حينما تصير حصيلة مذبحة للمصلين فى مسجد 305 شهداء وعشرات المصابين، وحينما يتم اغتيالهم بهذه الطريقة الوحشية أثناء الصلاة، وحينما يغض القاتل الطرف عن أطفال لا ذنب لهم تشبثوا بأيدى آبائهم ليؤدوا فريضة الصلاة لإرضاء الله الذى يتحسسون بداية الطريق لمعرفته، وحينما يوجه السلاح إلى صدر الساجدين فى بيت من بيوت الله، إنه نفس السيناريو الذى حدث فى عدد من الكنائس المصرية أيضًا أثناء تأدية المسيحيين الصلاة، حينما تم اغتيالهم بدم بارد فى ليلة عيد وأثناء صلاتهم.. هناك من لديهم القناعة بأن قتلنا –مسلمين ومسيحيين على حد سواء- حتى ونحن بين يدى الله فهو أمر مباح وسهل ودمنا مستباح تحت أى ذريعة كانت، سواء كان بالفتاوى التى يتم إطلاقها لإحداث حالة من الفوضى فى مصر لا علاقة لها بأى دين، أوبتخريب الضمائر وإفساد الذمم ونشر الفساد، وأنا مع نظرية المؤامرة الكبرى التى تتعرض لها بلادنا ووطننا، والتى تهدف لإسقاطنا فى بئر الفوضى كما حدث للعديد من البلدان حولنا. ولكن، المؤسف فى الأمر والأكثر إيلامًا وقسوة هو ماهية مَنْ يقوم بتنفيذ هذه العمليات الإرهابية الإجرامية، فأى عقل هذا الذى يستوعب أن مصريًا يرفع السلاح فى وجه مصرى؟، من أين يبدأ رحلة تجرده من مصريته وآدميته وإنسانيته؟، وكيف يستطيع أحد ما أيًا كانت المغريات التى يقدمها أن يغسل عقل بنى آدم ويسلب مشاعره وإحساسه بالذنب أو الحزن أو الرهبة من سفك الدم؟ متى يبدأ مشروع الإرهابى؟، وأين البيئة التى ترعاه، وتنمى داخله كل هذا التوحش والعنف؟ وماذا علينا أن نفعل كدولة، كمواطنين نحب هذا البلد ونحرص على بقائه مؤمنين أن بقاءنا من بقائه، ماذا فعلنا لمواجهة الإرهاب؟ لقد تركنا أبناءنا ورجالنا من الجنود والضباط يواجهونهم بالسلاح فيستشهد من رجالنا الكثير أيضًا فى مواجهات دامية وتمتد سلسلة العنف وتنتقل من مكان لآخر دون علاج حقيقى لوقف هذا الفكر وبتره لتعجيزه عن التمدد والوصول إلى أفراد وشباب جدد يتسلمون راية الفكر المتطرف، ويكملون مسيرة الدم، فمع كل حادث إرهابى يظهر أبو مصعب جديد ومع المئات بل الآلاف من أمثاله، يتناقلون الفكرة المرعبة ويجمعون على أن القتل وسيلتهم للحياة. الأمر أكبر من مواجهته بالسلاح فقط، علينا أن نؤازر أبطالنا على جبهة هذه الحرب الشرسة بتكاتف كل مؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، وأن يجتهد كل بيت فى حماية أبنائه وفقًا لمشروع وطنى كبير يرفع راية تظللنا جميعًا بعنوان «تجفيف منابع الإرهاب» هذا المشروع يبدأ من سن «الروضة» حتى لا نصل لتكرار مذبحة «الروضة» التى حتمًا ستتكرر طالما لم ننتبه بعد للحل والعلاج الناجع لاجتثاث فكرة العنف بكل أشكاله من المجتمع المصري. وفى روشتة سريعة لكل مَنْ يهمه أمر هذا البلد، فعلى الدولة أن تعيد حصص الموسيقى والتربية الفنية والرياضة والمسرح والمكتبات وحصص الخطابة ومجلة الحائط، وأن نعود لعمل المسابقات بين المدارس والجامعات على مستوى المناهج الدراسية والاختراعات العلمية والفرق الفنية وحفظ القرآن، وأن يتم الربط بين كل مدارس مصر وأن تكون هناك رقابة حقيقية على أداء المعلمين داخل الفصول الدراسية، ماذا يزرعون فى عقول أبنائنا، على الدولة أن تعود بقوة إلى الإنتاج السينمائى وألا تترك الساحة لمن يخربون عقول أبنائنا بمشاهد البلطجة والعنف الذى صار يحتل شاشاتنا ويتمدد فى شوارعنا وقلوبنا بشكل مخيف ببساطة لأننا اعتدنا عليه. علينا أن نفعِّل دور مراكز الشباب فى كل محافظات مصر، وكذلك قصور الثقافة، وأن نبدع فى آلية جذب الشباب إلى هذه الأماكن من سن صغيرة، هذه السن الذى يستقطبه الإرهابيون ويستغلون فراغ الشباب وانعدام الرؤية للمستقبل وغياب الحلم الإنسانى البسيط فى أن يحصل كل منهم على وظيفة لا ينفق بها على نفسه فتكفى بالكاد مواصلاته وإيجار سكن مشترك له ولأصحابه وقوت يومه، بل علينا جميعًا كدولة ورجال أعمال وطنيين أن نستثمر هذه الطاقات وأن نفتح الباب للمشروعات الصغيرة وندعمها بالمكان وبالمواد الخام وبالاستشاريين اللازمين لتوجيههم وتعليمهم وأن نفتح لإنتاجهم أسواقًا حقيقية داخل وخارج مصر لا أن نتركهم يديرون أمورهم بخبرات ضعيفة وإمكانيات تكاد تنعدم وسوق تبتلع الصغير لصالح الكبار فتدوسهم الأقدام وتهددهم السجون فى حال عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم. الأمر يحتاج لدولة ترعى هذا المشروع الوطنى وليس مجرد مواطنين يتحركون فرادى فتضيع جهودهم سدى كمن يحرث فى البحر، إذا كنا نسعى بحق لعدم تكرار مذبحة مسجد الروضة وغيرها من المساجد والكنائس والشوارع التى طغى فيها الإرهاب علينا نحن برفع راية الجهاد ضد التطرف بكل وسيلة نمتلكها، فإن لم نكن نمتلك الوسائل فعلينا أن نخترعها، القضية قضية حياة أو موت، ليست حياة أفراد فقط نحتسبهم عند الله شهداء، بل حياة وطن بتاريخه وحضارته وأرضه وأهله، وبقائه.