رغم بحثي طويلاً دون جدوى عن اليوم- وكذلك الشهر- الذي ولد فيه روائي مصر الكبير صنع الله إبراهيم، إلا أن معرفة سنة ميلاده (1937م) كانت تكفيني لأن أدعو كل مؤسساتنا الثقافية والأدبية للإحتفال ببلوغه الثمانين، وهو أقل ما يمكن أن نقوم به تجاه أديبنا الساحر ب «قيمته» و«قامته» السامقة بين روائيى مصر الكبار الذين نباهي بهم الأمم لأنهم- باختصار- أقوى أسلحة «قوة مصر الناعمة». (1) ولد أديبنا مميزاً باسم غريب عن الأسماع إذ أنجبه والده الشيخ الستيني، وقام بصلاة استخارة ثمّ فتح المصحف فوضع أصابعه على كلمة «صُنع الله الذي أحسن كل شيءٍ خلقه» (النمل:88)، وأطلق عليه «صنع الله»، وهو الاسم الذي حيَر الكثيرين لدرجة أنه مع تنامي المد الديني في الربع الأخير من القرن الماضي، كان أديبنا يُسأل: مسلم أم مسيحي؟!، فكان رده الدائم: قبطي.. بمعنى مصري!!. (2) في الملتقى الثاني للرِّواية بالقاهرة عام 2003، فجر صنع الله مفاجأته المدوية برفض الجائزة وقيمتها 100 ألف جنيه اعتراضاً على سياسات القمع والتطبيع وغياب العدالة الاجتماعية إبان حكم مبارك، ورفضاً لخطة وزير ثقافته فاروق حسني بتدجين المثقفين داخل»حظيرته» الشهيرة!! (3) لن نبالغ إذا قلنا إن جيل الستينيات هم أيقونة الإبداع المصري برموزه الكبيرة، ولكل منهم رونقه ومنهم أديبنا الكبير الذي التزم طوال مسيرته بخط مناوئ للإمبريالية ولتعسف السلطة، والانحياز لمفهوم العدالة الاجتماعية.. وذلك على المستوى الفكري، أما على مستوى «تكنيك الكتابة» فهو الأميز في استخدام تقنية الكولاج «اللصق» داخل أعماله (رواية «ذات» نموذجاً)، وإن كان يميل هو شخصياً لتسمية ذلك ب«التضمين»، كم أنه يعد مبتدع التمثيل الاستعاري بلا منازع في الرواية كقول بطل رواية «اللجنة».. رفعتُ يدي المصابة إلى فمي، وبدأت آكل نفسي؟!! (4) منذ صدور روايته القصيرة «تلك الرائحة»، أصدر أديبنا الكبير عدة أعمال رائعة منها:نجمة أغسطس – ذات- اللجنة - بيروت بيروت- العمامة والقبعة- التلصّص -يوميات الواحات- الجليد- برلين69، فضلاً عن «أمريكانلي» والتي يمكن أن نقرأها هكذا «أمري كان لي» عد كذلك وهي عن اشكالية العلاقة مع أمريكا!!. (5) رغم سجنه لنحو 5 سنوات إبان حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن صنع الله يرى أن فترة حكمه كانت أفضل فترات مصر في ميداني: المساواة الاجتماعية والاستقلال الوطنى، مشيراً إلى أن الظاهرتين الناصرية والشيوعية- بالرغم من كل المثالب- من الظواهر المضيئة في تاريخنا الحديث.