زهقت.. طهقت.. اتفلقت.. كلمات تجري علي ألسنتنا أحيانًا ذات معان كبيره، يحتاج شرحها إلي ما لاتستطيع المكتبات ولا المطابع ملاحقتها.. كلمات عامية اللهجة بسيطة تجري علي الالسنة، بالغة الفصاحة استخدمناها هذه الايام بكثرة، لما نمر به من احن ومحن سياسية واقتصادية، وكأنها ورد من الاوراد التي تعلمناها وحفظناها علي يد شيخ الكتاب المشهور في قريتنا.. يريد قائلها من ورائها ان يرتكب جريمة 'لولا التفكير في العيال'. زهقت.. طهقت.. اتفلقت.. من ذاك السؤال الواحد المتكرر علي ألسنة العامة والمثقفين علي حد سواء.. هو احنا رايحين فين؟!.. اسمع واضحك، استغفرك ربي، لست ساخرا ولامستهزئا بالسؤال ولا بأصحابه .. السؤال له مدلول عظيم الشأن، يشير إلي ان التعليم في مصر، من اوله لنهاية مراتبه الجامعية، قد فشل.. تعليم لم يستطع ان يفرز عقولا تستطيع تحليل مايجري من حولنا في الداخل أو الخارج.. تعليم لم يكسبنا كيفية قراءة الحدث، وقراءة مصدره ،ان كان من بين رواته من اشتهر ولو مرة واحدة بالكذب، فلا نعمل به، فما بال رواة احاديث بلادنا السياسية والاقتصادية والصحفية، واكثرهم استغفر الله.! ايام عصيبة ،كثرت فيها الاجتماعات السياسية والحزبية، وتصاعد منها دخان حرق قش الارز السياسي، حتي انك لم تعد تري من بجانبك ولا من يتحدث، ولا ما يضيق صدرك به وتختنق.. صحف كثيرة، جزاها الله عنا خيرا، تكتب بالاحرف الكبيرة في صفحاتها الأولي كلمة 'كاذبون' بات الناس يسألون! من في هؤلاء هم الكاذبون ؟! المسؤول صاحب المقولة.. أم اجهزة حرق قش الارز السياسي.!! و الرد عندي أن ما يجري في بر مصر هو فيلم، رأيته عدة مرات بطولة انور وجدي واسماعيل يس، شاهدته في دار سينما بجوار منزل حماتي، منذ كنت خطيب ابنتها، كنا نذهب الي دار السينما ومعنا العزول الرذل اخيها الصغير، الذي كان يبتزنا بشراء قراطيس اللب والسوداني، أو طلبه المتكرر للذهاب الي دورة المياه حتي لا نستمتع بالفيلم.. وتمر السنين ..كبرت ابنتنا، ذهبت مع خطيبها الي دار السينما، رحت أسألها بخبث عن موضوع الفيلم. وإذ بها تحكي لي نفس قصة الفيلم الذي كنت قد رأيته في شرخ الشباب لانور وجدي واسماعيل يس، ومعنا العزول الرذل اخيها الصغير. لثلاثة اسابيع خلت 'شخشخ' جيبي عن بعض الجنيهات الفكة، بعد ما صارت معدنية، وفكرت في الذهاب الي السينما.. هذه المرة كنت بمفردي من زهقي وطهقاني، لما اسمعه في الاذاعات واشاهده علي شاشات التليفزيون واقرأه في الصحف، عن أبطال حرق قش الارز السياسي والتي تقول عنهم أيضا إنهم 'كاذبون'..للأسف كان الفيلم في منتصفه أو قل قد قارب علي الانتهاء.. كان الفيلم بطولة كمال الشناوي وعبد المنعم ابراهيم، سألت زميلي المتفرج بجواري عما فاتني، واذا به يحكي لي حدوتة فيلم لأنور وجدي واسماعيل يس، هو نفسه ما شاهدته مع خطيبتي ومعنا العزول الرذل اخيها الصغير وهي الآن ام الاولاد، اكملت لزميلي المتفرج بجواري باقي الفيلم، سألني الرجل انت شفت الفيلم ده قبل كده؟! قلت نعم من ثلاثين سنة، سكت الرجل عني لا اعرف خوفا أو تصديقا.. خرجت من السينما تخنقني ضبابات حرق قش الارز السياسي في شارع عماد الدين.. هذه هي مصر لم تتغير!! فقط تغير في الفيلم الابطال، من انور وجدي واسماعيل يس الي كمال الشناوي وعبد المنعم ابراهيم.. والفين مبروك لمن حصلوا علي الاغلبية الساحقة الماحقة في البرلمان، وان جلس علي المنصة مسرور السياف أو سعد الخوانكي.. ياتري من فيهم انور وجدي؟! ومن اسماعيل يس؟! والحمد لله كان الدخول إلي الفيلم هذه الليلة مجانا والعرض مستمر.