عندما قرر الروائى الكبير نجيب محفوظ أن يتحول لكتابة السيناريو، كان يملك رصيدًا هائلًا من اللغة ومفرداتها، وقدرًا كبيرًا من الإدراك والفهم لفن السينما خاصة بعد أن تحولت روياته إلى اعمال سينمائية خالدة كانت علامة مميزة فى تاريخ الفن السابع، وهو ما مكنه من احتراف كتابة السيناريو والتخلى عن كتابة الرواية فترة ليست بالقصيرة، حيث تصدى لكتابة سيناريوهات أفلام بعيدًا عن رواياته من بينها سيناريوهات عن أصول أدبية لروائيين غيره، ربما كانوا من أشد منافسيه. ويبدو أن التحول الذى حدث مع نجيب محفوظ واسهم فى تحوله إلى سيناريست محترف، لم يحدث مع الروائى الشاب أحمد مراد، الذى قرر كتابة فيلما السينمائى الأول «الاصليين» مباشرة إلى السينما، حيث تعامل مراد مع السيناريو كما لو كان إحدى رواياته وغاب عنه أن السرد فى السيناريو مختلف عن السرد الروائى، وهو الفخ الذى وقع فيه السيناريست المبتدئ والروائى الشهير عندما قرر أن تدور أحداث الفيلم حول جريمة تتقاطع وتتلاقى أحداثها طوال الأحداث لكنه لم يقدم أو يعرض اسباب تلك الجريمة وترك المشاهد فى حيرة من أمره يسعى بمفرده للوصول إلى اسباب الجريمة، ما اصاب بالتشتت وأبعده عن أحداث مفصلية أخرى عج بها السيناريو، ويبدو أن «مراد» استوحى الغموض الذى يغلف بعض رواياته فى صياغة سيناريو «الاصليين» وهو يعتقد خطأ أن هذا التكنيك، جديد على السينما ويسهم فى نجاح الفيلم وإطفاء جو من الغموض والإثارة على الاحداث. وغاب عنه ان ما يكتبه على ورق السيناريو سيتحول إلى فيلم سينمائى يشاهده الناس وليس رواية للقراءة فقط، ما يتطلب منه مهارات فنية خاصة يضيفها كاتب السيناريو إلى النص الدرامى يتحلل من خلالها من ثقل مفردات الرواية وتداعياتها.، وهو بذلك يرسخ لنظريته السينمائية التى تؤكد أن الأفلام السينمائية لا تصنع بهدف إيصال «رسالة» للمتلقى، وأن التسلية فى حد ذاتها يمكن أن تكون أكبر رسالة. ومد مراد الخط على استقامته وتمادى فى إطفاء جو الغموض على الشخصيات الرئيسية فى الفيلم بخاصة شخصية «ثريا» أو «منة شلبى» التى قدمها مراد على انها تعمل فى تخصص نادر يكرس فكرة الغموض وهو «تاريخ منحنى الحضارات الإنسانية»، وتلقى محاضرات عن تاريخ زهرة اللوتس الزرقاء، وللوهلة الأولى يدرك المتلقى أن «مراد» يهدف إلى شىء آخر عندما يشير إلى المجال الذى تعمل فيه «ثريا». وبما أن «الأصليين» يُجندون أنفسهم من أجل خدمة الوطن فإنهم يضطلعون بمراقبة ثُريا ويكلفون بهذه المهمة «سمير علوان» الذى يجسده «ماجد الكدوانى» الذى يعمل موظفًا فى بنك، يعيش حياة استهلاكية، يجمع أوراق الصحف القديمة، ينتمى إلى طبقة اجتماعية تُحب الأفلام الأمريكية وترتاد محلات الوجبات السريعة، ويتحدث الانجليزية بطلاقة، لكن وكالعادة لم يجب «مراد» على أسئلة عدة على رأسها كيف أقنع «الاصليين» سمير بمراقبة «ثريا» وكيف يتم ذلك. كل هذا السيل من الاخطاء الساذجة يبدو أنه دفع المخرج المبدع مروان حامد إلى التدخل لإنقاذ فيلمه، واستغل مهاراته لخروج الفيلم فى أفضل حال، وهو ما بدا واضحًا من اول مشهد فى الفيلم، حيث نلحظ صورة فائقة الجودة على الطريقة الفرنسية، وموسيقى وضعها الموهوب هشام نزيه تُسرّب الإحساس بأهمية ما يجرى أمامنا على الشاشة، وأن الأبطال على وشك الكشف عن الغموض الذى اراده أحمد مراد، وتدخل مروان حامد ببراعة لإنقاذ الموقف. وساعد مروان فى مهمته التى تبدو صعبة الأداء الجيد للممثلين وعلى رأسهم، ماجد الكدوانى الذى لولا أداءه الفريد كان من الممكن أن يتعرض الفيلم لنكسة خطيرة لو أن ممثلًا آخر تصدى للدور. وكذلك خالد الصاوى الذى جاء أداؤه رفيعًا بخاصة وهو يرقص على أنغام صوفية، أما منة شلبى فلم يمنحها الدور الفرصة للتعبير عن قدراتها الحقيقية كممثلة أصبحت كبيرة مهنيًا.