هذه هى المرة الأولى فى تاريخ مجلس وزراء مصر التى تمثل فيها هذه النسبة من النساء الوزارة، وهى أيضًا المرة الأولى التى تتولى فيها امرأة حقيبة وزارة الثقافة، وهو أمر قدر سعادتنا به قدر قلقنا منه، فهو أمر ليس بالهين، وهذا المنصب الذى تولته الدكتورة إيناس عبد الدايم يضعها ويضع مؤيديها فى موقف صعب، فأى نجاح ستحققه الوزيرة سينعكس على هذا المنصب الوزارى الهام، وسيرسم الطريق الصحيح لأى وزير ثقافة جديد يأتى بعد السيدة الوزيرة لتولى مهام الوزارة فعليه أن يكمل هذا النجاح وألا يكون أداؤه أقل من الوزيرة، أما أى إخفاق فى فترة ترؤس الدكتورة إيناس للوزارة سينعكس على كل امرأة يتم ترشيحها فى أى منصب قيادى فيما بعد خاصة لو كان رئاسة وزارة الثقافة، وسيبرر لحالة الترهل التى قد تمتد لما بعد رحيلها فى الوزارة. وتنتظر الوزيرة الكثير من الملفات الحيوية التى تحتاج إلى رؤية مختلفة خارج الصندوق ونظرة أعمق بكثير من تلك النظرة التى يتم التعامل بها مع الثقافة فى بلادنا، وبالتأكيد تدرك السيدة الوزيرة أن الثقافة قضية أمن قومي، فهى ترتبط بالتراث والهوية المصرية وكيفية الحفاظ عليهما، وهى العنصر الحيوى الهام الذى يدعم روح الانتماء والمواطنة برسالة بسيطة وناعمة تتسلل لقلوب وعقول الناس فى تفاصيل حياتهم اليومية، ومن ثم الحفاظ على الجينات الوراثية الأصيلة لدى المصريين، بل الحفاظ على الوطن كله.. فجريمة الإرهاب أصلها وحلها يكمن فى الثقافة والوعى والتنوير واستيعاب طاقات الشباب وطوحاتهم وأحلامهم وتنمية مواهبهم ورعايتهم فكريًا، أما المواجهة بالسلاح والرصاص فيجب أن تكون خطوة لاحقة وتالية والمفترض الأخيرة فى سلسلة طويلة من الإجراءات، والوقاية خير من العلاج، علينا أن نتفهم ذلك.. المواجهة الحقيقية للفكر المتطرف تبدأ من المدارس والجامعات والشارع وحلها بين يدى وزارات وهيئات عدة، كالشباب والرياضة والتربية والتعليم والتعليم العالى والإعلام بكل أشكاله ووسائله، وأيضًا وزارة السياحة وعلى رأس هذه الوزارات جميعًا تأتى وزارة الثقافة كمؤسسة تنويرية دورها أن تزيح الظلام عن العقول والنفوس. والقطاع الأهم فى رأيى بالوزارة هو قطاع الثقافة الجماهيرية وقطاع قصور الثقافة، فالثقافة الجماهيرية مشروع تنويرى يجب أن يعود إلى الصدارة خاصةً أن هناك محافظات شتى محرومة من أية أنشطة ثقافية وفنية وفى أمس الحاجة إلى هذا النور، أما عن قصور الثقافة التى يزيد عددها على الخمسمائة قصر فتنتشر فى محافظات الجمهورية، فعلينا أن نجعلها طاقة أمل وشعاع شمس وشريان حياة، وأن نزيد منها فروعًا أخرى فى كل قرية ونجع فقير فى ضواحى مصر، فى كل شبر بالمناطق العشوائية التى تحتاج أن ترى جمالاً وتعيش رقيًا يهذب هذا الواقع المتوحش الذى يقطنها بالبلطجة والعنف والجهل والتطرف. علينا أن نحافظ على حبات العقد حتى لا ينفرط، على هذا الجيل الذى خرج إلى عالم مفتوح كقرية صغيرة، عالم يغزوه التغريب والتشويه المتعمد الممنهج مدفوع الأجر بمال ملوث يضخه أعداؤنا لتفريغ المواطن من هويته وثقافته وأصالته وعراقة تاريخه وتراثه وحضارته. الحرب على الإرهاب تبدأ من وزارة الثقافة لا من وزارة الداخلية، الحرب على الإرهاب تبدأ بتجفيف منابع الفكر المتطرف داخل كل بيت وكل حارة وكل شارع، كل فصل دراسى لمدرسة ابتدائية تستعد عقول تلاميذها لتلقى أى فكر، وتكون نفوسهم بيئة طيعة للتشكيل إما لإبداع وإما لتطرف وعنف، الحرب على الإرهاب تبدأ بخطوات توعية وحملات تثقيف وتنوير بالثقافة والفن بكل أشكالهما داخل الجامعات بل وفى البيوت أيضًا، فإن كان أبناؤنا قد عزفوا عن الإبداع الحقيقى ووجدوا أنفسهم فى هذا التشوه الذى يجعل تذكرة حفل تتعدى مئات الجنيهات لمطرب يهذى سخفًا فوق خشبة مسرح، أو أفلام عرى فى سينما لا تجد ما يناهضها من إنتاج سينمائى تنويرى حقيقى من قبل الدولة، وإن كان كل ما يشغل الشباب الآن هو الألتراس والكرة والأغانى الفاسدة، فالعبء صار معركة كبرى تحمل راياتها الأولى وزارة مهمتها التنوير والتوعية والارتقاء بالذوق العام والحفاظ على إنسانية المواطن وعقله ومشاعر الخير والجمال فيه. إذا لم نفطن لكل هذا سيظل الشارع يعانى من البلطجة والعنف، ومؤسساتنا وشركاتنا تعانى من الفساد والبطالة المقنعة والرشاوى والتسيب واللامبالاة، ستظل مدارسنا وجامعاتنا تعانى من الجهل لتخرج لنا سنويًا آلاف الجامعيين الذين لا يفقهون شيئًا عن العلم أو الإبداع، إذا لم تبدأ وزارة الثقافة الخطوة الأولى بمنتهى القوة نحو الناس فى الشوارع والمدارس والبيوت وفى كل شبر على أرض هذا الوطن سيظل نزف الشهداء لدماء المصريين ضحايا العنف والإرهاب والتطرف، سواء ضباطنا وجنودنا فى وزارتى الداخلية والدفاع الواقفون على خط النار صباح مساء، أو المواطنون العاديون الذين يجنون ما يخلفه نبت شيطانى ناتج عن إهمال جسيم للعقول حدث على مر سنين طويلة. على سيادة الوزيرة أن تدرك بأن معاركها ستكون شديدة الشراسة، ستواجه مجتمعًا ذكوريًا رغم التشدق كثيرًا بأهمية المرأة ودورها فى المجتمع، سيكون هناك من يتربص بها لأنها «وزيرة» بتاء التأنيث على رأس وزارة تضم نخبة كبيرة من الرجال وترعى النخبة الأكبر من فئة المثقفين منهم المبدعون الحقيقيون ومنهم المدعون.. ننتظر بحب وشغف خطوات حقيقية وأفكارًا تطبق على أرض الواقع، ننتظر ما الذى ستفعله «ثقافة إيناس عبد الدايم».