أيام.. وتحتفل مصر بأعظم الثورات في تاريخها.. عام كامل مر بأفراحه، وأتراحه.. بأهازيج النصر يوم تداعي عرش الفساد والاستبداد.. حين أسقطته إرادة الثوار الأحرار..وبنكسات الثورة، حين تراجعت أهدافها، وضلت راياتها الطريق. كانت الثورة ولا تزال، واحدة من أعظم ما سطر شعب مصر من تضحيات.. لقد أسقط آخر الفراعنة، واستعاد حقوقه السليبة.. استرد كرامته المفقودة.. وصاغ صفحات مجيدة في تاريخ البشرية. عاش شباب الثورة الأصلاء.. أطهارًا.. أبرارًا.. لا تشوبهم شائبة.. فيما نحي البعض نحو امتطاء الثورة.. بعد أن حوّلها البعض إلي فريسة.. كل ينهش بعض جوانبها. جنرالات فضائيات.. تخصصوا في السطو علي كل الثورات والحركات.. يمتلكون حاسة شم مريبة.. وقرون استشعار علي البعد.. يمدون مخالبهم في كل الأنحاء.. يراقبون ما يجري.. ثم يركضون ليبشروا الناس بأدوارهم المفقودة.. وبطولاتهم الزائفة.. وأراجيفهم الكاذبة. لا يملون من الكذب، بعد أن بات حرفتهم، وتجارتهم، يروجون للإفك، أينما وجدوا، يتقمصون أدوار الشهداء، وأبطال الثورة، فقد جُبلوا علي أداء المشاهد المسرحية ببراعة فائقة. بعض هؤلاء، وجد في الثورة، لحظة مناسبة لحصاد وفير من المال.. استجلبوه من مواقع مشبوهة، وبلدان تضمر شرًا لمصر، وثورتها.. زعموا أنهم فرسان للثورة، ومدافعون عن حقوق الناس، بينما اليقين الذي يدركه الجميع، أنهم ما شوهدوا في الميادين، إلا أمام الكاميرات وعند المشهد العام.. لم يلحظهم أحد عندما تصدي أبطال الثورة وشهداؤها لحرب الفلول، المعروفة باسم 'موقعة الجمل'.. ولم يشاهدهم أحد عند جلبة الميدان، ووسط المخاطر التي أحاطت به في أيام عاصفة وبالغة الخطر.. بل كانوا أصحاب دكاكين جاءوا يقتاتون بضاعتهم علي حساب دم الشهداء، وآلام المعذبين وأوجاع المصابين. اغترف هؤلاء الملايين الحرام باسم الثورة وشبابها وشهدائها.. تاجروا بالوطن وباعوه في أسواق الغرب وعند بوابات إداراته.. تاهت عن ناظريهم الخطوط الفاصلة، بين ملايين سعوا لاكتنازها بشتي السبل، ووطن جريح جل همه أن يستعيد كبرياءه وكرامته علي طريق الاستقلال. هتف شباب التحرير للوطن الحر والمستقبل، وهتف أصحاب الدكاكين للمال الحرام أنَّي كان مصدره.. دفع الشباب دماءهم الزكية فداء لوطن يشق طريقه بقوة نحو مستقبل آمن وحر، واندفع آخرون يلهثون وراء ملء جيوبهم بأموال المعادين لحرية الوطن واستقلاله.. ذابت لديهم الفواصل.. لم يعودوا يبصرون حتي أنهم دلفوا من كل بوابات الشر، اوسلكوا دروبها فراحت تتفتح أمام شراهتهم، واثقة أن ما ستضخه في حسابات هؤلاء سوف يضعهم جميعًا رهن قبضتها وفي متناولها لتحقيق ما تريده من أهداف وغايات. وعلي شاكلة هؤلاء ارتدي سياسيون أثواب البطولة.. شخوص باهتة لم تكن تجرؤ علي مجرد الاقتراب من فساد نظام طغي وتجبر تحولوا بعد الثورة إلي قادة وأبطال ومناضلين لا يشق لهم غبار.. لعبوا أدوار البطولة بمهارة وإتقان حتي كاد البعض يصدق أداءهم الركيك علي مسرح الثورة.. إعلاميون.. صحفيون.. مذيعون.. كتاب.. تقلبوا علي الموائد.. قادوا حملات تبييض وجه النظام البائد.. استمرءوا الخديعة التي انطلت علي البعض في مرحلة ما بعد الثورة.. وراحوا ينقلبون علي ذواتهم.. ويقلبون لسانهم.. ينطقون بمفردات مضادة وعبارات متعارضة ومواقف متصادمة حتي لتكاد تحسبهم ثوارًا من فرط حماسهم واندفاعهم ودفاعهم اللامحدود عن الثورة ورجالاتها. وبين هؤلاء وأولئك تبرز طائفة المخادعين الرافعين رايات 'الوطن في جيبي' و'تجارته هدفي'.. تجدهم أكثر الناس صخبًا في تجارة القلم.. وأكثرهم ولعًا بالإطلال علي الشاشات.. يختلقون المعارك الوهمية.. ساعين عبر أساليب الاحتيال والخداع التي يجيدونها لابتزاز الآخرين واكتناز المغانم. لقد نجح أحد هؤلاء الخداعين في أن يحصد في ضربة واحدة ومشهد محدود في ميدان التحرير صحيفة يومية وقناة خاصة.. ما أتعسه من يكسب إن كان علي حساب الاتجار بالوطن وبيع دم شهدائه الأبرار.