تصادف حادث طريق الواحات الإرهابى، مع العيد الخمسين لقواتنا البحرية، الذى يوافق 21 أكتوبر، ما دفع البعض للقول بأن الجماعات الإرهابية تختار المناسبات الوطنية، لتنفيذ هذه العمليات الإجرامية، لإفساد فرحة المصريين.. ربما يكون الأمر كذلك.. لكن الأخطر من إفساد الفرحة، هو إشاعة الإحباط بين الناس. أدرك أن الحادثة الأخيرة صادمة، وأن عدد الشهداء كبير، وأفهم جيدًا خطورة ما حدث على مستوى التطور النوعى فى العمليات الإرهابية، لكن علينا أن ندرك فى المقابل، أن الهزيمة عندما تصبح حالة يعيشها الوطن أخطر بكثير من الهزيمة فى معركة مهما كانت خسائرها، والمسألة لا تتعلق فقط بالمواطنين أو الناس العادية، لكن حتى بالنسبة لرجال الشرطة أنفسهم، فاستشهاد بطل من أبطالنا ضابط أو مجند، رغم قسوة ذلك، لا يساوى أن يعيش الضابط أو المجند ميتًا وهو على قيد الحياة. الحزن أمر طبيعى، لكن الإحباط لا.. الحزن يدفعنا إلى تصحيح الأخطاء، ومحاسبة المقصرين، وتعديل المسار، أما الإحباط فهو مدمر، وإذا كان الهدف من التوقيت كما يردد البعض إفساد الفرحة بذكرى انتصارات أكتوبر، أو كسر حالة الزهو التى شعر بها المصريون مع انضمام مقاتلات حديثة ومتطورة لقواتنا البحرية، فعلينا أن ننظر للوجه الآخر، ونستلهم تجربة 1967، فى مواجهة كافة التحديات، ونرى كيف رفض المصريون النكسة، وتجاوزتها قواتنا المسلحة سريعًا، ولم تستسلم لنتائجها، رغم قسوتها. وعلى ذكر عيد قواتنا البحرية وانتصارات أكتوبر، علينا أن نتذكر جيدًا، كيف تجاوز الوطن محنته، ففى أعقاب نكسة يونيو ظن العدو الصهيونى أنه فرض سيطرته التامة، على مسرح العمليات البحرى، فاخترقت أكبر وحداته البحرية «المدمرة إيلات» المياه الإقليمية المصرية.. فصدرت الأوامر بمغادرة «لنشين» للتعامل مع المدمرة، ونجحا فى إغراقها باستخدام الصواريخ البحرية «سطح سطح». وكان درسًا قاسيًا للعدو الصهيونى، كونها المرة الأولى فى تاريخ بحريات العالم، التي تنجح فيها وحدة بحرية صغيرة فى تدمير وحدات بحرية كبيرة الحجم مثل المدمرات والفرقاطات. السؤال: الذى يجب أن تكون لدينا عليه إجابة واضحة: هل هناك معركة بدون خسائر؟!.. لماذا تُؤسِس الدول الجيوش والأجهزة الأمنية، وتُنفق عليها المليارات، وتوفر لها أحدث الأسلحة؟.. بالطبع لتحارب، دفاعًا عن مصالح الدولة وحماية ترابها والحفاظ على حدودها وسيادتها، ويموت فى سبيل ذلك الشهداء والشهداء. لقد أكدت قبل ذلك فى أكثر من مناسبة، على أهمية أن ننظر للأمر من كافة زواياه، وليس من زاوية التضحيات فحسب، فشهداؤنا فى سيناء وفى كل ميادين الحرب على الإرهاب ماتوا مرفوعى الرءوس وهم يدافعون عن تراب الوطن واستقلال وسيادة أراضيه.. ماتوا ليولد الثأر من جديد، وليعلمونا أن هناك أشياء جديرة بأن نموت فى سبيلها ونضحى بأرواحنا من أجلها.. ماتوا حتى لا تُساق نساؤنا إلى أسواق النخاسة. فافرحوا ب«النصر».. و«الشهادة»، ولا تنساقوا وراء موجات البكاء ومصمصة الشفاه.. ولا تستفزكم مشاهد الشامتين أو من يظهرون على «قنوات الإرهاب» يتبادلون التهانى فرحًا فى موت الأبطال.. فقد فعلها آباؤهم وأجدادهم بعد نكسة 1967، ليبرهنوا على خِستهم. لاتستسلموا لمشاعر الإحباط، لوقوع عملية إرهابية هنا أو هناك، ولا تقعوا فريسة للحروب النفسية؛ فمصر التى تحطمت على عتباتها أعتى الجيوش الاستعمارية، من الهكسوس والتتار والمغول، مرورًا بجيوش أوربا الاستعمارية، وحتى الكيان الصهيونى، تدفع الآن ثمن البقاء، ثمن أن يظل وطننا حصن الاستقرار فى منطقة تغرق فى العنف. أبطالنا فى سيناء وفى غيرها، يقاتلون ويُستشهدون، فى انتظار النصر، وبغير ذلك لن يكون أمامنا خيار آخر سوى القتل. واقرءوا معى قول الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.. (البقرة: 216).