر الفزاعات التى تصنعها أمريكا وتعدها لنشرها فى قارات العالم تحت مسميات ووظائف مختلفة ومتعددة هدفها العمل من أجل مصالحها وهيمنتها على الشعوب ولو بالاعتماد على الظلم وترويج الباطل والانتقام من الآخر أيًا كان هذا الآخر شعوبًا أو أفرادًا أو جماعات، وهى تقوم بذلك ضاربة بكل المعايير الأخلاقية والمواثيق الدولية ومتخلية عن القيم وحقائق التاريخ باعتبارها فوق كل المؤسسات الدولية، وتأتى على رأس وقائمة تلك الفزاعات مندوبة أمريكا فى الأممالمتحدة وهى وظيفة تستثمرها أمريكا ليس من أجل الحفاظ على القيم وحقوق الشعوب وتسوية خلافاتها والاعتراف بحقوقها وإرجاعها بالطرق السلمية، بل عن طريق نشر وترويج الأباطيل وظلم الشعوب وإثارة الحروب والفتن والصراعات من أجل مصالح أمريكا وغطرستها وليس من أجل سلام وأمن واستقرار العالم، وبما يهدد بفكرة انسحاب الشعوب من تلك المؤسسات ومن ثم انهيارها لعدم جدواها، فبعد مادلين أولبرايت، وهيلارى كلينتون وغيرهما، ها نحن الآن أمام سيدة أخرى تتصدر مسرح السياسة الخارجية الأمريكية وتنتمى للحزب الجمهورى، إنها السيدة ذات الأصول الهندية من طائفة السيخ والتى وُلدت فى 1972 باسم نيمراتا رانداوا، قبل أن يصير اسمها نيكى هيلى التى اقتحمت ساحة السياسة وتعمل الآن كمندوبة لأمريكا فى الأممالمتحدة منذ العام 2016، فبعد دراستها للمحاسبة شغلت منصب محافظ ولاية كارولينا الجنوبية منذ عام 2011 قبل انتخابها فى 2010 كمحافظ للولاية رقم 116، بعد أن مثلت مقاطعة ليكسينغتون فى مجلس النواب فى كارولينا الجنوبية، ولكن وعلى خلاف أولبرايت الهادئة، وكلينتون البرجماتية، تبدو (نيكى هيلى) منسجمةً تماما مع عهد ترامب وتعمل كفزاعة وبوق لسياسته دون علم بحقائق التاريخ والحضارات، فلا ينقصها طول لسان ولا صلافة لغة، ومن دلائل ذلك أن اعتبرها الصحفى الإسرائيلى جدعون ليفى المساند لحقوق الشعب الفلسطينى بأنها جاهلة بالقضية الفلسطينية وأنها أكثر إسرائيلية من نتنياهو، وقد وصفها كتاب (نار وغضب) لمؤلفه مايكل وولف بأنها شخصية تمتلك طموح شيطان، وأن الكثيرين فى دائرة ترامب الخاصة يتخوفون بجدّ من أنها قد تصبح وريثته فى رئاسة أمريكا. ومنذ تولى تلك السيدة منصبها فإنها ومن خلال جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة المتحدة لا تدخر جهدا إلا ووجهت الاتهامات جزافًا إلى الكثير من الدول التى تختلف وفقًا لمصالحها مع التوجهات الأمريكية الظالمة ومن ذلك تهديدها بفرض مزيد من العقوبات على البلدان والأفراد أو الدعوة التحريضية بإقامة الحروب ضد الدول وتوجيهها التهم جزافًا وفقًا لسياسات أمريكا العدائية بلا سند أو دليل، أو إعلانها وهب بلادها لمدن وأراضى ومقدرات الدول بلا سند أو شرعية إلى بلد بعينها من أجل مصلحتها يحدث ذلك من خلال إدلائها بكلمة أمريكا فى الأممالمتحدة بلغة تحريضية وعدائية وغير أخلاقية ولا تتناسب مع الهدف الاسمى الذى نشأت عليه ومن أجله عصبة الأمم، وما نسمعه منها من توجيه السباب والشتائم والإهانات والتهديدات إلى الدول وقادتها، واستخدامها لأشكال التهديد والوعيد الذى يجعل شعوب العالم تسخط على تلك المنظمات وتتفادى دخول أمريكا فى أى وساطات دولية لحل المنازعات، وتأتى البلدان العربية الآن بعد كوريا الشمالية على رأس تلك الدول التى لا تتوقف نيكى هيلى عن توجيه الاتهامات والكره لها وعدم الانحياز لحقوقها، فمن سوريا إلى اليمن وليبيا إلى جنوب السودان وصولًا إلى القضية الأهم قضية الشعب الفلسطينى وقياداته وبخاصة ما لحق ويلحق بتلك القضية الآن من انتهاكات إسرائيلية بمساندة أمريكية.. أنه الدعم الأمريكى الأعمى الذى أضر بقضية الشعب الفلسطينى على مدى العقود الماضية آخرها ما تشهده الآن من ظلم وجور ومخالفة للقوانين والشرعية الدولية فى عهد ترامب الذى اعترف وحده وعن سائر كل الدول بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه يوم الجمعة الماضى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى مايو القادم لتكون أغلى هدية يقدمها لإسرائيل وتوائم ذكرى احتفالها بمرور 70 عامًا على إنشائها. واستعراضًا لصفاقة ووقاحة تلك الفزاعة الأمريكيةبالأممالمتحدة أثناء الإدلاء بكلمتها بخصوص القدس والقضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل مؤخرًا وذلك بعد أن لاقى قرار ترامب بشأن وضع القدس أواخر العام الماضى صدى واسعًا فى المنطقة والعالم ومن ثم تصويت معظم دول مجلس الأمن والأممالمتحدة بالأغلبية ضد القرار الذى استدعى تنديدًا من الأغلبية الساحقة للدول، نجدها تعلن وبلهجة تحذيرية من داخل الأممالمتحدة أن بلادها ستقيد أسماء الدول التى تعترض على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل وأن واشنطن قد تتخذ عقوبات ضد الدول التى تصوت ضد هذه الخطوة لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الأمر الذى لم نعهده من قبل، ولمزيد من التهديدات فقد أعلنت عبر تغريده لها على (تويتر) بأننا نقدم المساعدات للدول استجابة لطلبات الأممالمتحدة، ولذا لا نتوقع أن تقف تلك الدول ضدنا لأننا سوف نسجل أسماءها ومن ثم نعاقبها،وفى وقت لاحق فقد توعدت (هيلى) منظمات الأممالمتحدة بمزيد من العقوبات إذا لم تحسن الموافقة على ما تقره أمريكا ومن ذلك انسحاب أمريكا من منظمة اليونسكو بعد ادعاء أمريكا تمادى المنظمة فى انتقاد إسرائيل، وقد سبق للسيدة هيلى أن توعدت المجتمع الدولى بأسوأ من ذلك، عندما قالت فى أبريل الماضى أمام مؤتمر لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك، أنا أرتدى حذاء ذا كعب عالٍ ليس من أجل الموضة ولكن لركل أى شخص يوجه انتقادًا لإسرائيل، كما شبّهت قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2334 بشأن المستوطنات بأنه رفسة على بطن الأمريكيين، محذّرة الأممالمتحدة بلغة القوة الكاوبوى بأن أل Sharif كبير الشرطة الجديد لن يسمح بتكرار الخطأ، ومن مواقف عداء نيكى هيلى للفلسطينيين ومحاباتها لإسرائيل معارضتها بازدراء لتولى رئيس الوزراء الفلسطينى السابق سلام فياض لمنصب مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا لأنه فلسطينى فقط، ثم انتقادها بالأممالمتحدة يوم الثلاثاء الماضى مغادرة الرئيس الفلسطينى محمود عباس جلسة مجلس الأمن الدولى، دون الاستماع لكلمتها، وعقبت على ذلك قائلة أشعر بالأسف أن يغادر الرئيس عباس قاعة مجلس الأمن دون الاستماع إلينا، ونرحب به قائدًا للشعب الفلسطينى، وأضافت ولكننى لن أقبل نصيحة واحد من كبار المفاوضين لديك وتقصد صائب عريقات لأنه طلب منها أن تخرس لانتقادها عباس، مشددة لا سوف أتحدث بأعلى صوتى عن الحقائق الصعبة، وتوجهت للرئيس عباس قائلة وخلفها جالس مبعوث ترامب للمنطقة جيسون غرينبلات ومستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر: «مستعدون لكى نتحدث معك لكننا لن نجرى وراءك»، قائلة: «ليس عليك أن تمدح قرارنا نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولا حتى أن تقبل به، ولكن عليك أن تعرف التالى، هذا القرار لن يتغير»، كما أثنت بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها من تل أبيب، قائلة: «إن الزعماء السابقين للولايات المتحدة عجزوا عن تجاوز مخاوفهم من أن السماء ستسقط فى حال إقدامهم على هذه الخطوة، ولكنها لم تسقط حتى الآن»، وقد جاءت تصريحات صائب عريقات قوية ردا على انتقادات المبعوثة الأمريكية لخطاب الرئيس الفلسطينى الأخير الذى اعتبر فيه إسرائيل مشروعًا استعماريًا لا علاقة له باليهود، وبسبب تلك الانتقادات الدولية والفلسطينية للفزاعة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل مؤخرًا فقد جاء الرد الأمريكى المتغطرس سريعًا للرد على ما يعتبره إهانة لقراراته وعلى مندوبته بالأممالمتحدة من خلال القرار الأمريكى الذى صدر يوم الجمعة الماضى بتعجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى 14 مايو القادم ليتواءم مع الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطينى، وحتما فان أمريكا التى تتاجر بحقوق العالم تدرك من أن خطوة نقل سفارتها الآن من تل أبيب إلى مدينة القدسالمحتلة بدون وجه حق سوف تفجر الأوضاع الملتهبة أصلًا فى المنطقة فى وجه الاحتلال الإسرائيلى وهى تفعل ذلك وهى تدرك من أن خطوة نقل السفارة الأمريكية لن تمنح الاحتلال أى شرعية أو تغير فى حقائق ووقائع القدس ومعالمها لأن القرار ظالم وغير شرعى ويعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى ويتنافى مع كل المواثيق الدولية بشأن القدس والأرض الفلسطينية، وفى المقام الأول استهتار واستهزاء واستفزاز من جانب الفزاعات الأمريكية لمشاعر أمتنا العربية والإسلامية وشعبنا الفلسطينى مما يثبت أن أمريكا ماهرة فى صناعة وخلق الفزاعات التى تختارها بعناية وتنشرها من أجل خدمة أفكارها وسياستها بالعالم ولكنها تكون حريصة فى إعدادها على أن تخلو من القيم وبالتالى لا تصدر فى خطاباتها وممارساتها للعالم غير رسائل العداء والحقد والصراعات والكراهية وبخاصة عندما تشعر بميل الدول إلى نبذ الخلافات والصراعات والسعي نحو نشر الخير والعدل والسلام.