دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 والمعروفة رسميا باسم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الثالثة والعشرين التي انطلقت فعالياتها المقامة حاليا في بيونغ تشانغ بكوريا الجنوبية يوم الجمعة الماضي الموافق 9 فبراير كانت بمثابة الفرصة الذهبية لإحداث التحسن والتقارب في العلاقات المتوترة بين كلا من كوريا الكوريتين وتعتبر نافذة حوار وتقارب تاريخي لشبه الجزيرة الكورية وبخاصة بعد قبول كوريا الشمالية المشاركة ببعثة رياضية بالبطولة والمشاركة بفريق رياضي نسائي للعبة الهوكي في حفل الافتتاح مع نظيره الكوري الجنوبي في لفتة رياضية أخلاقية قادرة على إصلاح ما أفسدته السياسة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد في جدية التقارب من جانب كوريا الشمالية لجارتها ، فمن دليل ذلك هو إرسال تلك البعثة الرياضية وعلى رأسها شقيقة زعيم كوريا الشمالية استعدادا لإمكانية عقد لقاءات تفاهم مع حكومة كوريا الجنوبية وتوظيف الحدث الرياضي لهذا الغرض . وبالفعل فقد وصل الوفد الكوري الشمالي الرفيع المستوى الذي يضم كيم يو جونغ شقيقة الرئيس كيم جون أون، إلى كوريا الجنوبية عبر مطار إنتشون الدولي على متن طائرة خاصة بصحبة رئيس مجلس الشعب الأعلى كيم يونغ نام، ورئيس لجنة الإرشادات الرياضية الوطنية تشوي هوي، ورئيس لجنة إعادة التوحيد السلمي لكوريا ري سون كوون ، وشهد بحفل الافتتاح موكب سير رياضيي تاريخي لممثلي الكوريتين سويا وراء علم كوريا الموحدة في ما يعد تقاربا تاريخيا بين الجاريتين اللتين لا تزالان عمليا في حالة حرب ، وبخاصة بعد موافقة كوريا الشمالية التي قاطعت أولمبياد سول الصيفي عام 1988 على حضور أول أولمبياد لها في الجار الجنوبي، بعد محادثات أدت إلى نزع فيتل التوتر في شبه الجزيرة الكورية، على خلفية البرنامج النووي والصاروخي الكوري الشمالي،ولهذا فقد أطلق على تلك الأولمبياد تسمية أولمبياد السلام وسط تقارب بين الكوريتين، بعد قرار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون المشاركة، وصولا إلى حد إرسال شقيقته الزعيم كيم يو-جونغ لترأس الوفد الشمالي ،وقد صافحت يو جونغ أول عضو من العائلة الشمالية الحاكمة يزور الجنوب منذ نهاية الحرب الكورية عام1953الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن بعد وصوله إلى حفل الافتتاح، تجدر الإشارة إلى أن الجارتين في حالة حرب من الناحية الفنية منذ عام 1953 مع دخول وقفٍ لإطلاق النار بين الجانبين حيز التنفيذ. وقد انطلقت محادثات عدة مرات بين الجانبين من أجل إبرام معاهدة سلام رسمية، إلا أنها عادةً ما تنهار بسبب التوترات بين الجانبين. ومؤخرا فقد أعلنت الحكومة الكورية الجنوبية إنها تأمل أن تتمكن الكوريتان الجنوبية والشمالية من حل القضية النووية الكورية الشمالية سلمياً معاً من خلال التعاون الوثيق مع المجتمع الدولي ومن أنها تأمل بأن يتمكن الجنوب والشمال من الجلوس وجهاً لوجه لبحث مشاركة وفد كوريا الشمالية في ألعاب بيونغ تشانغ، فضلاً عن مسائل أخرى ذات اهتمام متبادل من أجل تحسين العلاقات بين الكوريتين. إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وكعادتها في إفساد العلاقات الدولية وفقا لمصالحها الغير أخلاقية كانت جاهزة سلفا لإفساد أي تقارب ثنائي يمكن أن يحدث بدونها بين الكوريتين والدليل هو استقبال رئيس كوريا الجنوبية مون جاي الخميس الماضي وبشكل مبكر لمايك بنس نائب الرئيس الأمريكي ، وذلك قبل يوم من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ، وقد جاء المندوب الأمريكي بغرض إفشال التقارب بين الكوريتين وليس من اجل التهنئة بالحدث الرياضي وتمثيل بلاده بل من اجل تحويل دورة الألعاب إلى سياسة عندما أعلن من سيول وتعهد بمواصلة الدعم الأمريكي لسيول في مواجهة التهديدات النووية لكوريا الشمالية قائلا :إن "عزمنا على الوقوف إلى جانبكم لا يتزعزع". هذا في الوقت الذي سيشارك فيه أيضا في فعاليات رمزية تهدف إلى إلقاء الضوء على برنامج كوريا الشمالية النووي وانتهاكات حقوق الإنسان وهى الورقة التي تلعب بها أمريكا وتتدخل من خلالها في شئون الدول، ومن شواهد الإفساد وتعكير الصفو الذي يلعبه الأمريكان في سائر الأجواء هو إصرار أمريكا على التصعيد بفرض العقوبات الاقتصادية والتهديد بالحل العسكري ضد كوريا الشمالية في الوقت الذي تميل فيه كوريا الجنوبية للحل السلمي ،ومن ذلك أيضا هو أن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قد غاب عن حفل عشاء الذي جمع الرئيسين الكوري الجنوبي والشمال يوفقا لما أشارت إليه بعض التقارير بعد ظهور مشاهد تلفزيونية للمخطط التوضيحي للمقاعد تظهر خلو مقعد بنس المقابل لمقعد الرئيس الكوري الشمالي في حفل الاستقبال في بيونغ تشانغ ، ناهيك عن تجاهل مايك بنس للوفد الرياضي الكوري الشمالي وقيامه بعد وصوله إلى كوريا الشمالية بزيارة إلى موقع السفينة العسكرية المدمرة لكوري الجنوبية بيد قوات كوريا الشمالية من اجل التهديد وإثارة الحقد والكراهية بين الكوريتين ولبقى الوتر على أشده برغم تهيئة الأجواء وسط هذا التقارب الرياضي ، ففي الوقت الذي فرح فيه بلدان العالم بإمكانية إحداث السلام والوحدة بين الكوريتين كانت الصين الخبيرة بالنوايا الأمريكية من أوائل تلك الدول التي أعلنت عن سعادتها وترحيبها بالتصريحات والرسائل الايجابية المتبادلة بين قادة الكوريتين وسط دورة الألعاب الاولمبية الشتوية وبما يبشر بنزع فتيل الأزمة وتحسين علاقاتهما، واستعداد الصين لدعم هذا التقارب وبذل جهود خيرة وفعالة من جانبها لتخفيف الوضع المتوتر في شبه الجزيرة الكورية فمازال الدور الأمريكي الغير اخلاقى يؤجج الصراعات والفتن والنزاعات لصالحه في أكثر من مكان بالعالم والتبجح في التدخل في شئون الدول وقيامها وحدها بما يخالف الشرعية والمواثيق الدولية بلعب دور الشر وفق مصالحها وإجبار الدول الضعيفة على الرضوخ لقراراتها الظالمة والمضللة ، ومن تلك الأفعال التي هزت صورتها وفضحها أمام دول العالم ظلمها الجائر لقضية الشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل وقيامها جهرا بمنح ما تشاء مما تبقى من فلسطين مؤخرا كقرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وغيرها من الأفعال التي تضر بمصالح الدول وتمل على خرابها ، فمتى يستفيق العالم ويتمكن من توحيد موافقة ويعمل على تغيير سياساته وبما هو مسلم به تجاه تلك الدولة ليتمكن من عزلها وتحييد دورها وكبح شرورها في وقت تتطلع فيه غالبية الشعوب إلى إحداث السلام والأمن والاستقرار لهذا العالم وجنب ما يحدق به من مخاطر.