أودعت محكمة جنايات القاهرة أسباب حكمها الصادر في قضية الرشوة الكبرى بمجلس الدولة، والتي قضت فيها المحكمة بمعاقبة مدير الإدارة العامة للتوريدات بمجلس الدولة جمال الدين محمد إبراهيم اللبان، بالسجن المؤبد وتغريمه مليوني جنيه وعزله من وظيفته، ومصادرة المبلغ محل جريمة الرشوة وقدره مليون و 293 ألف جنيه، وإعفاء المتهمين الثلاثة الآخرين في القضية من العقاب. صدر الحكم برئاسة المستشار حمدي الشنوفي، وعضوية المستشارين محمد رأفت الطيب، ومصطفى الحميلي، وحضور المستشار إلياس إمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا. وذكرت المحكمة أن الاتهامات المسندة إلى المتهم الأول جمال اللبان، قد ارتبطت ارتباطا لا يقبل التجزئة، إذ انتظمتها خطة إجرامية واحدة، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بالعقوبة المقررة لأشدها عملا بنص المادة 32/2 من قانون العقوبات وهي جريمة الرشوة. وأكدت المحكمة أن الجرائم التي ارتكبها المتهمون استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حقهم، والمتمثلة في طلب وتقديم رشوة مالية وجنسية وعطايا عينية والتوسط فيها مقابل الإخلال بالواجبات الوظيفية، بإرساء بنود توريد أثاث مكتبي لمجلس الدولة لشركة مملوكة لإثنين من المتهمين، بالمخالفة للقانون وبسعر يزيد عن قيمتها وصرف مستحقاتها قبل التوريد، والتزوير في محررات رسمية واستعمالها. وأوضحت المحكمة أن صحة وقائع الاتهام أثبتتها شهادة عضوي هيئة الرقابة الإدارية، اللذين توليا إجراء التحريات وتنفيذ إذن النيابة العامة بمراقبة وتسجيل وتصوير اللقاءات التي تتم بين المتهمين في الأماكن العامة والخاصة ومراقبة وتسجيل الأحاديث الهاتفية التي تتم بينهم، وكذا شهادة أحد تجار الأثاث، وما قرره المتهمون الأربعة بالتحقيقات من اعترافات، وما قرره المتهمان الثاني (رباب أحمد عبد الخالق) والثالث (مدحت عبد الصبور شيبة الحمد عبد الدايم) أمام المحكمة، وما قرره المتوفى وائل شلبي أمين عام مجلس الدولة "المنتحر" بتحقيقات النيابة العامة، وما ثبت من ملاحظات النيابة وتحقيقاتها. وأكدت المحكمة أن الأوراق وواقعات الدعوى أبت إلا أن يكون المتوفى وائل شلبي أمين عام مجلس الدولة المنتحر، هو فارسها وقاسمها الأعظم، حاضرا فيها، فهو الشريك الأهم والفاعل الأكبر، موضحة أن دوره في وقائعها التي دارت رحاها بعلمه وإرادته، كونه هو الإمام في الدعوى وما كان كل ذلك ليحدث لولا تخليه عن دوره ورقابته وحسن إدارة ومتابعة مرؤوسيه.. مشيرة إلى أن ما أتاه أمين عام مجلس الدولة المنتحر والمتهم الأول (جمال اللبان) هي بدعة وضلالة وقد غلب عليهما ولع التبطل وغواية الاستعظام وظنا انهما في الحياة أحرارا من قيود النظام والقانون فخرجا عليه. وأشارت المحكمة إلى أنه كان لزاما على المتوفى إزاء ما أنعم الله به عليه أن يسجد لله شاكرا لنعمته التي حباه إياها، وأن يؤدي حق شكر النعمة بواجب حسن أداء العمل، وأن يؤدي عمله بأمانة وصدق وبالحق وبعدل أقسم على أن يؤدى عمله به وعلى أساس منه، بيد أنه وبدلا من ذلك نحى وائل شلبي منحى آخر لا يليق بمقامه ومكانته وبالصرح الذي ينتمى إليه ولا يتفق أبدا مع ما أؤتمن عليه من أمانة، مطلقا لشيطان نفسه العنان فعاث في الصرح وفي الأرض مفسدا وللأمانة مبددا ولحرمة الأعراض منتهكا ومهدرا وضيع أمانته وأساء إلى حصنه بل وإلى الهيئة التي ينتمى إليها ورمى حصانته وباع كل ذلك بثمن بخث كان فيه من الزاهدين، جنيهات معدودة وبضع لقاءات جنسية محرمة ممجوجة، ولقاء ما تلقاه من ثمن راح هو والمتهم الأول يعبثان بالوظيفة العامة ويقدمان ذمتهما قربانا للشيطان وراحا أيضا يعبثان بالمال العام بغير حسيب أو رقيب. وأوضحت المحكمة أن المتهم الأول جمال اللبان والمتوفى وائل شلبي، طلب كل منهما إقامة علاقة جنسية مع المتهمة الثانية رباب أحمد عبد الخالق، على سبيل الرشوة وقبلت هي تلك العلاقة وقامت بمواقعة الإثنين عدة مرات من أجل الاخلال بواجبات وظيفة كل منهما، واثر ذلك علمت من المتهم "اللبان" خلال الفترة من أبريل ومايو 2016 عزم المتوفى وائل شلبي ترسية مناقصة لتوريد أثاث مكتبي لمقري مجلس الدولة بمحافظتي المنيا والبحيرة لصالحها والمتهم الثالث زوجها، واتفق المتهم الأول مع المتهمة الثانية على أسعار تلك التوريدات، ثم تلقت المتهمة اتصالا هاتفيا من المتوفى وائل شلبي والذي أخبرها فيه بعزمه إسناد أعمال التوريد لصالحها، واستفسر منها عن أسعار التوريدات، فأخبرته بها كاتفاقها مع المتهم الأول. ولفتت المحكمة إلى أنه تم إسناد أعمال توريد أثاث لمقر مجلس الدولة بسوهاج إلى شركة المتهمة الثانية وزوجها المتهم الثالث، وهي شركة الخلود للأثاث المكتبي بقيمة مليون جنيه، وقام المتهم الأول باستصدار شيك بأكبر من قيمة التوريدات الحقيقية على أن يحصل لنفسه وللمتوفى وائل شلبي، على المبالغ الزائدة كرشوة فوق الرشوة الجنسية، فأنهى المتهم الأول إجراءات صدور شيك هذه العملية بمبلغ مليون و 732 ألف جنيه لصالح شركة الخلود للأثاث، على الرغم من عدم توريد المؤسسة لهذه الأعمال المطلوبة من أثاث لمخازن مجلس الدولة وذلك بعلم المتوفى وائل شلبي. وأضافت المحكمة أن المتهمين اتفقوا بعد صرف قيمة الشيك من بنك الاستثمار القومي في يوم 27 نوفمبر 2016 ، على أن يقوم المتهم جمال اللبان بتسليم المتهمين الثانية والثالث (أصحاب شركة الخلود للأثاث) قيمة العملية وهو مبلغ مليون جنيه على ثلاث دفعات، واحتفظ لنفسه وللمتوفى وائل شلبي بباقى قيمة الشيك وقدرها 732 ألف جنيه على سبيل الرشوة. وأكدت المحكمة أن المتهم الأول جمال اللبان أثبت على غير الحقيقة بمحضري لجنة الفحص إضافة توريد مؤسسة الخلود للأثاث للأصناف موضوع المناقصة رقم 8 للعام المالي 2016 – 2017 لمجلس الدولة والتعلية عليها إلى مخازن المجلس خلافا للحقيقة، ومهر محضري لجنتي الفحص بإمضاءات مزورة نسبها لأعضاء لجنة الفحص ورئيسها، واستعمل تلك الأوراق المزورة بتقديمها إلى إدارة الحسابات بمجلس الدولة وحصل بذلك على شيكين بمستحقات شركة الخلود للاثاث المكتبي بغير حق وبعلم وموافقة المتوفى وائل شلبي، وقدمت المتهمة الثانية للمتهم الأول المكافأة اللاحقة وللمتوفى على النحو المتقدم بعد تقديمها الرشوة الجنسية لهما بمواقعتهما في أماكن عدة، منها مسكن المتهم الأول والشاليه الخاص به ومسكن المتوفى وائل شلبي ومعرض بريمير هوم. وأوضحت المحكمة أن تقرير أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى انتهى إلى أن المتهم جمال الدين اللبان هو الكاتب بخط يده صلبا محضر الفحص المؤرخ في 26 نوفمبر 2016 والإمضاءات الثابتة عليه. واستعرضت المحكمة الاعترافات التي أدلى بها المتهمون بتحقيقات النيابة العامة، واعتراف المتوفى وائل شلبي بالتحقيقات، والتي تضمنت اعترافا تفصيليا لوقائع الرشوة المالية والجنسية والتزوير موضوع الاتهام.. علاوة على ما أثبتته التسجيلات المأذون بها وتضمنها طلب المتهم جمال اللبان والمتوفى وائل شلبي إقامة علاقة جنسية مع المتهمة الثانية وسعيهما لإسناد أعمال توريدات أثاث لمجلس الدولة واتفاقهما والمتهمة الثانية على تحديد أسعار لتلك التوريدات وطلب المتهم الأول والمتوفى من المتهمين الثانية والثالث مبلغ 800 ألف جنيه على سبيل الرشوة وتوسط المتهم الرابع فى تقديمها . كما استعرضت المحكمة شهادات مديري مخازن مجلس الدولة والشئون المالية بالمجلس، والذين أقروا بمسئولة المتهم الأول في شأن التوقيع وصرف المستحقات المتعلقة بتوريد الأثاث لمقار مجلس الدولة.. علاوة على ما قرره أعضاء لجنة الفحص، من عدم توقيعهم على أية محاضر تتعلق بتوريد شركة الخلود لأثاث لمجلس الدولة، وأن التوقيع المنسوب لهم على محضر لجنة الفحص المؤرخ في 26 نوفمبر 2016 ليس توقيعهم. وأشارت المحكمة إلى أنها تطمئن إلى صحة التحريات التي أجرتها هيئة الرقابة الإدارية، والإذن الصادر عليها من النيابة العامة، وكذا صحة الاعترافات التي أدلى بها المتهمون الثانية والثالث والرابع بتحقيقات النيابة العامة، وجاءت على نحو مفصل وتخلو من شائبة الإكراه ولصدور تلك الاعترافات عن المتهمين بإرادة حرة ومختارة.. لافتة إلى أنها وإن استندت إلى التسجيلات فإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت في الدعوى، أى أنها عولت عليها تأييد وتعزيزاً للأدلة الأخرى ولم تتخذ منها دليلا أساسيا على ثبوت الاتهام، وتطرح المحكمة إنكار المتهم الأول ما أسند إليه من اتهامات الرشوة، كون ذلك منه ليس سوى وسيلة للدفاع عن نفسه بقصد الإفلات من العقاب. وأكدت المحكمة أنه كان يتعين عقاب المتهمين من الثانية وحتى الأخير عن جرائم تقديم رشاوى مالية وجنسية وعطايا للمتهم الأول جمال اللبان والمتوفى وائل شلبي للإخلال بواجبات الوظيفة، وهي الجرائم التي اعترفوا بها وجاءت الأدلة من تحريات وأقوال وتسجيلات للرقابة الإدارية متضافرة ومتساندة على صحتها.. غير أن الدفاع الحاضر مع المتهمين الثلاثة تمسك بإعفائهم من العقاب، إعمالا لنص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات والتى جرى نصها على أنه "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو اعترفا بها". وأوضحت أنه المستقر عليه قضاء أنه إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فإن القانون لم يشترط له أى شرط بل جاء لفظه فيه مطلقا خاليا من كل قيد زمني أو مكاني أو كيفي، فلا يجوز أن يضع له القاضي قيودا من عنده بل كل ما له أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار صريح لا مواربة فيه، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أي أمر آخر، ويشترط في الاعتراف الذي يؤدى إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقا لنص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات أن يكون صادقا كاملا يغطى جميع وقائع الرشوة التى ارتكبها الراشي أو الوسيط دون نقص أو تحريف وأن يكون حاصلا لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. وذكرت المحكمة أنه في ضوء ما تقدم، وكان الثابت أن المتهمين الثلاثة، من الثانية حتى الأخير، الذين تم اتهامهم بتقديم الرشوة والوساطة فيها، قد اعترفوا تفصيلا بوقائع الرشوة وتفصيلاتها بتحقيقات النيابة العامة، وقد انصبت اعترافاتهم على الحقيقة كاملة بكل جزئية فيها وتفصيلاتها كاملة واتخذت المحكمة منها دليلا أساسيا على ثبوت الاتهام قبل المتهم الأول، وكان الثابت أيضا أن المتهمين الثلاثة صمموا على تلك الاعترافات بذات التفصيلات أمام المحكمة، الأمر الذي ترى معه المحكمة إعمال نص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات في حقهم والقضاء بإعفائهم من العقاب.